الغد-هآرتس
ب. ميخائيل 31/12/2024
رفائيل لامكا، رجل القانون الذي قام بصك وتعريف مفهوم "إبادة جماعية"، صنع، للمفارقة، معروفا غير بسيط لمن ينفذوها. فقد حول الإبادة الجماعية إلى نوع من الجريمة الخارقة، المعجرفة تقريبا، التي من أجل أن تصبح عضوا في نادي منفذيها الحصري، يجب عليك اجتياز امتحان قبول معقد. رغم أنه في الحقيقة الحديث يدور "إجمالا" عن عدد كبير من جرائم الحرب الموجهة جميعها ‘لى مجموعة عرقية معينة. هذا بسيط وواضح.
هكذا حدث أن عدد الاتهامات والإدانات بالإبادة الجماعية مقلص جدا، رغم أنه لا ينقص مجرمي الحرب الذين بالتأكيد يستحقون هذا اللقب المأمول. ولكنهم يسارعون إلى التمترس خلف المحامين المتملصين الذين ينجحون دائما في العثور على عيب إجرائي في تعريف ما تم ارتكابه، وعلى الفور يهبون مثل الأسود ويقولون إن هذا هو الدليل على أن جميع أفعالهم حلال وطاهرة. هكذا على سبيل المثال تتصرف إسرائيل.
لكن هناك أعمال إبادة جماعية اخرى، وهي أيضا تعتبر جريمة بالضبط، رغم أنها غير مرتبطة بالأضرار الجسدية. هذه فقط "إبادة جماعية" للروح، الثقافة، الحقوق، النفس، الأخلاق والإنسانية. هي في الحقيقة ليست محفورة في أي قانون، لكن التدمير الأخلاقي القيمي لا يقل فظاعة عن التدمير الجسدي والديني، وعلى المدى البعيد، فإن ضررها حتى يكون أكبر، بالتأكيد على الضحية، وربما أكبر على منفذها.
حسب هذا المعيار، فإن إسرائيل ليست غارقة في تنفيذ الإبادة الجماعية، بل هي تعمل منذ سنوات على ارتكاب ثلاثة أعمال إبادة جماعية. الأولى هي بالطبع الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني. وهي لم تبدأ في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بل في 14 أيار (مايو) 1948، وربما حتى قبل ذلك، بدءا بنفي وجود الشعب الفلسطيني ("شعب من دون أرض لأرض من دون شعب")، وانتهاء بالطرد الجماعي وتدمير قرى الشعب الفلسطيني وبلداته وسرقة أرضه، والاستيطان المجرم وسلب حقوقه وإنسانيته.
يمكن القول، إنه منذ يومها الأول فإن دولة إسرائيل تدير حربا واحدة طويلة، حرب إبادة جماعية بكل معنى الكلمة: حرب سلب حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وسرقة أراضيه.
من أجل الادعاء بجدية أن ما يحدث في غزة وفي الضفة الغربية ليس إبادة جماعية، فإنه يجب على المرء أن يكون جاهلا وغارقا عميقا في غيبوبة أو ناشط دعاية لإسرائيل
الإبادة الجماعية الثانية، هي ليست فقط تدمير قيمة، بل هي في الأساس تدمير قيم. كل القيم التي نسبها يهود إسرائيل لأنفسهم – الحكمة، العدالة، الضحية، الشفقة والإنسانية، منارة للأغيار، شعب الله المختار، طهارة الأخلاق وطهارة السلاح – جميعها ماتت بالاختناق بسبب دخان وغبار الانقاض. كل العالم يعرف الآن أن القومية اليهودية – الإسرائيلية هي قومية معطوبة ومجرمة مثل كل القوميات الأخرى. يمكن القول باطمئنان إن مشروع تدمير الدولة تم استكماله بنجاح.
الإبادة الجماعية، الأكثر عادية، هي الإبادة الجماعية التي تم تنفيذها في منظومة التزام دولة إسرائيل بمواطنيها كدولة، التي لم يبق منها أي شيء، تم تدميرها كلها، بدءا بالتعليم والثقافة ومرورا بالصحة والأمن الشخصي والمواصلات والبنى التحتية وغلاء المعيشة والسكن والخدمات والشرطة وجهاز القضاء، وانتهاء بالكنيست التي لا يوجد فيها ذرة من الموضوعية والفائدة أو العقل السليم. وكأنه تم تركيب الغباء على عقل شرير.
في الختام، لدي نصيحة من أعماق قلبي. في يوم الجمعة 27/12، نشرت "هآرتس" مقالا للبروفيسور شلومو بن عامي تناول فيه الوضع السياسي في إسرائيل، كل شخص ليس أميا أو بيبيا يجب عليه قراءته. كله. وسيعرف بشكل جيد أين هو موجود، وبالتالي ربما سيعرف إلى أين هو ذاهب.