الغد
هآرتس
بقلم: عاموس هرئيل 28/1/2025
صور جمهور الفلسطينيين الذين يجتازون سيرا على الأقدام ممر نتساريم في الطريق إلى ما تبقى من بيوتهم في شمال قطاع عزة، تعكس بدرجة كبيرة نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس. الصور التي تم تصويرها أول من أمس أيضا تحطم وهم النصر المطلق الذي نثره رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومؤيدوه خلال أشهر كثيرة. خلال معظم فترة الحرب رفض نتنياهو مناقشة ترتيبات اليوم التالي في القطاع، ولم يوافق على السماح بثغرة لتدخل السلطة الفلسطينية في غزة واستمر في الدفع قدما بسيناريو خيالي لهزيمة حماس بشكل شامل. الآن يمكن الافتراض أنه اضطر إلى التنازل والموافقة على أقل بكثير من ذلك.
في هذا الأسبوع حقق رئيس الحكومة طلبه. حماس وضعت عقبات أمام تنفيذ النبضات التالية في المرحلة الأولى لصفقة التبادل، لكن نتنياهو نجح في التغلب عليها. حتى منتصف ليلة يوم الأحد قام بتأخير المصادقة على انتقال مئات آلاف الفلسطينيين إلى الشمال بعد أن تراجعت حماس عن وعد إطلاق سراح المواطنة المخطوفة اربيل يهود من نير عوز. في نهاية المطاف اضطرت حماس إلى التراجع أمام تهديد نتنياهو وضغط الجمهور على الأرض. حماس وعدت، وأيضا دول الوساطة العربية، بأن أربيل يهود ستتم إعادتها بعد غد مع المراقبة المخطوفة الأخيرة اغام بيرغر ومخطوف آخر. النبضة الثالثة التي تشمل ثلاثة مخطوفين سيتم تنفيذها السبت المقبل. وبناء على ذلك، فإن تصلب نتنياهو أدى إلى إطلاق سراح ثلاثة مخطوفين إسرائيليين مبكرا، وهذا ليس أمرا قليلا.
لكن في الصورة الكبيرة حماس قدمت تنازلا تكتيكيا لاستكمال عملية استراتيجية – عودة السكان إلى شمال القطاع. بعد عودتهم إلى بلداتهم المدمرة سيكون من الصعب على إسرائيل استئناف الحرب وإخلاء المدنيين مرة أخرى من المناطق التي ستقوم باقتحامها، حتى لو انهار الاتفاق بعد انتهاء الستة أسابيع للمرحلة الأولى. إضافة إلى ذلك رغم نشر متعهدين أميركيين من قبل البنتاغون في ممر نتساريم، الذين سيقومون بالفحص والتأكد من أنه لم يتم تهريب سلاح في السيارات، إلا أنه لا توجد رقابة على الجمهور الذي يسير مشيا على الأقدام. من المرجح أن حماس يمكنها تهريب عدد غير قليل من السلاح. أيضا الذراع العسكرية لحماس، التي لم تنسحب في أي يوم بالكامل من شمال القطاع، يمكنها استئناف بالتدريج كادرها التنفيذي.
قيود عملياتية جوهرية تقف بين إسرائيل وبين استئناف القتال. إلى جانب ذلك، لا يوجد أي سبب لتصديق الرواية الكاذبة التي تقول إن حماس تحاول تسويق موضوع الانتصار في الحرب. "الصمود" والتمسك بالأرض في الحقيقة تتغلب حتى الآن على التهديد بالطرد و"النكبة" الإسرائيلية. ولكن كل من تجول في شمال القطاع في الأشهر الأخيرة يعرف ما سيكتشفه الآن الفلسطينيون، هذه منطقة أجزاء كبيرة منها تم تدميرها بشكل كامل. الوضع في خان يونس ورفح وجنوب القطاع ليس أفضل بكثير. رسميا الفلسطينيون تكبدوا أكثر من 46 ألف قتيل، ولكنهم في الجيش الإسرائيلي يقدرون أن العدد أكبر من ذلك، لأن آلاف الجثث ما تزال تحت الأنقاض. وهكذا لا يظهر أن هناك نصرا للفلسطينيين.
إخلاء المباني والبنى التحتية المدمرة، يمكن أن يستغرق سنوات كثيرة. وهذا أحد أسباب أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بدأ في الحديث فجأة وبصوت عال عن إخلاء سكان القطاع في فترة إعادة الإعمار – الفكرة أن زعماء الدول العربية المعتدلة، التي يتم انتظار تمويل هذه العملية الضخمة منها، يتحفظون جدا.
حماس تكبدت في هذه الحرب ضربة عسكرية كبيرة، يبدو أنها الأقوى من بين الضربات التي أوقعها الجيش الإسرائيلي على أحد أعداء اسرائيل. مع ذلك، لا توجد هزيمة هنا (كما يكرر المذيعون في القناة 14 منذ بداية الحرب). هذا هو مصدر الوعود التي يطلقها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي ما يزال جالسا على الكرسي رغم معارضة صفقة التبادل، بشأن العودة بسرعة إلى الحرب التي ستحل المشكلة مرة واحدة. الحقيقة بعيدة عن ذلك. فاستئناف الحرب تقريبا لا يتعلق بنتنياهو، وبالتأكيد شركاؤه في اليمين المتطرف. القرار النهائي يوجد كما يبدو في يدي ترامب، الذي يتوقع أن يستضيف في القريب رئيس الحكومة نتنياهو في واشنطن للقاء، الذي لا يمكن وصفه في هذه المرة إلا بأنه لقاء مصيري.
ترامب يعشق الضبابية وعدم الوضوح إلى حين اتخاذ القرار. لذلك، يصعب جدا توقع سلوكه. ولكن حسب الدلائل التي تركها في الأسابيع الأخيرة، فإن أساس اهتمامه ليس باستئناف الحرب، بل بإنهائها. في هذه الأثناء يبدو أن هذا هو الضغط الذي سيستخدمه على نتنياهو لاستكمال الصفقة، وربما الاعتراف، بضريبة كلامية على الأقل، بحلم مستقبلي لإقامة الدولة الفلسطينية.
نتنياهو الذي صمم خلال السنين على أنه مستعد لإدارة الدولة والامتثال للمحاكمة، أنجر أول من أمس مرة أخرىـ لتقديم شهادته في المحكمة المركزية، رغم أنه كان واضحا بأنه لم يتعاف من العملية التي أجريت له في بداية الشهر. هو استغل الفرصة لنفي الشائعات بأنه يعاني من مرض عضال. ولكنه لم يشرح علنا عن حالته الصحية. الآن بسبب ضائقة شخصية وضائقة صحية وجنائية وسياسية، ربما يجب عليه الصمود أمام الضغط الأكبر الذي يستخدمه رئيس أميركي على رئيس حكومة إسرائيلي.