الغد
جو لوريا* - (كونسورتيوم نيوز) 2025/2/5
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
أدى الاحتجاج الدولي والمحلي واسع النطاق على خطة دونالد ترامب لاستيلاء الولايات المتحدة على غزة وتطهيرها من الفلسطينيين إلى قول مسؤولين أميركيين إن ترامب لم يقصد الأمور بالطريقة التي بدت عليها.
بعد يوم من كل الجحيم الذي انفجر وأفلت من عقاله كرد فعل على خطة الرئيس دونالد ترامب لإخراج 1.8 مليون فلسطيني من غزة، التي قال إن الولايات المتحدة ستعيد بناءها وتجعلها منطقة أميركية، بدأ مسؤولو الإدارة في التراجع ومحاولة التملص من الموقف الذي عبرت عنه الصفقة، بينما اتضح أن ترامب نفسه هو الوحيد الذي كان يعلم أنه سيعلن الخطة.
في رده على سؤال وُجه إليه في غواتيمالا عن نية ترامب نقل السكان الفلسطينيين من قطاع غزة، قال وزير الخارجية، ماركو روبيو، يوم الأربعاء الماضي، إنه سيُسمح للفلسطينيين "بالعودة" إلى القطاع بعد إعماره. ولم يكن هذا ما قاله ترامب في اليوم السابق.
وفي البيت الأبيض، حاولت السكرتيرة الصحفية، كارولين ليفيت، التراجع عن القصة من خلال إضعاف احتمال وجود قوات أميركية في غزة، وكذلك مراجعة ما قاله ترامب عن النزوح الدائم.
وقالت ليفيت للصحفيين: "لم يلتزم الرئيس بإرسال جنود ونشرهم على الأرض في غزة. كما قال أيضًا إن الولايات المتحدة لن تدفع كلفة إعادة إعمار غزة. سوف تعمل إدارته مع شركائنا في المنطقة لإعادة إعمار هذه المنطقة".
وعرضت ليفيت صورًا في غرفة الإحاطة للدمار الكبير في غزة، كما لو أن أحدًا على وسائل التواصل الاجتماعي لم ير صورًا أسوأ بكثير لغزة خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية. وبطبيعة الحال، يجري تقديم هذا الدمار، كما تشير الكاتبة كيتلين جونستون، كما لو أنه كان نتيجة كارثة طبيعية وليس نتيجة هجمات الإبادة الجماعية المجنونة التي شنتها دولة إسرائيل بدعم كامل من الولايات المتحدة. كما ترون، يحاول ترامب فقط تقديم الإغاثة التي تُقدم عادة في حالات الكوارث.
في الحقيقة، يتحدث ترامب عن الدمار في القطاع كما لو أنه جاء نتيجة 15 شهرًا من الحرب بين جيشين متساويين في التسليح عندما لا تملك حماس قوة جوية مزودة بقنابل تزن الواحدة منها 2.000 رطل أو دبابات للتسبب في هذا النوع من الدمار.
للتأكيد على أنها تتراجع وتحاول التملص من مضمون خطة ترامب، قالت ليفيت: "اسمحوا لي أن أتراجع خطوة إلى الوراء هنا. هذه فكرة من خارج الصندوق، هذا هو من يكونه الرئيس ترامب، ... وهدفه هو إحلال السلام الدائم في الشرق الأوسط. وهذا لا يعني وجود جنود على الأرض في غزة... ولا يعني أن دافعي الضرائب الأميركيين سيدفعون تكلفة هذا، بل يعني أن دونالد ترامب، وهو أفضل صانع صفقات على هذا الكوكب، سيعقد صفقة مع شركائنا".
وردًا على سؤال عما إذا كانت تستبعد الآن وجود قوات أميركية على الأرض بينما لم يستبعد ترامب ذلك، قالت ليفيت: "إنه غير ملتزم بهذا بعد". وكان ترامب قد قال إن الولايات المتحدة ستزيل الذخائر غير المنفجرة من غزة، وهو في العادة عمل يقوم به الجيش.
وقالت ليفيت أيضًا إن الخطة تدعو إلى إيواء الفلسطينيين "مؤقتًا" فقط في بلدان أخرى، بينما قال ترامب بوضوح يوم الثلاثاء إن إقامتهم هناك ستكون دائمة.
