الغد-لورانس ديفيدسون* – (كاونتربنش) 21/11/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
يصر الصهاينة على أن الوقوف ضد الصهيونية هو المعادل لمعاداة السامية. وإذا أخذنا هذا التأكيد على محمل الجد، فسوف يتبعه منطقيًا أن وقوف المرء ضد الفصل العنصري كما يُمارَس في إسرائيل يعني أن يكون معاديًا للسامية. ثمة شيء سخيف وغريب بشكل خطير بشأن هذا الخط في التفكير.
* *
جوناثان غرينبلات هو الرئيس التنفيذي الحالي لـ”رابطة مكافحة التشهير”. وهذه منظمة يهودية أميركية راسخة تعمل منذ فترة طويلة (تأسست في العام 1913)، تسعى إلى التعرف على مظاهر معاداة السامية ونزع مصداقيتها (عادة ما تعرّف معاداة السامية بأنها كراهية اليهود، أو حتى كراهيتهم لمجرد أنهم يهود). وفي العام 1948 تأسست دولة إسرائيل. وكانت الصهيونية، التي تدعو إلى إقامة دولة قومية لليهود في أرض فلسطين، وما تزال، هي الأيديولوجية الرسمية لإسرائيل. وبعد فترة وجيزة من العام 1948، أصبحت “رابطة مكافحة التشهير”، مع معظم المؤسسات اليهودية الأميركية “السائدة” الأخرى، مكرسة لدعم مصالح إسرائيل الصهيونية. واليوم، يمكن اعتبار جوناثان غرينبلات عضوًا ناشطاً في جماعات الضغط اليهودية، ويتلقى توجيهاته من الحكومة الإسرائيلية.
في أوائل تشرين الأول (أكتوبر) 2022، ومن خلال عمله في هذا الدور، دعا غرينبلات المنظمات اليهودية الأميركية إلى خوض معركة ضد معاداة الصهيونية (أي أولئك الذين يعارضون الطبيعة العنصرية والسياسات التمييزية للحكومة الإسرائيلية). ولأن الصهاينة يعتبرون إسرائيل دولة تمثل يهود العالم، فإن أي معارضة لإسرائيل، لأي سبب من الأسباب، تبدو لهم معاداة للسامية. وقد التزم غرينبلات عن طيب خاطر بهذا الموقف. وأعلن أن معاداة الصهيونية هي “بوضوح” معاداة للسامية. ثم ذهب أبعد من ذلك ليعلن: “يجب أن نحسب حسابًا لحقيقة أن هناك معادين للصهيونية داخل المجتمع اليهودي. والحقيقة هي أن مجرد كونك يهوديًا لا يعفيك من الانخراط في معاداة الصهيونية”.
الآن، قد يكون السيد غرينبلات شخصًا متبلد الذهن دائمًا أو لا يكون، ولكنه، كزعيم لمنظمة صهيونية، ينقاد الآن إلى التفكير كواحد. فقد ارتكب الخطأ الكلاسيكي المتمثل في الخلط بين شيئين مختلفين: معاداة السامية والوقوف ضد الأيديولوجية الصهيونية. وقد تكون هذه محاولة هادفة قصدها إقامة حجة “الرنجة الحمراء” -الحجة التي تحول الانتباه عن شاغل مركزي؛ على سبيل المثال، الممارسات المتعصبة لإسرائيل الصهيونية، بالادعاء المعيب بأن وقوفك ضد الصهيونية يعني أنك ضد اليهود، حتى عندما يفعل ذلك اليهود أنفسهم -وهو موقف من الغريب اتخاذه.
دعونا نكشف الغطاء عن حجة السيد غرينبلات القائلة إن اليهود المعادين للصهيونية هم أيضا معادون للسامية، ونرى إلى أين يقودنا هذا.
(1) لقد اتخذ العديد من اليهود موقفًا ضد الصهيونية لأنها، باعتبارها أيديولوجية مؤسسية للدولة، أدت إلى انتهاج سياسات وطنية عنصرية تجاه غير اليهود على جميع مستويات المجتمع الإسرائيلي. أما غير اليهود، وهم الفلسطينيون الذين يشكلون أكثر من 20 في المائة من إجمالي السكان، فقد تعرضوا للفصل والتمييز الشديد بما يكفي لاعتبار هذه السياسات الإسرائيلية تشكل نظام فصل عنصري، وهو ما يعد جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.
(2) ليس هذا الحكم الصادر عن اليهود المعادين للصهيونية مسألة رأي. إنه موقف مدعوم بأدلة دامغة قامت بنشرها مرة تلو المرة العديد من منظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية المحترمة وذات المكانة الرفيعة.
