Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Mar-2021

يوسف شاهين… المُترجم السينمائي العربي لحوار الحضارات

 القدس العربي-كمال القاضي

كان شاباً متحمساً في سن العشرين، حين عاد من الولايات المتحدة الأمريكية يحمل في قلبه أشواق الوطن، وفي عقلة جنون الأفكار، هو ابن البورجوازية المتوسطة، لكنه ينتمي إنسانياً لطبقة العمال والفلاحين، ويؤمن بالسينما كأداة تغيير قادرة على خلق واقع جديد ومختلف عن ذلك الواقع الذي يعانيه البؤساء في العالم كله، ليس هناك تناقض بين أفكاره التي طرحها في فيلمي «الأرض» و«باب الحديد» وتلك الأفكار والرؤى المُتضمنة في أفلامه الأخرى كـ«اليوم السادس» و « المصير» و«المهاجر» ففي الحالتين هو نفسه المخرج المصري العربي التقدمي، الذي يرى أن دوائر التنوير واسعة، ومحيطاته تتسع لكل ما له علاقة بالإنسان والإنسانية، بعيداً عن الشكل واللون والهوية.
بهذا اليقين أخذ يوسف شاهين يطرح ما يعن له من صور وأفكار، عابراً الحواجز، ومتجاوزاً الأطر المُكبلة للموهبة والمسار، كان شاهين معنياً فقط بالجماهير، غير عابئ بما يُمكن أن يُقال عنه وعن أفلامه وثقافته المُختلطة، ما بين الانتماء العربي الشرقي، والنزوع إلى المسايرة الغربية أو الفرنسية على وجه التحديد، وقد ردّ المخرج الكبير عملياً على التساؤلات الحائرة لعشاق أفلامه ومريديه، ففي فيلم «المصير» ربط بين شخصية المفكر والفيلسوف العربي ابن رشد، واغترابه في عالم السياسة والمادة والأطماع والسُلطة، نائياً بالشخصية المحورية عن دنايا النزاع والخوف والخضوع للأمر الواقع، رافعاً من قيمة الفكر والفلسفة والإبداع.
وفي فيلم «المهاجر» عرج على التاريخ القديم واستحضر من جديد أمجاد الفراعنة وتفوقهم العلمي والحضاري، واستلهم من أجواء النهضة المصرية الغائرة في القدم ما يدل على انتمائه ووطنيته، مُعطياً درساً في الصلة الوطيدة القائمة بين الحضارات على مرّ العصور بلا نفي للغير، أو إنكار لمجده وتاريخه.
وكذا في فيلم «الآخر» لم يتورع عن أن يشير إلى الهيمنة الأمريكية ومحاولات بسط النفوذ القائمة، مُعرباً عن رفضه للعولمة وتبعاتها السياسية والاقتصادية، ولم يستخدم يوسف شاهين لغة الحياد في التعبير عن موقفه من هذه القضية، بينما كان واضحاً في ما طرحه، غير أن فلسفة الحوار الزائدة عن الحد أفسدت الرؤية العامة، وبددت المفاهيم فطاشت ضربته بعيداً عن مرمى الخصم الأمريكي، فلم يعتبر الجمهور فيلم «الآخر» من أفلامه المهمة.
وفي الحقيقة أن سوء الفهم تكرر بين يوسف شاهين والجمهور، في أفلام أخرى غير هذا الفيلم، فـ«وداعاً بونابرت» و«اليوم السادس» على سبيل المثال وهما نموذجان لأفلامه الغامضة لم يحظ أي منهما بالتأييد الكامل، كون المخرج المثقف الكبير اعتمد خطاباً خاصاً في توصيل الرسالة السينمائية، واتبع أسلوب التلميح والإسقاط، أكثر مما تستوجب الأحداث، فضاعت الفكرة الأساسية في غمرة الاهتمام بالمناظرات الفلسفية، واقتضاب الجُمل الحوارية، بما لا يُغني ولا يفي بالمعنى، وتلك إشكالية كبرى استعصت على الحل وباتت عقبة أمام استيعاب القاعدة العريضة لجُملة أفلامه الأخيرة، باستثناء فيلم «هي فوضى» الذي هبط فيه المخرج الكبير من برجه العالي على الأرض، ليطرح مجدداً قضية واقعية تمس السواد الأعظم من الناس، فما وجّهه من نقد لاذع للشرطة، والنظام الأمني في حينه كان حرياً بلفت النظر، واستعادة الجمهور مره أخرى إلى محيط تأثيره ومنطقة تألقه، بعد فقدان استمر فترة طويلة وكاد يصيبه باليأس من عملية التجديد الفكري برمتها. وربما من دواعي الابتعاد وحدوث الجفوة بين يوسف شاهين وجمهوره في مراحل مهمة من مشواره الإبداعي اهتمامه بتضمين سيرته الذاتية في بعض الأفلام، كـ«حدوتة مصرية» و«إسكندرية ليه؟» و «إسكندرية كمان وكمان» و«إسكندرية نيويورك» فقد اعتبر المُتلقي البسيط أن هذا الربط بينه وبين أفلامه محض نرجسية لا محل لها من الإعراب، بينما لم تكن المسألة كذلك لدى صاحب السيرة والأفلام فهو لم يقصد التسجيل الحرفي لحياته وسيرته، لكنه أراد أن يجعل من نفسه شريكاً في الواقع المُعاش، وجزءاً من أحداث وتجارب حقيقية ليُثبت أنه شاهد عيان على صدق ما يطرحه ويُقره.
وتبقى رغم الجدل والصخب والاختلاف والاتفاق على أفلامه وأفكاره ومنهجه، نماذج من أعمال سينمائية مهمة تُعد مقياساً للنضج والعبقرية والعُمق كـ«عودة الابن الضال» و«الاختيار» و«العصفور».. تلك الثلاثية المُسجلة باسمه والموقعة بإمضائه.
 
كاتب مصري