Friday 18th of October 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Oct-2024

الطريق طويلة لتحقيق أهداف الحرب

 الغد-يديعوت أحرونوت

بقلم: رون بن يشاي
 
 
توجد لدولة إسرائيل استراتيجية بموجبها يعمل الجيش والمستوى السياسي في الحرب متعددة الساحات التي نوجد في ذروتها. هذا هو الانطباع الواضح الذي يؤخذ من الحديث مع كبار رجالات جهاز الأمن وأسرة الاستخبارات والجولات الميدانية في غزة ولبنان.
 
 
التحذير من هذه الاستراتيجية يفترض بها بل ولا تدعي انها ستحقق "نصرا مطلقا" للحرب، مثلما أراد رئيس الوزراء الذي كان وما يزال تحت صدمة فظائع 7 تشرين الأول (أكتوبر). لكنها قادرة على أن تحدث تحسنا جوهريا في الأمن القومي لكل مواطني إسرائيل، وتغييرا جوهريا إيجابيا في الأمن الشخصي لسكان النقب الغربي والجليل، وأساسا أولئك الـ80 ألف إسرائيلي الذين اضطروا إلى أن يغادروا بيوتهم.
الطابق الأول في هذه الاستراتيجية هو أهداف الحرب كما صاغها وأقرها الكابنت. كما يبدو، هذه الأهداف صيغت بغموض لأسباب سياسية – ائتلافية، وعليه فالجيش الإسرائيلي، مثلما في كل حروب إسرائيل يضطر إلى أن يترجم هذه القرارات إلى تعابير ملموسة. بداية، قضى الجيش بالنسبة لكل جبهة "الغاية الاستراتيجية" مثلما فهمها جنرالات هيئة الأركان من قرارات الكابنت – ومنها تقررت المهام، الوسائل وأساليب القتال التي حددها الجيش لنفسه. الأهداف، الوسائل والأساليب اجتازت تغييرات أثناء سنة من القتال مررنا بها، لكن الغاية الاستراتيجية في كل واحدة من الجبهات بقيت ثابتة.
مبادئ الاستراتيجية السياسية – الأمنية: الجيش الإسرائيلي هو مراكمة إنجازات عسكرية في غزة ولبنان، من شأنها دفع العدو في كلا الساحتين إلى أن يوافق بل ويطلب، ترتيبا دبلوماسيا ينهي القتال بالشروط التي تطلبها إسرائيل وتتطابق وأهداف الحرب مثلما صاغها الكابنت.
وسيتم الانتقال من الإنجاز العسكري إلى الترتيب وفقا لقرار المستوى السياسي، أي رئيس الوزراء بإقرار الكابنت. في كل الساحات الخمس الأخرى بما فيها إيران، هدف الحرب هو ترميم وتعزيز الردع الاستراتيجي الذي تآكل بشدة في 7 تشرين الأول (أكتوبر). الهدف هو إعادة خلق وضع يرى كل أعداء دولة إسرائيل بمن فيهم أولئك الذين يجلسون على الجدار، أنه ليس مجديا الصدام معها، وإذا كان ممكنا مرغوب التعاون معها.
تعمل هذه الاستراتيجية الآن في الشمال بسرعة أكبر مما في الساحات الأخرى. ففي لبنان الجيش الإسرائيلي أقرب الآن من وضع ستكون فيه ممكنة محاولة الانتقال إلى مفاوضات على ترتيب دبلوماسي. فجهود جس النبض من الوسطاء والأطراف بدأت منذ الآن. ما سمح لهذا الوضع هو أولا وقبل كل شيء الإنجاز العسكري: من دون الدخول في استعراض بكل ما تم عمله، السطر الأخير اليوم هو أن الجيش الإسرائيلي أخرج عن الخدمة ثلثي القدرات النارية المضادة لحزب الله وقسما مهما من القدرات النارية قصيرة المدى للمنظمة. بالتوازي، نجح الجيش في أن يبعد معظم قوة الرضوان ومسلحي حزب الله بمسافة نحو 5 – 8 كيلومترات عن الحدود وقسم من القوة حتى يوجد شمالي الليطاني.
كنتيجة لذلك، أعرب زعماء الطائفة الشيعية وحزب الله منذ الآن صراحة عن الاستعداد للموافقة على وقف نار جنوب لبنان من دون اشتراطه وقف النار في غزة. في الجيش الإسرائيلي يعتقدون أنه ما يزال ممكنا تعميق الإنجاز لكن بالتوازي رفعت هيئة الأركان منذ الآن إلى المستوى السياسي اقتراحا لمطالب تطرحها إسرائيل في التسوية. وذلك على افتراض أن كل حرب في العصر الحديث، ومن دون استثناء تقريبا، تنتهي بترتيب سياسي كهذا أو ذاك.
