الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
نيف غوردون* - (كاونتربنش) 23/10/2024
ليس استخدام الدروع البشرية في الحرب ظاهرة جديدة. لطالما أجبرت الجيوش المدنيين على العمل كدروع بشرية منذ قرون. مع ذلك، وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل المثير للجدل، تمكنت إسرائيل من إدخال شكل جديد من الدروع البشرية في غزة، والذي يبدو غير مسبوق في تاريخ الحرب.
كانت قناة "الجزيرة" هي التي كشفت في البداية عن هذه الممارسة. ولكن في وقت لاحق، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية كشفاً كاملاً عن كيفية قيام القوات الإسرائيلية باختطاف المدنيين الفلسطينيين، وإلباسهم الزي العسكري الإسرائيلي، وتثبيت كاميرات على أجسادهم، وإرسالهم إلى الأنفاق تحت الأرض، وكذلك إلى المباني حتى يشكلوا دروعاً للقوات الإسرائيلية.
وجاء في مقال "هآرتس": "من الصعب تمييزهم. عادة ما يكونون في زي الجيش الإسرائيلي، الكثير منهم في العشرينات من العمر، ويكونون دائماً مع الجنود الإسرائيليين من مختلف الرتب". لكنك إذا نظرت عن كثب، فسوف "ترى أن معظمهم يرتدون أحذية رياضية وليس أحذية عسكرية؛ أيديهم مكبلة خلف ظهورهم ووجوههم مليئة بالخوف".
في الماضي، كانت القوات الإسرائيلية تستخدم الروبوتات والكلاب المدربة التي يتم تثبيت كاميرات على أطواقها، وكذلك المدنيين الفلسطينيين، ليكونوا بمثابة دروع. ومع ذلك، كان الفلسطينيون الذين يتم استخدامهم كدروع بشرية دائماً ما يرتدون ملابس مدنية، وبالتالي يمكن التعرف عليهم وتمييزهم كمدنيين. ولكن، من خلال إلباس المدنيين الفلسطينيين الزي العسكري وإرسالهم إلى الأنفاق، غيَّر الجيش الإسرائيلي في الواقع منطق اتخاذ الناس كدروع بشرية.
في الحقيقة، كان اتخاذ الدروع البشرية مبنياً تاريخياً على الاعتراف بأن الشخص الذي يُتخذ درعاً ليحمي هدفاً عسكرياً هو مدني ضعيف (أو أسير حرب). ويهدف هذا الاعتراف إلى ردع الطرف المحارب الخصم عن مهاجمة الهدف لأن ضعف الدرع البشري يستدعي ظاهرياً وضع قيود أخلاقية على استخدام العنف المميت. ويشكل الاعتراف بضعف الضحايا على وجه التحديد مفتاح الفعالية المزعومة للدروع البشرية حتى تتاح للردع فرصة للنجاح.
ولكن، من خلال إلباس المدنيين الفلسطينيين الزي العسكري الإسرائيلي وتصويرهم كمقاتلين إسرائيليين، يخفي الجيش الإسرائيلي عمداً ضعفهم. وهو يقوم باستخدامهم كدروع -ليس لردع المقاتلين الفلسطينيين عن ضرب الجنود الإسرائيليين، وإنما لجذب نيرانهم وبالتالي الكشف عن مواقعهم، مما يسمح للقوات الإسرائيلية بشن هجوم مضاد وقتل المقاتلين. وفي اللحظة التي يتم فيها إرسال هذه الدروع البشرية المتنكرة كجنود إلى الأنفاق، يتم تحويلهم مباشرة من مدنيين ضعفاء إلى أهداف وضحايا للحرب.
ربما لا تكون معاملة الجيش الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين على أن حياتهم بلا قيمة وأنهم قابلون للاستغناء عنهم مفاجئة بالنظر إلى الشكل العنصري للحكم الاستعماري الذي يتعرض له الفلسطينيون منذ عقود. وتفسر العنصرية عميقة الجذور السهولة التي ادعى بها الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، علناً، بأنه "لا يوجد مدنيون أبرياء" في قطاع غزة، فضلاً عن اللامبالاة السائدة بين الجمهور اليهودي الإسرائيلي تجاه عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين الذين فقدوا أرواحهم.
