الغد - منى أبوحمور - بعد موسم ثري بالأمطار يأتي الربيع مفترشا الأرض، فاتحا ذراعيه، ليس للتنزه فقط والترويح عن النفس، وإنما أيضا بما يزخر به من أعشاب خضراء تحمل قيمة غذائية وعلاجية كبيرة.
وتلجأ العديد من العائلات الأردنية التي تعتبر فصل الربيع مصدر رزق، إلى الاستفادة من النباتات والأعشاب الطبية التي تنتشر وتنمو في أحضان الطبيعة، والأودية وسفوح الجبال، كاللسينة رجل الحمام، والجعدة، والبابونج، والخرفيش، والمرار والعكوب.
ولا يقتصر الأمر على هذه الأصناف فحسب، بل يكثر في هذا الفصل من السنة الخبيزة واللوف والحميضة، وهي من أكثر الأعشاب الورقية التي تحظى بإقبال الناس عليها، لما لها من فوائد كبيرة على صحة الإنسان.
الخمسينية أم مروان تجتمع في مثل هذا الوقت من كل عام مع أخواتها ليبدأن معا رحلة البحث عن الخبيزة واللوف والعكوب، وما تيسر لهن من كل ما تخرجه الأرض في الربيع، وتقول "نجهز أنا وأخواتي أنفسنا وننطلق عند الساعة الثامنة صباحا، ونأخذ معنا فطورنا وما نحتاج إليه من غداء وماء ومشروبات باردة تعيننا على رحلة البحث".
ورغم التعب والمشقة بين صعود جبال ونزول وديان، إلا أن أم مروان تستمتع كثيرا بهذه الرحلة المفيدة، منوهة إلى أن كل واحدة منهن تحمل كيسا تملؤه بالخبيزة واللوف، ويقطعن العكوب، يجمعن مؤونة السنة من هذه الأعشاب، ويقضين أوقاتا ممتعة يتخللها الضحك والأحاديث الممتعة.
الحال يختلف بعض الشيء مع الخمسيني فلاح العودات؛ فهو يجمع الأعشاب بمختلف أنواعها كونها مصدر الرزق الوحيد له ولأفراد أسرته، ويقول "أسعى كل صباح لبيع الأعشاب التي أجمعها، قبل أن تذبل"، مشيرا إلى أنه يقوم ببيعها في المناطق التي لا تنبت فيها هذه الأعشاب، والتي يصعب الحصول عليها فيها.ويردف "الكثير من الناس يعتمدون عليّ في الحصول على هذه الأعشاب، وخصوصا اللوف"، مبينا إقبال الناس على اللوف، والعكوب الذي يندر تواجده في أماكن كثيرة، فضلا عن أن الكثير من الناس لا يستطيعون جمعه وتنظيفه بسهولة.
"جمع الأعشاب متعة كبيرة، يتشارك فيها جميع أفراد العائلة"، تقول الأربعينية أم وليد، مشيرة إلى أنها تنطلق في الأيام الدافئة وأولادها لجمع الخبيزة، والمرار، واللوف.
وتبحث أم وليد في مثل هذا الوقت من كل عام على اللسينة، ورجل الحمام، وهما نوعان من الأوراق التي تلف وتطهى مثل ورق العنب والملفوف، ولهما نكهة لذيذة ومذاق طيب.
من جانبها، تشير اختصاصية التغذية ربى العباسي، إلى أهمية تناول الأعشاب الورقية الخضراء، لاحتوائها على نسبة عالية من المواد المضادة للأكسدة، المفيدة لجسم الإنسان.
ومن أهم هذه الأعشاب التي يقبل عليها الناس كثيرا، كما تقول العباسي، الخبيزة التي تحتوي على فيتاميني "أ" و"ج"، وعلى نسبة جيدة من الأملاح المعدنية، بالإضافة إلى أن سعراتها الحرارية منخفضة، وقيمتها الطبية.
وتشير العديد من الدراسات إلى أهمية استعمال أوراق الخبيزة لتخفيف آلام الحلق، عن طريق الغرغرة، والمضمضة. كما تستعمل أزهار الخبيزة كشراب لعلاج السعال، والنزلات الصدرية، كما تصنّف الخبيزة كمادة ملينة ومدرة للبول.
وتشير العباسي إلى إمكانية استخدامها في حميات تخفيف الوزن والسكري، لقلة احتوائها على السعرات الحرارية العالية.
أما الحميضة فيساعد تناولها، بحسب العباسي، على تليين الأمعاء، إلى جانب أنها تحفز إنتاج العصارة الصفراء، وغالبا ما تستعمل كمادة هاضمة عند الأشخاص الذين يعانون من عسر في الهضم.
وتحتوي الحميضة على التانات، والأكسالات، وزيوت طيارة، إضافة إلى أنها غنية جدا بفيتامين "ج".
كما يعد العكوب، بحسب العباسي، من الأصناف الغذائية الغنية بالأملاح المعدنية، وخصوصا البوتاسيوم. إضافة إلى أنه يساعد على تقوية الأعصاب والدم وتنقيته، مشيرة إلى احتوائه على مجموعة من الفيتامينات والألياف المغذية والمفيدة للجسم.
وتبين العباسي أن تناول العكوب يقلل من ارتفاع الكولسترول، إضافة إلى أنه مفيد جدا لمرضى القولون العصبي، والإمساك المزمن، ويساعد في الهضم وطرد السموم.
وتضيف "تعد كمية المواد المضادة للأكسدة التي تحويها هذه الأعشاب، من أهم المواد التي من المطلوب أن يتناولها الإنسان في وجباته. لأنها تحميه من أمراض عديدة؛ مثل السرطان، وتقيه من الشيخوخة، وأمراض القلب، وخصوصا انسداد الشرايين".
وتوضح العباسي أن اللسينة تستعمل كمطهر للأمعاء، وخصوصا الجرثومة الحلزونية، وتؤكد ضرورة غسل أوراقها جيدا لإزالة الأتربة العالقة بها.
وأشارت العباسي إلى أن الخرفيش يستخدم لمرض الدهون الثلاثية، وتصلب الشرايين، والكولسترول الضار. أما المرار فهو يستخدم، كما تقول، كعلاج لمرض السكري.
وتلفت العباسي إلى أن نبات الجعدة يستعمل بعد تجفيفه كعلاج لجميع أنواع السرطانات، وخصوصا سرطان الدم.