الغد-هآرتس
يونتان زايغن
الوقت منذ 7 أكتوبر يتم قياسه بطرق مختلفة: بالأشهر، الأيام، السنين والجثث. بالنسبة لي لا يهم كيف مر الوقت منذ قتلت والدتي، فيفيان سلبر، في كيبوتس بئيري. من جهة، الوقت توقف عند 7 أكتوبر وأنا ما زلت هناك، عندما كنت أقوم بتوديعها في الهاتف، في الوقت الذي كان فيه المسلحون على الباب. ومن جهة أخرى، أنا في المستقبل، كنت هناك بعد تلك اللحظة – مستقبل فيه هذا الموت هو أمر غير ممكن لأي شخص.
في غضون ذلك هناك شيء يقف امامي كل صباح، عند قراءة أي عنوان واقعي. هذا سؤال يفرض نفسه على أي شخص قتل له عزيز أو أنه هو نفسه اضطر أو اختار أن يقتل. من اجل ماذا؟ على مدى التاريخ، بعد انتهاء المعارك وبعد النتيجة المحتمة لنهاية كل نزاع طويل، فان القاتل وعائلة المقتول يقومون بالبكاء ويسألون. الاجابات في الوقت الحقيقي مختلفة وتتعلق بالموقف، ولكن بأثر رجعي، كل شيء يبدو لا طعم له. بعد التوقيع على الاتفاق ويخلقون واقعا جديدا فان قضية التوقيت لا تتركنا. لماذا الآن بعد الخسارة؟ لماذا ليس قبلها، عندما كان الجميع ما زالوا على قيد الحياة ونفسيتنا لم تفسد؟.
في الماضي غير البعيد كان يمكننا صياغة آلية الاقناع الذاتي كما يلي: نحن شعب يحب السلام ويدافع عن حقه في الوجود. نحن سندفع ثمن الثكل بدون مناص، الى أن يدرك الفلسطينيون وينضمون الينا في الادراك بأن الشعبين يمكنهما العيش بسلام كجيران. أنا لم اشعر في أي يوم بأن هذه القصة تعكس الواقع على الارض، لكن خلال فترة طويلة هذه كانت الرواية السائدة في إسرائيل، ويمكن فهم كيف أن المجتمع الذي هذه هي روحه القومية قادر على تجنيد اجيال من الشباب وتحمل المقاومة المسلحة بدون أن يستيقظ.
والآن؟ حتى هذه الروح تتلاشى. ففي الوقت الذي تتم فيه كتابة هذه السطور فانه تتم صياغة الروح الجديدة على يد حلف الموت وحكومتنا. لم يعد هناك "عدد قليل منا يموتون من اجل خير الكثيرين الذين يبنون وسيبنون"، بل "الكثيرون منا يموتون من أجل موت عدد أكبر منهم". ما الذي سيعزينا عندما الضباط الذين سيجلبون نبأ الوفاة يقرعون الباب؟ أين سننظر بعد انتهاء أيام الحداد؟ كيف يمكننا احتواء اطلاق النار على الأولاد أثناء عودتهم الى البيت عندما لا يكون أي اقتراح متفائل وواضح في الخلفية؟.
حماس تدعي منذ أشهر بأن المخطوفين سيعودون وأن إدارة بديلة يمكن أن تدخل الى قطاع غزة. نحن فضلنا انتاج واقع من التطهير العرقي في غزة وفي المناطق، على حساب المدنيين الإسرائيليين وعدد كبير من الفلسطينيين الابرياء، فقط عدم التركز في المستقبل المعروف مسبقا الذي فيه الشعبان يتقاسمان الارض بحرية وأمن.
هذه في الحقيقة هي المأساة المتملصة. اليسار الصهيوني والوسط يدعون ضد الحكومة بأنه لا توجد لها سياسة، لكن هذا لأنهم ما زالوا ينغرسون في الفكرة القديمة التي تقول بأننا سنحمل السلاح فقط الى أن يعترفوا بوجودنا. في نهاية المطاف، منذ سنوات فان الوحيدين في الشرق الاوسط الذين لا يعترفون بوجود دولة إسرائيل، بما في ذلك الدول العربية والاغلبية الساحقة من الفلسطينيين، هم اعضاء حركة الاستيطان الذين يجلسون في الحكومة ويقومون بصياغة روح جديدة، التي في أساسها فكرة أن دولة إسرائيل لم تقم ولن تقوم طالما أننا لم نحتل أرض إسرائيل الكاملة.
هم ما زالوا في القرن التاسع عشر، يحاربون من أجل "دونم آخر وعنزة اخرى" الى حين الإعلان عن دولة اليهود (فقط اليهود). من أجل ذلك نحن نقتل ونُقتل. هذا يستحق التأكيد. لقد توقفنا عن أن نقتل ونُقتل، للأسف، باسم حقنا في الوجود بسلام. وبدأنا في أن نقتل ونُقتل، بسرور، باسم وهم هستيري لتحقيق فكرة أسطورية. هذه الحرب توقفت عن أن تكون وجودية على الفور بعد 7 أكتوبر، وتحولت من تكرار غير معقول لحرب العام 1973 الى استئناف روح الاحتلال لحرب العام 1967، الى جانب مدونة اخلاقية من القرون الوسطى. السؤال الذي يجب على كل واحد منا سؤاله لنفسه، وكشفه بطريقة اجتماعية، ليس اذا كنا قادرين على حياة مطلوب فيها التضحية، بل من أجل ماذا.
مع ذلك، هذا النص هو دعوة للتشجيع. الوقت ما زال غير متأخر جدا لاستيعاب وجود دولة إسرائيل الى جانب الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، الذي يستحق نفس حقوقنا في نفس الأرض. هكذا فقط سنحصل على حياة فيها أمن ورفاه وحرية. الروح الوحيدة التي بواسطتها سنعيش حياة غير مقرونة بثمن الثكل هي روح المساواة بين الشعبين.
صياغة هذه الرواية المسيطرة هي عمل صعب. اسألوا المستوطنين الذين نجحوا في ذلك رغم أنهم أقلية. نحن يجب علينا التخلص من حكومتنا ومن جهات مثل حماس، الذين تعاونوا ضد المجتمعين الذين كان عليهم تمثيلهما، في الوقت الذي يسوقون فيه أفكارا لا أساس لها ولا تفيدنا.
الإسرائيليون والفلسطينيون يجب عليهم خلق المزيد من الشراكة، المساواتية (اضافة الى الموجودة الآن)، السياسية والمدنية. يجب علينا مزامنة نشاطاتنا واقامة مؤسسات وتأهيل، لاعبين سياسيين جدد، رجال اعلام ومنتخبي جمهور. وكل ذلك حول قيم أساسية من المساواة والحرية والأمن للجميع. هذا ليس فقط مسألة أخلاقية، بل هو الخيار الوحيد أمامنا من أجل العيش هنا.