ريحان الروابدة
الراي - في اي مكان او زمان ، نراهم « بعض الفقراء» وقد باتوا أقوياءُ وسعداءُ جدًّا على المستوى الشخصي والانساني الداخلي.
كيف يتم ذلك واي قوى باطنية او غيبية تحقق ، ما يعد مجهولا امام «الحقيقة « العلمية والمنطق؟.
يحقق الاطمئنان و الصمود الانساني لفئة الفقراء والمساكين ، وسيلة لمحاربة أي تعب بدني، او ألم او اي قسوة نفسية من الألم البدني والعصبي ؛ وذلك لأن :»الألم البدني يمكن إزالته بالراحة الذهنية، ولكن الألم الذهني لا يمكن التخلص منه بالراحة المادية» ، بحسب اراء متباينة في مجال الطب النفسي والاجتماعي السلوكي.
لم تكن» أم زيد « تعرف أن ابنها الأصغر سيف 11 عاما ، ما يزال يعيش حالة من الرعب والخوف جراء مرور جنازة جارهم من أمام المنزل.
سيف الذي أصبح انطوائيا كما تقول والدته، بات يشعر بالخوف من المحيطين، ولا يخرج من المنزل، مما اضطرها إلى عرضه على أكثر من طبيب، لكنهم أكدوا أنه لا يعاني من أي مرض.
بعد نصيحة من الجيران، وبعد البحث الطويل، وجدت أم زيد معالجا روحانيا، يقوم بما يعرف بـقطع الخوف من خلال «طاسة الرعبة» وهي انية نحاسية كتب عليها من الداخل ايات قرانية يوضع فيها الماء ويشرب منه لإزالة الخوف, فقامت بقطع الخوف لابنها على مدار يومين متتاليين.
«طاسة الرعبة» علاج شعبي قديم للخلاص من حالة «الرعب والفزع والحسد» مازال البعض يؤمن به حتى الان.
وتقول أم زيد «لم أتوقع نجاح تلك العملية البسيطة، بعد ان شرب ابني قليلا من الماء من تلك الطاسة إلا عندما رأيت ابني يعاود نشاطه في اليوم الرابع مباشرة».
إلا أن الثلاثينية أم علي، لا تقتنع بطرق العلاج هذه، رغم أن جاراتها نصحنها بـ»طاسة الرعبة» لابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات، كونه يعاني من ارتفاع درجة حرارة جسده بين الحين والآخر، بدون وجود عارض أو مشكلة صحية، لكنها أصرت على رأيها ولم تقم بذلك.
أم علي التي ما تزال ترفض علاج طفلها بطاسة الرعبة، تشير إلى أن ابنها يعاني منذ ستة شهور حالة غريبة، فما أن تغرب الشمس، كما تقول، حتى يبدأ بالانعزال وعدم اللعب، ويصبح وجهه شاحبا، وسرعان ما ترتفع حرارة جسده، فتعطيه خافضا للحرارة، فيزيل الألم، لكن لا يلغيه.
الخمسينية أم محمود السيد، التي تعالج بهذه الطريقة؛ «طاسة الرعبة»، تقول أن الأطفال يخافون من أي موقف، فقد يتخوفون من صور معينة عند مشاهدة التلفاز، أو يرون حادثا ما بالصدفة، أو يسمعون قصصا قد ترعبهم.
معرفة الطفل إن كان مصابا بالخوف أم لا تحتاج إلى خبير أو طبيب في رأي أم محمود التي تشير إلى أن الأم يمكنها معرفة ذلك من خلال التغيرات التي تطرأ على ابنها، وهذا يمكن كشفه من خلال خوفه عند مناداته أو الحديث معه، أو تجنبه الاختلاط مع الأطفال الآخرين، وقد يتعرض للكوابيس بكثرة».
ولا يقتصر علاج بطاسة الرعبة على الخوف للاطفال فقد يتعرض الشباب له ايضا اضافة للحسد او الكوابيس المستمرة فيلجأون الى الحل بطاسة الرعبة لعلاجهم من الحسد وقطع الكوابيس عنهم.
أما طريقة «طاسة الرعبه»، وفقا أم محمود، فتكون بوضع كمية محددة من الماء داخل الطاسة ويقرأ عليها المعالج الروحاني ايات من القرآن والأدعية بعدما تترك في العراء لليلة كاملة وبعدها يتناول المريض منها جرعات تشفيه من «الخوفة» والرعب والكوابيس والحسد.
وتبين أم محمود التي تعلمت طريقة العلاج بـ «طاسة الرعبه» من أمها، قبل عقود طويلة أن المصاب بالخوف من الأطفال يكون وجهه شاحبا، ومائلا إلى الإصفرار، اما من يتعرض الى الحسد وينعكس ذلك على سلوكه وتصرفاته ، فيسقى من هذه الطاسة يعود إلى طبيعته في اليوم التالي.