(3) ولما كان هذا هو واقع الحال، فإن وصف اليهود المعادين للصهيونية بأنهم معادون للسامية يُترجَم إلى حجة اختزالية سخيفة: لقد ثبت أن الصهيونية هي عقيدة عنصرية في الممارسة العملية. واليهود المناهضون للصهيونية يعارضون هذه العنصرية. ومع ذلك، يصر الصهاينة، مثل غرينبلات، على أن الوقوف ضد الصهيونية هو نفس معاداة السامية. وإذا أخذنا هذا التأكيد على محمل الجد، فسوف يتبعه منطقيًا أن وقوف المرء ضد الفصل العنصري كما يُمارَس في إسرائيل يعني أن يكون معاديًا للسامية. ثمة شيء سخيف وغريب بشكل خطير بشأن خط تفكير السيد غرينبلات.
بطبيعة الحال، لن يقبل غرينبلات أيًا من هذا. إن لديه صورة ساذجة بشكل ملحوظ عن أيديولوجية إسرائيل الرسمية. يقول لنا: “الصهيونية ليست مجرد نور للشعب اليهودي، إنها حركة تحرر لجميع الناس. يجب أن نستمد القوة التي فيها، يجب أن نجد الإلهام فيها، ويجب أن نشاركها مع العالم”. بطريقة أو بأخرى، يبدو أن الأمر وصل به إلى حد الاعتقاد بأن “الفلسطينيين يجب أن يعتنقوا الصهيونية” -وهو موقف آخر اختزالي وسخيف. سيكون الأمر مثل دعمك أولئك الذين يستولون على أرضك، ويهدمون منزلك، ويميزون ضدك في معظم مجالات الحياة.
كلمة من الواعين أخلاقيا
العديد من اليهود التقدميين، وخاصة أولئك المتسقين في مبادئهم وأفكارهم، يشعرون بالرعب من السلوك والادعاءات الإسرائيلية/ الصهيونية. فمن ناحية، هناك العنصرية الصارخة والوحشية التي تمارس ضد السكان الفلسطينيين، ولا سيما في الضفة الغربية وغزة. ومن ناحية أخرى، هناك ادعاء مفترض وتجديف ضمني يقول إن الصهيونية، وهي أيديولوجية علمانية ودولتية، هي تعبير حقيقي، وربما أفضل تعبير، عن اليهودية. إن التأكيد أن الوقوف ضد الصهيونية هو المعادل لمعاداة السامية يجب أن يكون القشة الأخيرة بالنسبة لليهود التقدميين -والتي تزيد من احتمال ألا يتماهوا أبدًا مع إسرائيل صهيونية.
يمكن للمرء أن يقارن بين الادعاءات الشاذة للصهيونية التي طرحها جوناثان غرينبلات وتلك المواقف الواعية أخلاقيًا التي اتخذتها دونا نيفيل، عالمة النفس المجتمعية والمعلمة، فضلاً عن كونها كاتبة غزيرة الإنتاج. وقد أشارت نيفيل إلى أن النقد التقدمي للصهيونية “ينبع من التزام عميق بحقوق الإنسان”. وتابعت: “عندما كنت ناشطة صهيونية شابة في الجامعة -قبل أن أعرف عن عواقب الصهيونية على الفلسطينيين الذين يعيشون هناك- ذهبت إلى تدريب على الهسبارا (الدعاية) في القنصلية الإسرائيلية. وأتذكر أنني صدمت من أحد الأشياء التي قيلت لنا، وهي أنه عندما يجادل أحد ما ضد إسرائيل، فإننا لا يجب أن نتعامل مع الحجة، وإنما علينا بدلاً من ذلك أن نتهم الشخص بمعاداة السامية. وقد أصبح هذا التكتيك أكثر انتشارًا اليوم، وهو السبب في أنه يجب أن تُعارض بشدة هذه التعريفات الخطيرة لمعاداة السامية، مثل تلك التي يطرحها “التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست” IHRA، التي تخلط بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية وحازت على الكثير من الاهتمام”.
السير في اتجاه فاشي
كانت التعليمات التي تلقتها نيفيل في ذلك اللقاء في القنصلية معبرة تمامًا عن واقع الحال. على مدى السنوات الثلاثين الماضية أو نحو ذلك، لم تكن معظم الجماعات الصهيونية ببساطة تتناقش مع منتقديها. ولم تفعل لأنها ستخسر النقاش في كثير من الأحيان. الحقائق تقف ضدها. ولذلك استبدلت النقاش بردّين.
(1) أن تكرر ببساطة شعارات مضللة، مثل أن إسرائيل والولايات المتحدة تشتركان في القيم نفسها؛ وأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؛ وأن الفلسطينيين إرهابيون.