في جهاز الأمن كانوا يريدون للترتيبات السياسية في لبنان أن تتضمن: إبعاد قوة الرضوان وقدراتها النارية المباشرة إلى ما وراء الليطاني؛ ومنع وصول المواطنين اللبنانيين إلى مسافة قريبة فورية من الحدود؛ حظر دولي تضمنه القوى العظمى والأمم المتحدة على نقل السلاح والذخيرة من إيران إلى لبنان؛ الجيش اللبناني الذي ينزل جنوبا يعزز ويزود من الولايات المتحدة والدول الأوروبية برقابة حثيثة؛ والبند الأهم – أن تتمكن إسرائيل من أن تفرض بنفسها، بقواتها، ترتيبات وقف النار وبالتالي تحفظ في هذه الترتيبات للجيش الإسرائيلي حرية عمل استخبارية وعملياتية تسمح باجتياحات وأعمال عسكرية في داخل أراضي لبنان.
بخلاف غزة، الظروف في لبنان أكثر راحة وتتيح الترتيبات، لأنه توجد حكومة حتى وإن لم تكن تؤدي مهامها تماما، لكن يمكن التفاوض معها والوصول إلى اتفاقات.
وكذلك الولايات المتحدة، فرنسا، أما إيران، سيدة حزب الله، فتريد هي أيضا وقف القتال في لبنان كي يتمكن حزب الله من أن يحفظ وربما يرمم في المستقبل قوته التي تضررت. وأخيرا، حزب الله الضعيف والطائفة الشيعية، مثل باقي سكان لبنان الذين أكثر من مليون منهم هم لاجئون في بلادهم، يريدون التسوية.
في غزة، لشدة الأسف دولة إسرائيل أبعد بكثير عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية. فمع أن معظم القوة العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي فككتا وعادت المنظمتان لتكونا منظمتي عصابات، لكن ما تزال لحماس قدرات عسكرية نشطة أو قائمة. أكثر من هذا لم تدمر كل الأنفاق، ما تزال توجد كتيبة ونصف في مخيمات الوسط لم تتضرر بعد والمنظمة تجند مقاومين جدد وتقيل من جديد مراكز قيادة وتحكم في الأماكن التي كان فيها الجيش وتركها. وربما أخطر من هذا، لا تتخلى حماس عن حكمها المدني وتستخدم المساعدات الإنسانية التي تتلقاها من جهات دولية كوسيلة سيطرة مباشرة من خلال تحديد من يتلقاها وأين وتبيع المساعدات كي تمول أعمالها. إضافة إلى ذلك، لا توجد جهة لها تأثير حاسم على حماس ويمكنها أن تدفعها إلى أن تحرر المخطوفين وتتنازل تماما عن السيطرة في القطاع. الوسطاء، الولايات المتحدة، قطر ومصر، لا ينجحون في إقناع السنوار بالجلوس على طاولة المفاوضات في الوقت الحالي، ما يجعل إسرائيل عمليا تعلق هي ومواطنو القطاع في طريق مسدود ودامٍ.
شرع الجيش الإسرائيلي مؤخرا، بحملة للفرقة 162 في شمال القطاع والتي حسب ادعاءات حماس تستهدف تنفيذ "خطة الجنرالات" التي وضعها اللواء احتياط غيوار آيلند ويفترض أن تخلي سكان شمال القطاع جنوبا – وعندها فرض حصار معناه منع المساعدات الإنسانية عن كل ما يتبقى في القطاع، في إسرائيل لا يعترفون أن هذه هي الخطة، لكنهم لا ينفون ذلك قطعا أيضا. على أي حال، الوضع في هذه اللحظة هو أن العملية العسكرية، التي تتركز في جباليا لا تحقق كامل أهدافها. في الجيش الإسرائيلي يعترفون أن الضغط ليس كافيا وأنه يحتمل أن تكون هناك حاجة لإدخال فرقة أخرى إلى شمال القطاع لأجل دفع مئات آلاف المواطنين المتبقين هنا للإخلاء وعندها ربما، خوفا من فقدان شمال القطاع تماما، تبدي حماس مرونة واستعدادا للمفاوضات على صفقة مخطوفين وإنهاء القتال.
لكن المشكلة المركزية كانت وتبقى إيجاد حكم بديل للحكم المدني الذي ما تزال حماس تحتله وتتمسك به كونه المفتاح لبقائها في القطاع وترميم قوتها. كما أسلفنا، فإن ما يسمح لحماس أن تبقي على حكمها هو سيطرتها على المساعدات الإنسانية. في إسرائيل يفكرون بطرق تنزع من يديها السيطرة على المساعدات، إحداها هي إمكانية أن تدخل شركة مدنية – أميركية تحت غطاء الجيش الإسرائيلي لتتولى توزيع المساعدات الإنسانية، وتعرف كيف تحميها من سيطرة حماس. كما تفحص بضعة مقترحات في هذا الشأن. في كل الأحوال، أبلغ جهاز الأمن المستوى السياسي أنه ليس مستعدا لأن يوزع بنفسه المساعدات الإنسانية ويعرض جنود الجيش الإسرائيلي للخطر جراء ذلك.
