الغد
هآرتس
بقلم: تسفي برئيل
كعادته أيضا أمس، بعد اجتماع رؤساء دول الناتو في هولندا، عقد الرئيس دونالد ترامب أحد المؤتمرات الصحفية المطولة والمتطاولة والانتقادية، وأحيانا المسلية، التي في نهايتها يصعب فهم توجهه. عندما سئل عن الاتفاق النووي الذي سعى إليه منذ بداية ولايته، الذي هو حجر الأساس في سياسته الخارجية، أجاب "نحن ذاهبون للحديث مع الإيرانيين في الأسبوع القبل. هل نحن نسعى إلى التوقيع على اتفاق، أنا لا أعرف. هم حاربوا والآن يعودون إلى عالمهم. لا يهمني إذا كان اتفاقا أم لا".
يبدو أن تفسير ترامب يستند إلى منطق حديدي. إذا كان هدف الاتفاق النووي الجديد هو منع إيران من التوصل إلى السلاح النووي، وإذا كان الهجوم الأميركي – الإسرائيلي، ولا سيما الهجوم الكثيف في فوردو مع القنابل التي تخترق التحصينات، قد أدى الى القضاء الكامل على القدرة النووية الإيرانية، فإنه لا حاجة إلى اتفاق. ولكن على خلفية الاختلاف الاستخباري في الولايات المتحدة حول مسألة "القضاء الكلي" على القدرة النووية لإيران، فإن مسالة قدرة ترميم القدرات النووية لإيران ستواصل كونها ذات صلة.
يبدو أن ترامب نفسه، رغم إلغاء الحاجة إلى الاتفاق، يعترف بأهميته. "إذا كانت لدينا وثيقة، فهذا لن يكون سيئا"، قال. "نحن ذاهبون للالتقاء معهم". إذا لم تكن حاجة إلى الاتفاق فلماذا نضيع الوقت الثمين لستيف ويتكون في اللقاء مع الإيرانيين. الإجابة عن ذلك تكمن في أنه يوجد للولايات المتحدة وإيران مواضيع أخرى كثيرة، لمناقشتها من أجل استكمال مجموعة الضمانات كي لا تشكل إيران أي تهديد إقليمي أو عالمي.
ترامب تناول في أقواله تهديدا واحدا فقط ("نحن لم نرغب في النووي الإيراني، والآن هذا النووي مدمر")، لكن ما لم يتم تدميره هو القدرة على إنتاج الصواريخ البالستية، والتهديد بشل الملاحة في الخليج الفارسي، والإمكانية الكامنة في المس بدول المنطقة ودعم المنظمات. عمليا، هذه هي المواضيع التي طالبت إسرائيل بإيجاد حل لها في الاتفاق النووي الأصلي الذي تم التوقيع عليه العام 2015. أيضا بعد ذلك، أثناء استئناف المفاوضات بين الرئيس بايدن وإيران، ومؤخرا، عندما بدأ ترامب في حملة صياغة اتفاق نووي جديد.
في الأشهر الأخيرة، لم يستجب ترامب لمطالب إسرائيل وركز المفاوضات مع إيران حول القضية النووية. وكان ذلك في الحقيقة الشرط الرئيسي الذي وضعته إيران لاستئناف المفاوضات، الذي بحسبه ستكون مستعدة لمناقشة فقط قضية تخصيب اليورانيوم وحصر المشروع النووي بالأغراض المدنية، لكن الولايات المتحدة وافقت على هذا الشرط. إمكانية أن نتيجة الحرب ستمكن من توسيع الاتفاق ليشمل قضايا أخرى، تتعلق الآن بالقرار السياسي الذي سيتم اتخاذه في إيران.
حول التوجه المحتمل الذي تسعى إيران إليه، يمكن أن نعرف من القرار الذي اتخذه البرلمان الإيراني، الذي بحسبه الحكومة لن تواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، التي تشرف على المشروع النووي والمنشآت النووية الإيرانية. القرار غير نهائي وحتى الآن، هو بحاجة إلى المصادقة الرسمية من "لجنة فحص مصالح الأمة"، ومصادقة المرشد الأعلى علي خامنئي. التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة النووية ضروري من أجل تقدير الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية، والفحص بشكل موضوعي القدرة على إعادة ترميم المشروع النووي. وبالأساس التأكد من أنه لا يوجد أي تجاوز أو خرق للاتفاق النووي الأصلي الذي ما يزال يشكل الأساس الواقعي للمراقبين الدوليين في إيران.
ترامب يمكنه الإعلان عن بطلان قرار البرلمان الإيراني، لأنه إذا دمر المشروع النووي الإيراني، فلن يكون هناك ما يستدعي الرقابة عليه. ولكن من الوهم الاعتقاد بأن الطموح إلى تطوير برنامج نووي، وفي الوقت نفسه، تعزيز القدرات التقليدية لإيران، سيتم دفنه في أدراج معاهد الأبحاث ومكاتب التخطيط في مجلس الأمن القومي.
أمس، نشر كاتب الأعمدة الإيراني امير ثامني مقالا في صحيفة "شرق" (التي تعتبر مؤيدة للإصلاح)، كتب فيه ضمن أمور أخرى، بأن "إيران تعتبر دولة عظمى في مجال الصواريخ، ولكن كان وسيكون للعقوبات وعدم القدرة على استيراد التكنولوجيا الجديدة تأثير على السرعة والجودة لتطوير التكنولوجيا المطلوبة. يجب الأمل بأنه مع انتهاء الحرب التي فرضت علينا وانتهاء الشروط القاسية التي فرضتها على الدولة، ستوضع الأسس لبناء هذه القوة، وبناء منظومات دفاعية – هجومية ناجعة أكثر، التي ستستند إلى التكنولوجيا العالمية الأكثر حداثة وإلى جهود نخبة الشباب. إن الحماسة الإيرانية في ظل قيادة من رجال النظام الذين يهتمون يمكن أن تؤدي إلى عدم تفكير أي أحد بفكرة غزو بلادنا".
إذا كان ثامني يعكس امنيات من يعتبرون اصلاحيين، فإن خطاب المحافظين الراديكالي يضع طموحات بعيدة المدى بشكل أكبر، التي تشجع النظام على استئناف القدرة النووية وزيادة ترسانة السلاح التقليدي، وبالأساس عدم الخضوع للضغط الذي سيستخدم منذ الآن على إيران. ولكن كما ثبت في السابق، فإنه توجد فجوة بين الخطاب العلني والإعلامي وبين متخذي القرارات. المعضلة الرئيسية أمام القيادة ستكون من الآن فصاعدا، كيفية جعل الولايات المتحدة تقوم برفع العقوبات، وهو الهدف الأسمى نفسه، الذي كان من شأن المفاوضات حول الاتفاق النووي أن تحققه. المشروع النووي الإيراني، إلى جانب عامل الردع والدفاع العسكري، كان المقابل الذي كانت إيران مستعدة لمناقشته من أجل أن تستطيع إعادة تأهيل الاقتصاد، وتحييد التهديد على استقرار النظام كنتيجة للأزمة الاقتصادية.