Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Feb-2021

مبدعون على ضفاف المئوية: عرار جذر شعري أردني راسخ

 الراي- أحمد الطراونة

في سياق احتفال الأردنيين بمرور مئة عام على تأسيس أولى البنى الإدارية والسياسية والثقافية في مشروع دولتهم الحديثة، تحتفي «$» برموز الإبداع والوعي الذين أضاءوا بقناديلهم دروب المسيرة، وأسهموا بنتاجاتهم في صياغة الوجدان، ودوّنوا بإبداعهم على صفحة هذا الوطن سيرته وسرديته.
 
وتقدم هذه الزاوية على مدار العام تعريفا بشخصيات إبداعية تركت منجزاتها بصمات واضحة في التاريخ الحديث.
 
مصطفى وهبي التل (عرار)..
 
يقول عرار: «إني رجلٌ طروبٌ وأني في حياتي الطروبة أفلاطوني الطريقة، أبيقوري المذهب، خيّامي المشرب ديوجني المسلك، وإنَّ لي فلسفة خاصة هي مزيج من هذه المذاهب الفلسفية الأربعة». كان عرار جذرا شعريا أردنيا راسخا، رسم ملامح هوية ثقافية وسياسية منذ أن شبّ على الحياة، وسار في ركب الأدب يحدو قوافيه. وُلد الفتى حوارني الملامح في 25/5/1899 في إربد، وأضيف إلى اسمه لقب «وهبي»، ليصبح اسمه مصطفى وهبي التل، ثم اختُزل بـ «عرار»، الاسم الذي فاقت شهرته الأدبية حدود الوطن العربي.
 
تلقى عرار تعليمه الإبتدائي في مسقط رأسه، إربد، ثم التحق بمكتب عنبر في العام 1912، ليبدأ مسيرة جديدة في حياته، فمكتب عنبر كان يعج بالحركة القومية وغيرها من الحركات الناشئة في مواجهة الصلف الطوراني، فشارك عرار جموع المحتجين الغاضبين من أبناء هذه الحركات على سياسة التتريك، فنُفي على إثر ذلك إلى بيروت، لكنه ما لبث أن رجع إلى دمشق.
 
كانت العطلة الصيفية التي عاد عرار ليقضيها مع أهله لحظة مهمة في تاريخه، فوالده الذي كان ينتظر عودته أجبره على البقاء معه في مدرسته التي باشرت عملها للتو في مدينة إربد تحت اسم: «المدرسة الصالحية العثمانية»، لتستمر الخلافات فيغادر مع رفيقه محمّد صبحي أبو غنيمة، قاصدَين إسطنبول، لكنهما لم يبلغاها، واستقر المقام به في «عربكير» حيث كان عمُّه علي نيازي قائمَ مقام فيها، وهناك عُيّن وكيلَ معلمٍ لمحلة «اسكيشهر» يوم 3/10/1918، واستقال من هذه الوظيفة يوم 9/3/1919، ثم عاد إلى إربد في صيف سنة 1919، ونجح في إقناع والده ب?رورة استكماله الدراسة في «عنبر»، فسافر إلى دمشق في مطلع السنة الدراسية 1919/1920، وشارك في الحركات الطلابية التي شهدتها المدينة حينئذ، وقبل أن يُغادر المدرسة أسهم عرار بتظاهرةٍ صاخبة، فطرد مع أقرانه: صبحي أبو غنيمة، ومنير الحصّ، وجميل القربي، وجمال الخردجي، وغيرهم.
 
غادر عرار حلب في حزيران سنة 1920 بعد أن أنهى الثانوية في المدرسة السلطانية. وفي أثناء دراسته، تعلّم اللغة التركية، وهي اللغة الرسمية وقتذاك، كما عَرفَ الفارسية. وفي أواخر العشرينيات درس القانونَ معتمداً على نفسه، وتقدّم للفحص الذي كانت تُجريه وزارة العدلية آنذاك فاجتازه، وحصل على إجازة المحاماة في 3/2/1930.
 
