الغد
هآرتس
بقلم: شلومو زند
كل يوم يمر يثبت أنه لم يخفت وهج المقولة المعروفة "الوطنية هي الملاذ الأخير للوغد". منذ 13 الشهر الحالي، اليوم الذي هاجمت فيه إسرائيل إيران، حصلت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو على موجة تعاطف من كل الطيف اليهودي في إسرائيل، وحتى من الخارج. كل منتقدي نتنياهو أدوا التحية له على جرأته وعزيمته. جميع اليئيريين، سواء كانوا معتدلين أكثر أو متطرفين أقل، اعتبروا عملية "شعب كالأسد" الرد المناسب على التهديد الإيراني.
كما هو معروف لم يكن أي استفزاز مباشر من قبل إيران يستدعي هجوم إسرائيل. أيضا لا يوجد أي دليل على أن النظام في إيران نفذ مؤخرا قفزة كبيرة نحو السلاح النووي. المعروف هو أن نتنياهو يحلم بالحرب ضد إيران منذ سنوات. هو فقط انتظر الوقت المناسب لتحقيق هذا الحلم. وقد حان الوقت عندما تبين له أخيرا بان "النصر المطلق" في غزة، الذي كرر التنبؤ به منذ بداية الحرب، لا يبدو أنه سيتحقق في المستقبل القريب. القتل عديم الشفقة لعشرات آلاف الغزيين المدنيين لم يساعد في هزيمة حماس. جنود الجيش الإسرائيلي يواصلون السقوط بشكل ثابت، والمخطوفين البائسين لم تتم إعادتهم، والشعور بالمرارة في إسرائيل تعاظم.
ها هو الزعيم قد جاء بالخلاص. الهجوم في إيران وحد الشعب المنقسم. محظور أن يكون لأي جهة في الشرق الأوسط سلاح نووي. لنا مسموح ذلك (حسب منشورات أجنبية) لأنه لدينا نظام ديمقراطي يعيش بسلام مع جيرانه ويعترف بالحقوق الأساسية والمساواة لكل من هم تحت حكمه. في المقابل، النظام في إيران هو ديكتاتوري، يقمع بشكل قاس مواطنيه. أنا لا أعرف إذا كان النظام في إيران أكثر اضطهادا واشمئزازا من النظام السوفييتي في 1949، عندما أجرى ستالين التجربة النووية الأولى له.
لكن الوضع الحالي يذكرني بشكل مدهش بتسخين أجواء الحرب الباردة، التي سممت كل السياسة في الخمسينيات. الكثير من الأميركيين آمنوا أن السلاح النووي لدى الاتحاد السوفييتي سيؤدي إلى حرب عالمية فظيعة، حيث أن السوفييت شجعوا وسلحوا جميع قوى "الوكلاء" ضد الولايات المتحدة، بدءا بالأحزاب الشيوعية وانتهاء بالحركات المناهضة للكولونيالية.
لكن الواقع كان مختلفا كليا. فورثة ستالين حرصوا على منع انتشار السلاح النووي. وفي 1962، ذروة الصراع بين الكتلتين، تبين حتى أنهم مسؤولون أكثر من الأميركيين عن كل ما يتعلق بمنع الحرب النووية بين الدولتين العظميين.
السياسة السوفييتية الثابتة التي خشيت من انتشار السلاح النووي كانت أحد العوامل الرئيسية في الانشقاق في نهاية الخمسينيات بين الاتحاد السوفييتي والصديقة المقربة، الصين الشيوعية. ماو غضب من رفض الاتحاد السوفييتي تسليح جيشه بالسلاح النووي، والصين نجحت في الحصول على هذا السلاح بقواها الذاتية في 1964. وللدهشة، نظام ماو الديكتاتوري والقمعي، بدرجة لا تقل عن النظام السوفييتي، امتنع عن انتشار السلاح النووي. الادعاء المشهور الذي بحسبه توجد صلة بين النظام الديكتاتوري والمغامرة العسكرية - الافتراض الذي وضعه النظام الفاشي في إيطاليا والنظام النازي في ألمانيا – هو ادعاء لا أساس له. الدولة الوحيدة في القرن العشرين التي استخدمت السلاح النووي ضد المدنيين هي الدولة التي اعتبرت الدولة الأكثر ليبرالية في العالم. فرنسا الديمقراطية هي التي بدأت في تسريب السلاح النووي إلى الشرق الأوسط. في الحالتين هذه العملية لم تكن ضرورية، والحالة الأخيرة مرتبطة بشكل وثيق بالوضع الخطير الذي نعيش فيه الآن.
مفهوم "الغموض النووي" الذي وضعته إسرائيل اصبح منذ زمن نكتة، وكل عاقل في الشرق الأوسط يعرف أن إسرائيل تعتقد انه يجب أن تكون الدولة الوحيدة التي لها (حسب منشورات أجنبية) هذا الامتياز. وحقيقة أن إيران لم تهاجم في المائة سنة الأخيرة أي دولة غير مهمة، لأنها يمكن أن تفعل ذلك. لذلك فإن ترامب انضم إلى "صديقه" نتنياهو وأشرك الولايات المتحدة في المواجهة العسكرية.
هذه ليست المرة الأولى التي يشجع فيها رئيس أميركي على مهاجمة إيران. ففي الحرب بين العراق وإيران في الثمانينيات، التي قتل فيها حوالي مليون شخص، أيدت الولايات المتحدة صدام حسين ووفرت له معلومات استخبارية عن إيران، وحتى أنها نقلت إليه السلاح الكيميائي الذي قام باستخدامه. المفارقة هي حقيقة أن النزاع الذي اندلع فيما بعد بين الصديقتين سابقا، أدى في 2003 إلى غزو الجيش الأميركي للعراق واحتلاله، بهدف تحييد سلاح الدمار الشامل الذي ما يزال في حوزته. بعد سبع سنوات على تدمير دولة العراق على يد الجيش الأميركي لم يتم إيجاد السلاح غير التقليدي، وتم وقف البحث عنه.
حتى الآن نحن لا نعرف نتيجة هذا الاتفاق المستعجل مع إيران. هل النظام الديكتاتوري سينهار والمعارضة الليبرالية ستنتصر، أم أن معارضي النظام سيتم قمعهم على يد موجة وطنية جارفة كما حدث أكثر من مرة في التاريخ. الوطنية ليست إلا ملاذا للاوغاد. وهي أيضا يمكن أن تكون المصدر لهزيمة من يحبون السلام والحرية.