اختصاصي دماغ وأعصاب دكتور محمد العناني يستبعد أن يكون ما يسمى بـ «طاسة الرعبة»، موضحا ان الخوفة مرتبطة بتجمع وتكتل الأعصاب نتيجة خوف أو صدمة وغيرها، إضافة إلى كون كافة من يتعرض إلى الصدمات أو ضرر وخلل بالأعصاب حالته تختلف عن الأخرى. ويرد تردد الناس على استخدام طاسة الرعبة لعلاج الخوف، إلى الجهل غير المواكب لتطورات العلم، والتخصصات الحديثة المتعلقة بعلم الطب، وعلاج مختلف الأمراض، وتشخيص أسبابها.
وعلاج الامراض العصبية يتطلب تشخيص الحالة وعلاجها سواء بالأدوية أو بعلاجات متطورة، إلا أن اعتماد الطب الشعبي على تشخيص جميع الحالات بأنها حالة واحدة أمر خاطئ، وقد يلحق الضرر أكثر من النفع وفقل للعناني.
ويشاطر أستاذ علم الاجتماع في جامعة عمان الاهلية ابراهيم شحادة ، الرأي الطبي، ويعتبر أن العلم تطوّر، وأن التطورات الطبية تفي بالغرض للكشف عن كافة الأسباب المؤدية إلى الأمراض المختلفة.
ويعزو شحادة تعّلق الناس في علاج الأمراض المختلفة مثل الانفلونزا، والخوفة من خلال أسلوب تقليدي، إلى العقلية البسيطة التي يفكّر بها بعض الأفراد، ولا تنم عن تطوّر فكري وحضاري، لافتا الى أهمية الوعي والادراك والتعلّم الذي يقوي العقلانية.
إلا أن خبير التراث محمد الزيود يبيّن أن الإنسان يخاف من المجهول وإذا لم يجد طريقة علميا لمواجهة أسئلة هذا المجهول، يلجأ إلى الغيب لمعالجة الكثير من المسائل وخصوصا المتعلقة بالطب الشعبي، مؤكدا أن المداوي الشعبي بجمع ما وجده بالأديان في الغالب مع ما لديه من معتقدات في معالجة موضوع الرعبة أو الخوف.
والخوفة، وفق الزيود ، تعالج من خلال سيدة غالبا تستخدم ماء خاصا أو زيت زيتون، تقرأ عليه بعض الآيات لذهاب الرعبة، منوها إلى وجود «طاسة الرعبة» التي تستخدم لذهاب الخوفة.
وكل ذلك عامل نفسي يعتمد على الشخص المستقبل أو «المريض»، في رأي الزيود الذي يؤكد أن طريقة العلاج هذه ما تزال موجودة حتى اليوم عند الكثير من السيدات ومنهن المتعلمات، موضحا «وهذا نتاج جهل مجتمعي».
وتتفق المعالجة ام محمد العجوري، في أن علاج الخوف، أمر نفسي، مؤكدة أنها لا تتقاضى لقائه أي أجر.
وتتحدث في إطار خبرتها ومشاهدتها للكثير من الحالات، أن معالجة الخوف لا يكون للأطفال فقط، انما قد يتعرض له الكبار بالسن ونتيجة معايشتهم لموقف أو صدمة نفسية.
وتروي حادثة فتاة متزوجة توفيت والدتها أمامها، ومنذ ذلك الوقت لم تستطع أن تشعر بمن حولها، فدائما شاحبة الوجه، وبعد شربها من طاسة الرعبة لها، تأقلمت مع الأمر.
وينصح العناني المجتمع بعدم اللجوء لمثل تلك الطرق في العلاج من الأمراض، مبينا أهمية زيادة الوعي حيال القضية وقراءة الكثير من الدراسات عن ما وصل اليه العلم، ليصل الفرد بالمجتمع المحلي إلى قناعة وسلوك عقلاني.
ويؤكد الشيخ فؤاد الشياب ان «طاسة الرعبة» هي عرف قديم واعتقاد خاطئ كان عند الفلاحين والبدو قديما ومازال بعض الاشخاص في مجتمعنا يؤمن به علما انه لم يرد في أي اعتبار او دليل شرعي على وجوده. وأضاف الشياب ان تعامل الاشخاص مع فكرة وجود علاج ب «طاسة الرعبة» يعزو الى ضعف إيمانهم بمعتقد أن ذلك الوعاء الذي حفر عليه كلام الله يرد لهفة الخائف ويخفف الاضطرابات النفسية ليست رقية شرعية.