الغد-هآرتس
ليزا روزوفسكي
عندما دخل دونالد ترامب للمرة الثانية الى البيت الأبيض فان النشوة تملكت دوائر واسعة في إسرائل. ففي اليمين اعتبروا انتخابه ضمانة لاستئناف المساعدات الأمنية غير المحدودة لإسرائيل، لإلى جانب بطاقة حرة لفتح باب جهنم على قطاع غزة، وربما أيضا ضم الضفة الغربية. في اليسار، أو بقاياه، وفي المعسكر الذي يمكن تعريفه بـ "من أجل إعادة المخطوفين" اعتبروا عودته بوليصة تأمين لإنهاء الحرب. قبل استكمال مائة يوم على ولاية ترامب الثانية، التي تتميز بالنرجسية والتقلب، يمكن القول إن بعض آمال اليمين قد تحققت، في حين أن معسكر اليسار – وسط مرة أخرى خاب أمله وبدرجة كبيرة.
الآن أصبح من الواضح أن صفقة المخطوفين التي خرجت الى حيز التنفيذ في كانون الثاني كانت وليدة اجتماع ظروف تحدث لمرة واحدة. استبدال الإدارة في واشنطن أثار في مكتب رئيس الحكومة التخوف الممزوج بالأمل. على الطاولة انتظرت صفقة كانت معدة منذ اشهر، وتعهد - سواء بـ "وثيقة جانبية"، كما يقولون في محيط نتنياهو، أو الصمت - بأن إسرائيل يمكنها استئناف الحرب بعد انتهاء المرحلة الأولى في اتفاق وقف اطلاق النار.
منذ عودة ترامب الى الحكم تبنوا في مكتب رئيس الحكومة شعار "لا توجد فجوة بين القدس وواشنطن". في أسابيع ولايته الأولى كان يمكن الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بشعار يعكس طموحا إسرائيليا ولا يعكس بالتحديد الواقع. ولكن منذ أن فرضت إسرائيل الحصار على القطاع واستأنفت القتال فان الرسائل التي تخرج من البيت الأبيض حول هذا الأمر وكأنها كتبت على يد مستشاري رئيس حكومة إسرائيل.
لكن الحديث لا يدور عن رسائل بسيطة، بحسبها حماس لن تستطيع البقاء في القطاع، وأنه على إسرائيل إنهاء العمل وتصفيتها. وأنه اذا كان يجب استخدام الضغط على أي أحد من أجل إنهاء الحرب وإعادة المخطوفين، فإن هذه الجهة هي حماس وليس إسرائيل. هذه بالضبط هي النقاط التي أشار اليها السفير الأميركي الجديد في إسرائيل، مايك هاكبي، في تغريدته الأولى بعد تقديم كتاب الاعتماد للرئيس اسحق هرتسوغ. هذه هي ايضا الرسائل القليلة التي تخرج، كرد على أسئلة المراسلين، من البيت الأبيض ومن وزارة الخارجية الأميركية.
إضافة إلى ذلك إعلان ترامب أمس بعد محادثته مع نتنياهو، الذي بحسبه الاثنان يقفان في نفس الطرف في جميع المواضيع، يشكل مثال آخر على تنسيق الرسائل بين القدس وواشنطن. في محادثات مع جهات في الإدارة الأميركية وأشخاص على تواصل معها ومع المصادر المطلعة على تفاصيل ما يحدث بين القدس وواشنطن، يتضح أن الإدارة الاميركية وبحق لا تستخدم الضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب، ضمن أمور أخرى، لأنهم في البيت الأبيض يدركون جيدا الوضع السياسي الموجود فيه رئيس الحكومة نتنياهو، وهم غير معنيين بتعريض ائتلافه للخطر. التصريحات المهمة والحادة ضد نتنياهو، كانت حول قضية غزة في آذار الماضي، على لسان المبعوث الخاص ويتكوف بعد عدة أيام على انتهاك إسرائيل لوقف اطلاق النار واستئناف القتال. في مقابلة مع تاكر كارلسون، قال ويتكوف في حينه بأن قضية الرهائن "تمزق" إسرائيل، وأنه يتفهم لماذا يعتقد الناس بأن نتنياهو يفضل الحرب ضد حماس على اطلاق سراح الرهائن. ومنذ ذلك الحين ملأ ويتكوف فمه بالمياه.