كان مغرما بالمغايرة، وعدم مجاراة السائد، وكأن الخيام الذي فتح عيني عرار على الشعر قد ترك بعض خصاله في جعبة هذا الفتى الذي أصبح يعشق التمرد والانبعاث في كل لحظة بشكل مختلف عن السائد ومقاوما له ومحاولا تغييره.
 
وكان عرار خلال هذه الفترة مولعا بالخيام وهوجو، فترجم قصيدة هوغو «بعد المعركة» عن الفرنسية، ثم عاد إلى الأردن ليبدأ العمل كمعلمٍ للأدب العربي بالكرك. وفي هذه الفترة تعرف عليه «البدوي الملثم» في بيتهم، ووصفه وصفا خلده في ذاكرة محبيه، ومن هناك بدأ عرار نشاطه الثقافي من خلال نشر مقالاته وقصائده وقصصه في جريدة الكرمل الحيفاوية بعد أن وطدّ علاقته مع صاحبها نجيب نصّار، ثم عيّن حاكما إداريا لوادي السير، واعتُقل بعد ذلك مع عودة القسوس، وشمس الدين سامي، وصالح النجداوي، والشيخ علي الشركسي بتهمة تأسيس جمعية سرية ذات أ?داف مشبوهة.
 
يخرج عرار من سجنه إلى منفاه معان، ثم العقبة، ثم جدة، من سجن إلى أخر، لكن ذلك لم يزده إلا عزيمة واصرارا على شق طريق الوعي بطريقته التي اختارها، ليعود حاكما إداريا مرة أخرى في الشوبك هذه المرة، في عام 1925، ويبدأ مرحلة جديدة من الإبداع ونقد الإبداع، والتهور وتقلّب المزاج، والزواج والطلاق، والمساجلات النقدية والشعرية، حتى لحظة كفّ يده عن العمل بعد اضطرابات وادي موسى التي شارك فيها رغم أنه كان حاكما إداريا.
 
عُيَّن عرار مدرسا في مدرسة عمّان في تشرين الثاني 1926، ثم عيّن مديرا لمدرسة الحصن في أيلول 1927، وعزل بسبب معارضته للمعاهدة البريطانية وفرضت عليه الإقامة الجبرية، وفي شباط عام 1931 حكم على عرار بسبب مقال في جريدة الكرمل بالنفي إلى العقبة، وفي عام 1931 عين عرار مدرسا في مدرسة إربد الثانوية، وشهدت هذه الفترة علاقةً جيدة مع الأمير عبدالله الأوّل، وفي عام 1933 انتقل عرار من سلك التدريس إلى وزارة العدليّة رئيسَ كتّاب محكمة إربد البدائيّة، ثم مأمورا لإجراء عمّان، ثم مدعيا عاما في السلط، ومساعدا للنائب العام، ثم رئيسا للتشريفات في الديوان الملكي، ولم يمض في منص? رئيس التشريفات أكثر من أربعة أشهر إذ عزل من المنصب وسجن في المحطّة سبعين يوما على إثر مشادة بينه وبين رئيس الوزراء آنذاك، ليخرج من السجن ويمارس مهنة المحاماة من مكتبه الخاص. مُنح عرار الذي توفي في عمّان عام 1949م، وسام النهضة من الدرجة الثالثة من الديوان الملكي، ودفن في إربد قبل أن ينقل رفاته إلى بيت عائلته، بعد أن رسّخ علاقات مهمة مع كبار الشعراء من أمثال: إبراهيم ناجي، وأحمد الصافي النجفي، وإبراهيم طوقان، وعبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)، والشيخ فؤاد الخطيب؛ كما كانت صلته وثيقة ببلاط الملك عبدالله بن الحسي?.
 
توفي عرار دون أن يُصدر ديوانا واحدا، رغم أنه جمع قصائده بهدف طبعها في ديوان بعنوان «عشيات وادي اليابس» أو «أيامٌ وليالٍ في مضارب النور». وله مخطوطان مطبوعان، بحسب البدوي الملثّم، هما «الأئمة من قريش»، و«طلال»، الذي ألفه مع خليل نصر، صاحب جريدة الأردنّ، وقدماه هدية لولي العهد الأمير طلال.