Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Jan-2021

ثقافة الاستقطاب الفكري

 الدستور-د. مهند غازي الزامل

تمثل حركة الإستشراق الحديثة والمعاصرة، مُنعطفًا فكريًّا وتاريخيّا بالغ الأهمية، في المسار التاريخي لحركة الفكر الثقافي المعاصر؛ الإسلامي منه والعربي، وذلك بما فرضته من تحديات، وما خلّفته من مناهج وإشكاليات فكرية، أثّرت تأثيرًا عميقا في البحث الثقافي التراثي، والبحث الإبداعي المعاصر، وحدّدت مجرى فاعليته.
ولما كان الخَدَر العقلي اذي ترسَّب منذ قرون، غير قابل للانتفاض الفجائي الأسطوري، الذي يُمكِّن الإنسان المثقف حينها من مجابهة هذا التحدي، وتحت ضغط الطرح الإستشراقي المُلِّح، اندفع العقل المثقف إلى إعلان المواقف العاجلة تجاه الطرح الجديد.
نستطيع القول – إذن – بأنّ «الاستقطاب الفكري» الذي نعنيه هنا،هو ارتباط فاعليتنا الحضارية في شقها الفكري الإبداعي، بالطرح الإستشراقي لقضايا ومشكلات الفكر الثقافي، والانسحاب في معالجاتنا لقضايا التراث، إلى حالة من «الانجذاب» حول القالب الإستشراقي، سلبًا أو إيجابا، من غير ما قُدرةٍ على التفرُّد والتميُّز، بالإبداع العقلي الذاتي، المُتحرِّر من ضغط التبعية الفكرية الواعية أو اللاواعية، لهذا النَّتاج.
ومن الأهمية بمكان، أن نُؤكِّدَ على أن ظاهرة (الاستقطاب) لا تتوقف على التبعيّة الفكرية الواعية والمباشرة للطرح الإستشراقي لقضايا الفكر الثقافي والإسلامي والعربي وتراثه كذلك، أو الإيمان بمصداقية رؤيته، والمضامين التي فرّغها في قوالبه، وإنّما «الاستقطاب» يشملُ كذلك الكثير من مواقف الرّفض والإنكار للرؤية أو المضمون الإستشراقي في قضية إسلامية أو ثقافية ما، إذ أنّ «الاستقطاب» – في صميمه – هو حالة من الانجذاب إلى «الإشكالية» التي يفرضها البحث الإستشراقي، والدوران في فلكِها، مما يُؤدي – في النهاية – إلى قَوْلبة قضية الثقافي، من خلال القوالب المنهجية والفكرية، التي صاغها الفكر الإستشراقي، فتصبح « رسالة ثقافة التراث « عبارة عن «ملحقات» أو – بالضبط – «تذييلات» فكرية، على القضايا التي يُفجِّرُها العقل الإستشراقي، والذي تصبح نتاجاته وقوالبه وإشكالياته، هي «الرسالة الأصلية للإنسانية» أو «المحورية الأساسية» لحركة الفكر الإنساني.
فالاستشراق هو جهود ٌبشرية؛ لها القبول والرّفض دون تشويهٍ لتراثنا وثقافتنا ومنبع اصالتنا؛ والتي تغني بها تاريخنا عَبْرَ دياجير الزمن !
إلا أنّ (التوجيه) الاستشراقي، استطاع أن يسحبَ العقل الثقافي المعاصر إلى هذه (الإشكالية) ونجح في فرض حالة (الاستقطاب) عليه تجاهها، من خلال هذه السلسلة من الأبحاث الجديدة، التي نشطت – ولما تزل – تبحث في إشكالية ثقافة التراث...
حالة «الاستقطاب الفكري» قد انتهت إلى أن يكون الفكر العربي والإسلامي المعاصر مُمثلا لمنصب «المتحدث الرسمي» عن تراثه وثقافته ورجالات تاريخه...