في الواقع، لم يُصدم معظم الإسرائيليين عندما دعا قادتهم السياسيون مراراً وتكراراً إلى "محو" غزة من الوجود، و"تسويتها" بالأرض، وتحويلها إلى "دريسدن". إنهم إما دعموا -أو كانوا غير مبالين بشأن الأضرار الجسيمة والدمار الذي لحق بأكثر من 60 بالمائة من جميع المباني والمواقع المدنية في غزة.
في هذا السياق، من المرجح أن ينظر معظم الجنود الإسرائيليين -وقطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي- إلى إلباس المدنيين الفلسطينيين الزي العسكري وإرسالهم إلى الأنفاق -على أنه ليس أكثر من مجرد تفاصيل.
ومع ذلك، يلقي هذا الشكل الجديد من استخدام الدروع البشرية ضوءاً مهماً على الكيفية التي تتجلى بها العنصرية في ساحة المعركة. ويكشف أن الجيش الإسرائيلي قد أخذ على محمل الجد، ونفذ المبادئ التوجيهية العنصرية لوزير الدفاع يوآف غالانت، حين قال "إننا نحارب حيوانات بشرية"، وأظهر كيف يتعامل الجنود الإسرائيليون مع الفلسطينيين على أنهم إما طعم أو فريسة. مثل الصيادين الذين يستخدمون اللحوم النيئة لإغراء الحيوانات التي يريدون القبض عليها أو قتلها، تستخدم القوات الإسرائيلية المدنيين الفلسطينيين كما لو أنهم طُعم، تتمثل وظيفتهم في جذب الفريسة للصياد.
كما ترشد العنصرية أيضاً تجاهل إسرائيل للقانون الدولي. من خلال الاحتجاز العشوائي للمدنيين الفلسطينيين -بمن فيهم الأطفال وكبار السن- ثم إلباسهم الزي العسكري قبل إجبارهم على السير أمام الجنود، تنتهك القوات الإسرائيلية -ليس فقط الحكم القانوني ضد استخدام الدروع البشرية، ولكن أيضاً الحكم الذي يتعامل مع الغدر ويحظر على الأطراف المتحاربة استخدام "الزي العسكري للأطراف المعادية أثناء الانخراط في الهجمات أو من أجل حماية، أو منح الأفضلية، أو إعاقة العمليات العسكرية". ثمة جريمتا حرب في عمل واحد.
ومع ذلك، فإن الحقيقة المرعبة هي أنه بغض النظر عن مقدار الأدلة التي تظهر حول استخدام إسرائيل لهذه الممارسة الجديدة في استخدام الدروع البشرية، أو في الواقع، أي خرق آخر للقانون الدولي، يبقى احتمال أن تقوم بتغيير الإجراءات على الأرض ضئيلاً.
تاريخياً، كانت الآمال بأن يحمي القانون الدولي الشعب الفلسطيني ويحقق له العدالة في غير محلها لأن العنصرية الاستعمارية -كما أشار علماء القانون المنتقدون، من أنتوني أنغي إلى نورا عريقات- لا ترشد تصرفات إسرائيل فحسب، بل ترشد أيضاً النظام القانوني الدولي، بما في ذلك الطريقة التي تحقق بها "المحكمة الجنائية الدولية" العدالة. وللحصول على لمحة عن هذه العنصرية، كل ما على المرء فعله هو تصفح موقع "المحكمة الجنائية الدولية" ومعرفة من الذي كانت مستعدة لتوجيه الاتهام إليه ومحاسبته.
*نيف غوردون Neve Gordon: عالم سياسي ومؤرخ إسرائيلي، ولد في 15 حزيران (يونيو) 1965. وهو معروف بعمله في مجال العلاقات الدولية وساهم في المناقشات حول قوانين الحرب وحقوق الإنسان. وهو زميل في السياسة والدراسات الدولية وأستاذ ليفرهولم الزائر في "الأكاديمية البريطانية للعلوم الاجتماعية". مؤلف مشارك لكتاب "حق الإنسان في الهيمنة" The Human Right to Dominate.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel has Taken Human Shields to a Whole New Criminal Level