قال ترامب: "إذا تمكنا من الحصول على منطقة جميلة لإعادة توطين الناس بشكل دائم، مع منازل جميلة وحيث يمكنهم أن يكونوا سعداء ولا يتم إطلاق النار عليهم؛ حيث لا يُقتلون، ولا يتم ذبحهم حتى الموت... أعتقد أنهم سيكونون سعداء. إنني أرى وضعًا تكون فيه مُلكية (أميركية) طويلة الأجل" للقطاع.
كما حاول ستيف ويتكوف، المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، تهدئة القصة هو أيضًا، حيث أخبر أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في مأدبة غداء خاصة يوم الأربعاء بالنقاط نفسها التي تحدثت عنها ليفيت، وهي أن ترامب "لا يريد نشر أي قوات أميركية على الأرض، ولا يريد إنفاق أي دولارات أميركية على الإطلاق" على غزة، كما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن السيناتور جوش هاولي من ولاية ميسوري، الذي تحدث عن تصريحات وتيكوف.
ووفقًا لصحيفة "الواشنطن بوست"، قال هاولي: "وهو أمر جيد. ربما، أقول ربما أكون قد أسأت فهم الرئيس الليلة الماضية".
ورفض ترامب في وقت لاحق يوم الأربعاء الإجابة عن أسئلة الصحفيين بشأن غزة.
لم يكن أحد يعرف سوى ترامب
وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز"، لم يكن أحد في إدارة ترامب -باستثناء ترامب نفسه- يعرف أنه سيعلن الخطة. وقالت الصحيفة إنها مناقشات جرت حو المسألة، ولكن لم يكن هناك تخطيط رسمي. ولم يخبر ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي المبتهج، بنيامين نتنياهو، عن الخطة إلا قبل لحظات فقط من ظهورهما معًا في المؤتمر الصحفي في البيت الأبيض يوم الثلاثاء.
وقالت صحيفة "التايمز": "داخل الحكومة الأميركية، لم تكن هناك اجتماعات مع وزارة الخارجية أو البنتاغون كما يحدث عادة مع أي اقتراح جاد للسياسة الخارجية، ناهيك عن اقتراح بهذا الحجم. لم تكن هناك فرق عمل. ولم تصدر وزارة الدفاع أي تقديرات لأعداد القوات المطلوبة، ولا للتكلفة، ولا حتى أي خطوط عريضة للكيفية التي قد يعمل بها ذلك".
وحسب الصحيفة، "لم يكن هناك ما هو أبعد من مجرد فكرة داخل رأس الرئيس".
وأضافت الصحيفة: "ولكن في الأحاديث الخاصة، كان السيد ترامب يتحدث عن ملكية الولايات المتحدة للجيب الساحلي منذ أسابيع".
رفض سريع
لم تتأخر الإدانة التي جاءت سريعًا من جميع أركان العالم. عند الساعة 4 من صباح يوم الأربعاء في الرياض، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا رفضت فيه اقتراح ترامب. وكما هو معروف، يعتمد ترامب على السعوديين للاعتراف بإسرائيل.
لكن البيان السعودي شدد على أن "المملكة العربية السعودية لن تتوقف عن عملها الدؤوب في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون ذلك".
وكرر البيان التأكيد على ما سبق وأعلنته المملكة من "رفضها القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلي، أو ضم الأراضي الفلسطينية، أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه". وقال البيان إن "على المجتمع الدولي اليوم واجب التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية العميقة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني. وسيستمر هذا الشعب في التشبث بأرضه ولن يتزعزع تصميمه".
وفقًا للبيان، تؤكد السعودية أن "هذا الموقف الثابت ليس محل تفاوض أو مزايدات، وأن السلام الدائم والعادل لا يمكن تحقيقه دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وهذا ما سبق إيضاحه للإدارة الأميركية السابقة والإدارة الحالية".
وفي نيويورك، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، علنًا من "أي شكل من أشكال التطهير العرقي".
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، التي سبق وأن اتخذت مواقف عدوانية بشأن قضايا أخرى، مثل روسيا، والمدافعة القوية عن إسرائيل، في بيان إن "طرد السكان المدنيين الفلسطينيين من غزة لن يكون غير مقبول ومخالف للقانون الدولي فحسب. بل سيؤدي أيضًا إلى معاناة جديدة وكراهية جديدة".
