الغد-هآرتس
اسحق بريك 10/2/2025
إعلان دونالد ترامب عن الحاجة الى اخلاء مليوني غزي من قطاع غزة الى اماكن اخرى في العالم، الذي يبدو خياليا أكثر منه واقعيا، يثير غضب العالم العربي ضده وضد الولايات المتحدة واسرائيل، ومن شأنه أن يؤدي الى تدهور اكثر خطورة: اتفاق السلام مع السعودية يمكن أن يختفي من الاجندة، والسلام مع مصر يمكن أن يتحطم، وتحالفات قديمة بين دول عربية ضد اسرائيل ستظهر مرة اخرى على جدول الاعمال وما شابه.
ايضا خطة تطبيق المرحلة الثانية في صفقة تحرير المخطوفين اصبحت مشوبة بالشك، لأن اسرائيل تربط هذه المرحلة باستسلام حماس ونزع سلاحها. احتمالية هذا الاستسلام لا تلوح في الافق، لأن حماس تدرك أن اميركا واسرائيل لن تبقيا لها أي أفق للمستقبل، وأنهما تنويان طرد السكان من اراضيهم ونفيهم الى اماكن اخرى في العالم.
بدلا من الانخداع في الاوهام فانه يجب على المستوى السياسي اطلاق سراح جميع الرهائن بدون وضع شروط لن توافق عليها حماس بأي شكل من الاشكال، ووقف الحرب التي فقدت هدفها، والتركيز على اعادة ترميم الدولة، الاقتصاد، المناعة الاجتماعية، العلاقات الدولية والجيش. هذا التغيير يحتاج الى رؤية امنية تختلف عن الرؤية التي بلورها دافيد بن غوريون في الخمسينيات. يجب التسلح بوسائل قتالية جديدة، وعلى الجيش الاسرائيلي تبني نظرية تشغيل تختلف في جوهرها. كل ذلك لم يحدث في الجيش الاسرائيلي في السنوات الاخيرة بسبب الجمود الفكري والعملي والغطرسة والسذاجة والغرور وعدم المهنية والتهرب من المسؤولية والاهمال المجرم.
لجيش الاسرائيلي تدهور وتخلى عن أمن اسرائيل في كل المجالات. فلم تتم بلورة نظرية امنية مناسبة للحروب الحالية والحروب المستقبلية، الجبهة الداخلية لم يتم اعدادها للحرب، الجيش البري تم تقليصه وهو لا يمكنه الصمود امام تحديات الحرب، لم يتم في الجيش بناء نظرية دفاع وهجوم امام الصواريخ والقذائف والمسيرات.
في اعقاب غياب نظرية امنية وعدم فهم الواقع في المستوى السياسي وفي المستوى الامني، فانه لم يقم الجيش الاسرائيلي بشراء وسائل قتالية جديدة مناسبة للحرب متعددة الساحات، لم يتم انشاء سلاح مضادة لصواريخ ارض – ارض من اجل تدمير منصات اطلاق صواريخ العدو، التي ستكون ناجعة اكثر من الطائرات لهذه المهمة. كان يجب أن تكون مبادرة وطنية مع الولايات المتحدة لتطوير وانتاج سلاح ليزر قوي يمكنه المس بالصواريخ البالستية للعدو، الذي هو أرخص بمئات الاضعاف من الصواريخ التي توجد لدينا مثل "الحيتس" و"مقلاع داود" و"القبة الحديدية". بسبب الثمن الباهظ فإن احتياطي هذه الصواريخ ضئيل جدا، وفي اثناء الحرب متعددة الساحات ستنفد خلال بضعة ايام. اضافة الى ذلك فان الليزر القوي هو الوسيلة الوحيدة التي يمكنها اعتراض الصواريخ فرط صوتية المتملصة. لم يتم شراء قواعد اطلاق متعددة الفوهة موجهة بواسطة الرادار، التي فعاليتها ضد المسيرات كبيرة. ولم يتم شراء عشرات آلاف المسيرات لمهمات استخباراتية وهجومية، وزيادة الجيش البري.
كل ذلك بسبب رؤية مشوهة للمستوى العسكري الاعلى، الذي واصل تخيل حروب الماضي وقام ببناء القوة العسكرية بالاساس على الطائرات التي مكانتها في الحروب العالمية آخذة في التقلص لصالح الطائرات بدون طيار والمسيرات. اضافة الى ذلك المستوى السياسي والمستوى العسكري الاعلى لم يرد على التغيرات في الجيوش العربية التي أعدت نفسها للحروب التي تغيرت بشكل كامل.
التهديد الوجودي الآن على دولة اسرائيل هو لا شيء مقارنة بالتهديد الوجودي في المستقبل. الجيش البري فيها صغير ولا يمكنه المحاربة في اكثر من جبهة، لكن سيكون عليه المحاربة في خمس جبهات برية على الاقل في نفس الوقت. عندما ستندلع حرب اقليمية متعددة الجبهات وشاملة فسيكون على الجيش الاسرائيلي المحاربة ضد قوة الرضوان التابعة لحزب الله في لبنان، التي ستتعزز مرة اخرى؛ ضد الدولة الاسلامية في سورية، التي تدعمها تركيا؛ ضد المليشيات المؤيدة لايران على الحدود.
في الوقت الحالي لا توجد لاسرائيل قوات على طول الحدود، ومنذ سنوات هي لا تقوم بمنع عمليات تهريب مئات آلاف قطع السلاح والعبوات الى يهودا والسامرة، الامر الذي يمكن أن يتسبب في تفجر انتفاضة ثالثة. يجب الاخذ في الحسبان بأنه في ظروف معينة هناك امكانية لانضمام مصر للحرب، وهكذا ايضا حماس في قطاع غزة.
هذه هي السيناريوهات التي يجب على الجيش الاسرائيلي الاستعداد لها. اذا لم يحدث أي شيء فطوبى لنا. ولكن اذا حدثت كارثة فان وضعنا سيكون سيئا ومريرا. يجب الاستعداد للامكانية الكامنة في التهديد المحتمل، وليس تقدير نوايا العدو، كما فعلت "امان" في السابق ودائما كانت مخطئة.
لقد تم انتخاب في الفترة الاخيرة رئيس جديد لهيئة الاركان، ايال زمير، الذي يستطيع وهو قادر ويعرف كيفية ترميم الجيش. ولكن هناك خوف كبير من أن بنيامين نتنياهو والحكومة، الذين بقاؤهم في الحكم هو الاكثر اهمية من أي شيء آخر، سيضعون العصي في الدواليب وسيحرصون على ارسال الجيش الاسرائيلي لمواصلة الحرب التي فقدت منذ زمن هدفها. هذا الوضع لن يسمح بإعادة ترميم الجيش وإعداده للتحديات في الحاضر والمستقبل.