Saturday 15th of February 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Feb-2025

شتــاءات غــائــــــرة إلى ناصر الريماوي

 الدستور-محمد صبيح/ كاتب وسينارست أردني

 
(1)
 
ها هم خمسة ُ أولاد ٍ وبعد الخامسة مساءً
 
خلف جدار المدرسةِ الغافي في نوم الحارس ِ
 
ها هم في برد الكوانين ِ
 
أعدوا بعد عجين الطين مع المطر الليلي ، ورصفوا صوان العبث على باب المساء الشهيْ
 
التصقوا مثل الصمغ المدرسي على أطراف أصابعهم
 
والتفوا
 
حول موقدهم « القرمطي»
 
أوقدوا عند المساء الشتوي نارهم
 
وابتدأوا
 
طقس التشرد اليومي قبل رحيل نهارهم ...
 
خمسُ ثعالب َ شرعوا في الأعدادِ أراهم منهمكينَ الآن وذاك الوهجُ
 
تراقصَ مع خشب « السحارات ِ» ورائحة البطاطا المسروقةِ
 
ظهراً في انشغالِ الأمهاتْ
 
دفءٌ في الأطراف تسلّلَ مثل تلميذ ٍ متأخرْ
 
وجهٌ في الدخانِ يغني
 
وجه يعبث في جمر الليل
 
وجه يسرد قصة غول أكل الأولاد بعد دهنهم مثل الزُبدة فوق الخبز المحمص !!
 
نشوةٌ بدائية نشرت غمامها فوق الساحة ِ
 
ريح ٌمثقلةٌ بالفانتازيا تحملُ الصرخات الآن
 
وطقس مجوسيٌ في البردِ امتلك الأولادَ
 
«تعالوا نعبدَ هذا الوقتْ!»
 
شتاء 1974
 
(2)
 
... حول المدفأة الموسومةِ « بعلاء الدينِ»
 
كنا أكثر من أربعين حرامي
 
تلك الواقفة بوسط البيت وشعلتها الزرقاء المتموجةُ
 
كثوب الغجريات ِ وسيلُ الدفء حكايا
 
يتخللّها قصفُ الرعد كجنيِّ
 
فوق السطح الطيني يدمدم مختالا ويداه تشحذان
 
سكينَ البرقِ لذبح من لم يصلي على النبي « يالطيف .. يالطيف ... يا لطيف «
 
وحدي
 
عيناي «كرادار» تتابعان صغيرات الكستناء
 
وهي تنضج، تتكور، تحمر...
 
تخلع ببطء عارضة عريِ ٍ معطفها البنيَّ أمامي...
 
وأنا قبل باقي الذكور آخذهن مثنا وثلاثا ورباع!!!
 
ثم أنام قرير العين على
 
صوت صليل سيوف الزير
 
ورمح الغادر جساسْ!
 
شتاء 1975
 
(3)
 
الأرنباد الذي يحث الخطى قبل قرع الجرس ِاليومي
 
وعصا» من كاد أن يكون رسولا»
 
توقف مشدوها...
 
...
 
الا يوجد في الجنة نهرٌ من
 
«سحلب»
 
أو غاباتٍ من «كرابيج حلب!»
 
واتسعت وابيضت كطابة «تنس»
 
حدقات معلم التربية الإسلامية!!
 
(4)
 
بين القبعة الصوفية المتوارثةُ
 
عن الآخرينْ
 
والجزمة السوداء المهترئة
 
... كانت فلذات الأكباد التي تمشي على
 
الوحل تخطو كبطارق مخمورة والطريق نائمٌ مستسلم للريح اللعوبِ
 
تخض جبهته دواليب عربة الكاز
 
يجرها ببرود ٍبغل المحروقات!
 
(5)
 
كنا نعيش عصر المعجزات
 
فلا نشعر بصقيع الصباح ِ ولا بلفح المساءْ
 
أظنها أصابعهن علِقن في خيوطِ الصوف ِوهن يحُكن لنا تلك
 
«الجرزاتِ النبوية»
 
واذكر ُ
 
كان يسمعنا
 
وكان يستجيب لنا فورا ً ...
 
يوعز بتنفيذ ما تمنينا عليه
 
وقبل أن يرتد
 
إلينا طرفنا
 
لعله كان مولعاً بنشيدنا الأممي في تلك الساحات المجدبة
 
«يا رب تشتي يا رب خلي العجايز تنظب!
 