لم يكن ترامب قد ترك أي مجال للشك يوم الثلاثاء في أن هذا سيكون الترحيل القسري الدائم لأكثر من 1.8 مليون شخص، في انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي.
وحسب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، فإن الاتفاقية "تحظر النقل القسري للأشخاص المحميين خارج الأراضي المحتلة أو إليها"، ويعتبر القانون الدولي العرفي النقل القسري للسكان غير قانوني.
وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز": "كان حظر الترحيل القسري للمدنيين جزءًا من قانون الحرب منذ أن أصدرت قوات الاتحاد ’قانون ليبر‘، الذي تضمن مجموعة من القواعد المتعلقة بالسلوك أثناء الأعمال العدائية، خلال الحرب الأهلية الأميركية. وهو محظور أيضًا بموجب أحكام متعددة من ’اتفاقيات جنيف‘، وقد عرَّفته ’محكمة نورمبرغ‘ بعد الحرب العالمية الثانية بأنه جريمة حرب".
رد الفعل المحلي
في الولايات المتحدة، أعرب العديد من المشرعين، بمن فيهم بعض الجمهوريين، عن قلقهم بشأن الخطة. وغرد السيناتور ليندسي غراهام، الجمهوري الصقوري المؤيد لإسرائيل: "أخشى أن يؤدي نشر القوات الأميركية على الأرض الآن في خضم شرق أوسط مستعر إلى النتائج نفسها التي أسفر عنها مثل ذلك في العام 1983". في ذلك العام، قتل هجوم انتحاري 241 من جنود مشاة البحرية الأميركية في ثكناتهم في بيروت.
وقال النائب إريك سوالويل من ولاية كاليفورنيا في تغريدة على منصة "إكس": "ما الذي ننتظره؟ هل ستقوم الولايات المتحدة باحتلال غزة؟ لقد وُعدنا بأن لا تكون هناك المزيد من الحروب التي لا نهاية لها".
وقال السناتور كريس مورفي من ولاية كونيتيكت على منصة "إكس" متحدثًا عن ترامب: "لقد فقد صوابه تمامًا. سوف يؤدي غزو أميركي لغزة إلى ذبح الآلاف من القوات الأميركية وعقود من الحرب في الشرق الأوسط. هذه نكتة سيئة ومريضة".
وقالت النائبة رشيدة طليب (ديمقراطية من ميشيغان)، وهي أميركية فلسطينية، في تغريدة على منصة "إكس": "الفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان. لا يمكن لهذا الرئيس سوى أن يطلق هذا الهراء المتعصب بسبب دعم الحزبين في الكونغرس لتمويل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. لقد حان الوقت ليتحدث زملائي الذين يؤيدون حل الدولتين".
وذهب النائب الديمقراطي، آل غرين، من تكساس أبعد من ذلك، فقال إنه سيقدم قضية لعزل ترامب.
وقال غرين، وفقًا لصحيفة "ذا هيل": "التطهير العرقي ليس مزحة، خاصة عندما يصدر عن رئيس الولايات المتحدة، أقوى شخص في العالم، عندما تكون لديه القدرة على إتقان ما يقوله، التطهير العرقي في غزة ليس مزحة، وعلى رئيس وزراء إسرائيل أن يخجل وهو الذي يعرف تاريخ شعبه".
*جو لوريا Joe Lauria: رئيس تحرير موقع "كونسورتيوم نيوز"، ومراسل سابق من الأمم المتحدة لصحيفتي "ذا وول ستريت جورنال" و"ذا بوستون غلوب" وصحف أخرى، منها "مونتريال غازيت" و"لندن ديلي ميل" و"جوهانسبرغ ستار". كان مراسلاً صحفيًا استقصائيًا لصحيفة "صنداي تايمز أوف لندن"، ومراسلاً ماليًا لـ"بلومبرغ نيوز". بدأ عمله المهني كمراسل صحفي لصحية "نيويورك تايمز" بعمر 19 عامًا. وهو مؤلف لكتابين، "أوديسة سياسية" A Political Odyssey، مع السناتور مايك غرافيل، مع مقدمة بقلم دانيال إلسبيرغ؛ و"كيف خسرتُ- هيلاري كلينتون" How I Lost By Hillary Clinton، مع مقدمة بقلم جوليان أسانج.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: US Officials Backtrack on Trump’s Illegal Gaza Gambit