(2) أن تلجأ إلى شن هجمات عشوائية تطلقها كيفما اتفق، مثل اتهام المنتقدين بأنهم معادون للسامية.
في جوهرها، ليست الصهيونية بأي حال أيديولوجية إنسانية أو ديمقراطية. كانت مثل هذه الادعاءات دائمًا أطروحات مفلسة، تجرها إلى أسفل الجذور الاستعمارية والعنصرية غير الإصلاحية للأيديولوجية. لم يتعلم أتباعها أبدًا أو يقدموا درسًا مهمًا من التاريخ اليهودي -العلاقة بين البقاء والتسامح. بدلاً من ذلك، استبدلوا هذا الدرس بالدوافع القبليَة الفوقية للدولة القومية ذات التوجه العرقي.
وهكذا، اجتاح منطق الصهيونية جزءًا على الأقل من الشعب اليهودي في الاتجاه الذي أصبح شائعًا في الوقت الحالي للفاشية التي تنبعث من جديد. ويمكن رؤية الأدلة على هذه الحقيقة في الدورات الانتخابية التي لا نهاية لها التي تحدث في إسرائيل، والتي تدل على عدم قدرة هذا البلد على أن يأتي بحكومة “يسارية/ وسطية” مستقرة. إن العنصرية الكامنة في جذور الثقافة الإسرائيلية هي التي تدفع الناخبين اليهود إلى اليمين حتى يتم العثور على استقرار من نوع ما في الائتلافات الفاشية الجديدة الاستبدادية وغير المتسامحة. وهذا هو واقع الحال بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول (أكتوبر) 2022. وهو شيء ينطوي على مفارقة في حد ذاته، فقد أظهر هذا التطور السياسي بالفعل قيمة مشتركة معينة بين إسرائيل والولايات المتحدة. وكما قال الحاخام ريك جاكوبس، رئيس “الاتحاد من أجل اليهودية الإصلاحية”، مؤخرًا: “أخشى اليوم الذي تصبح فيه القيمة المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي العنصرية”. وبصراحة تامة، كان هذا هو واقع الحال على الدوام.
الخلاصة
من اللافت، إلى حد مدهش، مدى عدم اهتمام العديد من اليهود الإسرائيليين الأعمى بهذه الكارثة. وفيما يلي تنبؤ برد فعل الشتات اليهودي على تحول إسرائيل الأخير نحو اليمين المتشدد، أدلى به المحرر الصحفي، أنشيل فايفر، في مقال رأي نشر في 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2022 في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية: “بطبيعة الحال، سوف تقول الأصوات المعتادة أن هذا دليل آخر على فساد الصهيونية. لكنهم كانوا يقولون ذلك مسبقًا على أي حال. سيكون العديد من اليهود على الأطراف اليمينية والدينية من الطيف على ما يرام مع هذه الحكومة (المقبلة). والأغلبية الذين لن يكونوا كذلك سوف يفركون أيديهم بعصبية ويستمرون في حب إسرائيل. سوف يقفون ضد مبادئهم وضمائرهم، ولكن ما الذي لديهم لكي يفعلوه خلاف ذلك؟”.
في الواقع، هناك الكثير الذي يمكنهم القيام به. والقادة الصهاينة مثل غرينبلات خائفون جدًا مما يمكن القيام به، مع مرور الوقت، لدرجة أنهم يصفون الآن اليهود غير المسرورين بما يجري وخائبي الأمل بأنهم معادون للسامية. والحقيقة هي أن عدد يهود الشتات الذين “ما يزالون يحبون” إسرائيل الصهيونية يتناقص باطراد. وقد لا يشمل ذلك الأفراد المتسقين أخلاقيًا فحسب، بل وأيضًا بعض أولئك الذين كانوا “تقدميون إلا بشأن فلسطين”. هل سيقفون مع هذا الموقف الفاسد ويقبلون بإسرائيل تعتنق الفاشية الجديدة؟ قد تتطلب مواجهة ذلك ما هو أكثر بكثير من مجرد “فرك الأيدي”. وكما هو واقع الأمور، من المحتمل أن يصبح المعارضون في الشتات في جيل آخر هم الأغلبية، وسوف يقف الصهاينة معزولين أكثر فأكثر عن أولئك الذين يدعون أنهم يمثلونهم.
*لورانس ديفيدسون Lawrence Davidson: أستاذ متقاعد للتاريخ من جامعة ويست تشيستر في ويست تشيستر، بنسلفانيا، الولايات المتحدة. وهو مؤلف كتاب “الأصولية الإسلامية، الإبادة الجماعية الثقافية”، وقد ركز في أبحاثه الأكاديمية على العلاقات الخارجية الأميركية مع الشرق الأوسط.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Invention of Anti-Semitic Jews