شتاء 1976
 
(6)
 
صمتٌ وادعٌ بعد المظاهرة الصباحية يجتاح البيت ليلا ً
 
وحدها السماءُ خلف النافذة الخرساءَ
 
كانت غزيرة الكلام
 
... أسرح...
 
أوغل في غابة التهيؤات
 
مع كل خطوةٍ في الخارج تهربُ من تلك السحُبِ السوداءَ
 
وهي تعصر فوق المدينة زنجبيلها
 
...
 
يا لمخيّلة الصغير كم ستشقيه..
 
وتنجيه ِمن غيلان الواقع لاحقا ً
 
(7)
 
«**راس روس...موز مقلاة ... سيف عيسى.. مستشفى وجوه شفاه.. باع باب.. كوب ذراع
 
الخيوط الذهبية
 
فتحت ليلى عيناها في الصباح الكلب الشره
 
خطف أحد الكلاب قطعة لحم ذات يوم... الصحن المغطى... لو أرادتْ أمي أن يعرف الناس ما به لما غطته
 
المفردات: ...
 
...
 
لم أتعلم درسا في حياتي أهم وأجمل
 
من درس القراءة منذ الأول ب
 
لم اعشق في حياتي لعوبا ً مثل اللغة العربية!
 
** منهاج القراءة العربية في السبعينيات
 
(8)
 
« السلام العادل والدائم والشامل
 
«حمامٌ ساخنٌ بماء يتنفس ذاك البخار الأسطوري
 
في ليل الخميسْ
 
يدانِ ماهرتان حنونتان كحمامتي الغار يزيلان عنكَ
 
وحلَّ الطرقات غبارُ الطباشيرِ ورائحة الحرائق اليوميةَ وكراتِ البصل المشوي!
 
يعقبه كأسُ شايِ لذةً للشاربين
 
يتخلله فطائرُ السبانخِ ساخنةً خرجتْ تضحكُ من رحم الفرن قبل قليلٍ
 
حكاية «جبينة وهي ترعى وز وتمشي غز»...
 
ثم الهبوط الحر رويدا... رويدا إلى حضن السرير
 
...
 
...
 
...
 
قطة تنام مرتاحةَ الضمير قرب المدفأة...
 
امرأة في كامل أبهتها الرعوية
 
تطهو طعاما أسطوريا يدعوه الكنعانيون المنفيون «م ف ت و ل»
 
الصغار يلهون بالألوان المائية والمعجون الطيع والحلوى
 
وأنا
 
على موسيقى بدايةِ
 
«أيلول المبلول»
 
أتنقل منتشيا ما بين «مجلات الميكي والرجل الوطواطِ واشربُ الليمون لذيذا مع
 
المغامرون الخمسة»
 
وعلى الأرض السلام...
 
وايُّ مسرة!
 
(9)
 
كم كان المشهد سرياليا ً في ذاك المساء البعيد
 
... فئران الساحة يبنون الكون
 
«بسبع حجار»*
 
يحررون القلعة المغتصبة بمسدس فلينٍ.. وصانعُ القرار يهتف
 
مزهوا «*وقع حرب في...»
 
وقبل انطفاء الحرب الباردة بسنينَ خلتْ
 
وقبل نمو القرن الواحدِ في رأس التاريخِ
 
كنا نرسم كما نشاء..
 
*ونمحو الخارطة!
 
*ألعاب شعبية لأولاد السبعينيات
 
(10)
 
اثنان من الملآئكة البيض يسوقان العربةْ
 
العربةُ الخضراءَ محملة بفقاقيعِ الغيمـ المثقل بالودقِ المُرسل
 
غيضٌ من فيضْ
 
وحسب الموقع الذي
 
اختصتهُ السماءُ
 
هذا المساءْ
 
يثقبان البالواناتِ
 
فينزلُ منها مدراراً يسقي
 
«بهائم رتع وصغارٍ رضع..
 
وعجائز ركع...»
 
وهكذا ينزل المطرُ «كبْ من الربْ»
 
علينا
 
حسب ما فاضَ بعلّمهِ الغزير علينا
 
أمام المسجد في أواسط السبعينيات من القرن الماضي!