تغريدات نجل ويتكوف، اليكس، الذي يكثر من مشاركة أفلام الفيديو والصور والاخبار المتعلقة بالمخطوفين ويشارك في احداث كجزء من النضال على إطلاق سراحهم، تشير الى أن الموضوع يستمر في إشغال والده وأنه يوجد على سلم أولوياته، رغم أنه توقف عن إطلاق التصريحات حول هذا الأمر. يبدو أنه بعد سلسلة التصريحات المتضاربة في وسائل الإعلام وفي "إكس" بشأن المحادثات النووية مع إيران في الأسبوع الماضي، وعلى خلفية عدم نجاح المفاوضات حول وقف إطلاق النار في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تبنى ويتكوف نهجا إعلاميا حذرا أكثر. هكذا فان البيان الذي أصدرته الولايات المتحدة في أعقاب الجولة الثانية للمحادثات مع ايران في روما، كان غامضا وغير ملزم، بل تم نسبه لـ "مسؤول رفيع" مجهول، وليس لويتكوف.
في أقوال الرئيس ترامب في الغرفة البيضوية الى جانب رئيس الحكومة نتنياهو قبل أسبوعين، قال الرئيس إنه حتى في المانيا النازية كانت هناك رحمة لليهود أكثر مما في القطاع، وهذه أقوال تبدو كتكرار للادعاء الذي يقول بأنه لا يوجد أبرياء في القطاع، وأن حكم حماس، الأسوأ من النازية، هي التصفية المطلقة. إضافة الى ذلك أوضح ترامب بأنه يتوقع انتهاء الحرب "في المستقبل غير البعيد جدا". عدد من المحللين والذين استمعوا لأقوال الرئيس الأميركي أعطوا لقوله "المستقبل غير البعيد" معنى يقول بأنه ينوي انهاء الحرب "قبل موعد وصوله الى الشرق الأوسط في الشهر القادم". ولكن باستثناء أقوال ترامب الضبابية، فانه لا توجد أي إشارة تشير الى ذلك. يبدو أن وزن الادعاء الأول، المقارنة بالنازية، يفوق وزن المسألة الثانية.
غير معروف بعد إذا كان ترامب سيزور إسرائيل كجزء من جولته في الشرق الأوسط، التي يتوقع أن تتركز في دول الخليج وعلى رأسها السعودية. رغم الجهود العلنية للرئيس الفرنسي ماكرون لاحياء اجندة التطبيع بين إسرائيل والسعودية، فان احتمالية نجاح هذه الجهود، التي هي كما يبدو حسب تقدير فرنسا بدون تنسيق مع أميركا، ضعيفة.
حسب أقوال لور فوشا، الباحثة في صندوق البحث الإستراتيجي (اف.آر.اس) في فرنسا، والمتخصصة بالشرق الأوسط، فإنه لا توجد للسعودية الآن أي مصلحة في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، رغم العلاقة الوثيقة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبين ماكرون. لا يوجد سبب لأن يوافق ابن سلمان على استبدال البرنامج العربي (حل الدولتين مقابل الاعتراف بإسرائيل) باعتراف فرنسا بفلسطين. لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بخطوة تصريحية فقط بدون خطوات حقيقية. مع ذلك، فوشا تؤكد على أن السعودية ودول أخرى في الخليج معنية بصفقة نووية بين الولايات المتحدة وايران، لأنها ستضمن الهدوء في المنطقة والأمن لحقول النفط. بناء على ذلك أيضا هنا مثلما في المسألة الفلسطينية فان مصالح السعودية وإسرائيل هي متناقضة في الوقت الحالي.
هل الصوت الموحد والمتناغم بين الإدارة الاميركية والقدس بشأن الحرب في غزة منذ استئناف القتال، هو إشارة على أن الولايات المتحدة تدفع ثمن صبر اقرب حلفائها في الشرق الأوسط بشأن القضية النووية الإيرانية، أم أن واشنطن على قناعة بأن الطريقة الوحيدة للخروج من الصراع هي تحقيق النصر العسكري على حماس، وأنه نصر محتمل؟ يصعب التنبؤ بالمستقبل، لكن الجمهور في إسرائيل الذي يرغب في انهاء الحرب وعودة المخطوفين يجب عليه التوقف عن تعليق الآمال على العم سام في أميركا، والاعتماد فقط على نفسه.