وبالنسبة لحكم مدني بديل رسميا، تعترف إسرائيل أنها لا تريد أن تحكم في القطاع. في ديوان رئيس الوزراء يدعون أيضا أن السلطة الفلسطينية ليست عنوانا، ليس فقط لأن بن غفير وسموتريتش يعارضان أن توسع السلطة بقيادة أبو مازن حكمها إلى قطاع غزة وتحقق بذلك مسيرة إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. تنبع المعارضة، حسب محافل حكومية من أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على أن تفرض إمرتها على حماس وهي عمليا تبحث معها في نوع من تقاسم الحكم يهتم فيه أبو مازن بالتعليم، بالصحة، والمجاري فيما تواصل حماس والجهاد الإسلامي التواجد كمنظمتين مسلحتين في القطاع  من دون مسؤولية عن مصير المواطنين. من ناحية إسرائيل، وضع كهذا يشبه الوضع السائد في لبنان بين الحكومة وبين حزب الله، ليس مقبولا.
رغم الإنجازات العسكرية في القطاع، مثل تفكيك جيوش حماس والجهاد الإسلامي وحقيقة أن إسرائيل تحوز محورين استراتيجيين – نتساريم وفيلادلفيا فإنه ليس لرئيس الوزراء وجهاز الأمن الآن خطة واضحة لكيفية تقويض الحكم المدني لحماس الذي هو أحد أهداف الحرب المهمة. مطلوب إبداع ومرونة ليستا موجودتين لدى الحكومة الحالية ونتنياهو الذي يترأسها، لأسباب سياسية وشخصية.
هدف الحرب غير المعلن والذي لم يلقَ إقرارا رسميا من الكابنت هو ترميم الردع الاستراتيجي الإسرائيلي تجاه كل جهات محور المقاومة الشيعي بقيادة إيران. فالضربات التي وجهها الجيش الإسرائيلي لحزب الله وحماس رممت بقدر ما قسما مهما من الردع الذي فقدته في 7 تشرين الأول (أكتوبر). لكن إيران، "المولد الذي يفعل كل طوق النار حول إسرائيل ما يزال غير مردوع وغير ضعيف. هو أيضا تلقى الضربات منذ الآن، والآثر المتراكم للدمار والخسائر التي تلقتها حماس وحزب الله مع فشل ضربات الصواريخ من إيران على إسرائيل أدت بالردع الإسرائيلي الاستراتيجي إلى ميل ارتفاع حاد – لكن الهدف ما يزال لم يتحقق. الكثير سيتعلق بالأثر الذي سيكون لضربة الرد الإسرائيلي على هجمة الصواريخ الإيرانية التي وقعت علينا في 1 الشهر الحالي.
عنصر مهم في الردع الإسرائيلي وفي قدرتها على تحقيق أهداف الحرب هو منظومة العلاقات مع الولايات المتحدة والشرعية الدولية. لهذا السبب، فان السباق المتلاصق جدا في حملة الانتخابات الأميركية يلزم نتنياهو، الذي يقود وحده تقريبا إلى جانب الوزير ديرمر العلاقات مع الولايات المتحدة، بالتصرف بحذر أقصى. من جهة، يكاد نتنياهو لا يخفي أمله في فوز ترامب في الانتخابات، لكنه يفهم أن فرص هاريس في الجلوس في البيت الأبيض ليست أقل بكثير ولهذا فهو ملزم بأن يحافظ على منظومة علاقات جيدة وسوية معها أيضا. هذا هو السبب الذي جعل إسرائيل كما أفادت "واشنطن بوست" تبلغ الولايات المتحدة بأنها لا تعتزم ضرب منشآت النفط والنووي الإيراني في ردها على ضربة طهران، وهذا هو السبب الذي جعل إسرائيل، بناء على طلب الولايات المتحدة وفرنسا تقلل جدا الضربات الجوية على بيروت، وأساسا كي لا تمس بمواطنين أميركيين.
السطر الأخير: لإسرائيل توجد استراتيجية ينفذها الجيش بنجاح ما، لكن الأساس ما يزال أمامنا في الأشهر المقبلة. يحتمل أنه حتى نهاية السنة، لكن هنا أيضا تجدر إضافة ملاحظة تحذير: الحكومة والائتلاف الحالي غير متوقعين وقد يظهران كـ "كتلة مانعة" في وجه ترتيب يسمح لتحقيق أقصى أهداف الحرب.