Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Feb-2020

التنكر لحق ذوي الإعاقة بالأماكن العامة.. انتهاك صارخ ورفض للآخر!

 الغد-ربى الرياحي

 ذلك الأمل الذي يمد الأشخاص من ذوي الإعاقة بالتفاؤل والثقة، وبأن الحياة بدأت تفتح لهم ذراعيها وأنهم يلمسون التقبل؛ يتراجع تدريجيا من تصرفات أناس بعيدين عن الإنسانية ويستنكرون وجود هذه الفئة بينهم أو في محيطهم.
الجهل والافتقار للأسلوب، يدفعان حتما إلى تعزيز ثقافة العزل لدى الأشخاص من ذوي الإعاقة، وإعطاء كل الأسباب لنبذهم والخوف منهم وحتى التنكر لحقهم وحرمانهم في ارتياد الأماكن العامة.
بوجه يكسوه الحزن والألم، تروي أم حمزة موقفا حدث معها ومع ابنها الذي يعاني من شلل رباعي، متسائلة والدموع تملأ عينيها: ألهذه الدرجة تحجرت قلوب الناس ولم تعد لديها رحمة؟ ولماذا أصبح الاستهتار بمشاعر الآخر أمر طبيعي؟
انزعاجها الواضح وألمها من تلك النظرات الجارحة، سببان يدفعانها إلى لوم كل من تسول له نفسه بتقييم ابنها وتعريضه للإهانة بسبب شكله المختلف سواء بالقول أو الفعل، مبينة أن حرصها الدائم على أن يكون ابنها سعيدا ومستقرا نفسيا جعلها تصطحبه معها أينما ذهبت، محاولة بذلك إشعاره بأن من حقه أن يعيش ويخرج ويلعب كباقي أقرانه. لكن صدمتها الحقيقية، كانت عندما رأت إحدى الأمهات تمسك بوجه طفلها وتديره إلى الناحية الأخرى حتى لا يشاهد ابنها وخوفا عليه من أن يصبح مثله، متمتمة ببعض الكلمات التي بدت من خلالها وكأنها تحصنه وترقيه حتى لا ينتقل إليه المرض.
تقول إن مثل هؤلاء، بجهلهم وقلة وعيهم وانعدام إنسانيتهم، يزرعون داخل أطفالهم تلك الثقافة السطحية الخالية من المشاعر والاحترام، والتي تنبذ الآخر فقط لاختلافه، مشيرة إلى أنه من المؤلم جدا لها كأم أن تتحمل تلك النظرات الجارحة تجاه ابنها الذي لا ذنب له سوى أنه يعيش وسط أشخاص قساة يرون في الإعاقة مرضا معديا ويتغاضون عن الكثير من المزايا التي تتمتع بها هذه الفئة. وتشدد على أن الحياة تتسع للجميع وأنه لا أحد بمأمن من الحوادث والابتلاءات، لذا فمهم جدا أن نكون أكثر إنسانية وتقبلا لغيرنا.
وتؤيدها في ذلك أم كريم، التي يحزنها جدا تصرفات البعض القاسية مع ابنها من متلازمة داون. تقول إن إحساسا بالمرارة يتسلل إلى أعماقها، وذلك عندما تشعر بأن هناك من يستهين بابنها ويسخر منه ويتجاهله، لافتة إلى أن الكثير من المواقف الصعبة التي يتعرض لها ابنها تحبطها وتؤثر عليها نفسيا. لكنها، بالرغم من ذلك، تحاول أن تكون قوية وتواجه العالم من أجله فهو لم يختر لنفسه هذه الحياة، ورغم كل النظرات الجارحة التي تمزق قلبها وعلامات الاستغراب وربما أيضا الاستنكار المرسومة على وجوه الناس أولئك الذين يدينون وبشدة إصرارها على اصطحابه لأماكن الترفيه ودمجه مع أبنائهم، إلا أنها مع ذلك لم تخجل بابنها، بل زادها ذلك تحديا وتصميما على تسجيله في أحد المسابح وإعطائه الفرصة لينمي مهارته في السباحة.
أم كريم لم تتوقع أبدا أن يأتي يوم وتقف أمام قرار منع ابنها من دخول المسبح، وذلك بإجماع أهالي الأطفال المشاركين فيه، والحجة هي أنهم يخافون على أبنائهم منه ولا يريدون أن يختلط بهم، تقول إن مشاعر من القهر والوجع سيطرت عليها حينها، غير أنها أبت إلا أن تتماسك وتدافع عن ابنها بكل قواها، عازمة على حمايته وتسليحه ضد كل الأفكار الجاهلة التي تدعو إلى حرمانه من حقوق كثيرة.
نيبال هي الأخرى تدين الثقافة النمطية تجاه ذوي الإعاقة، وترى أن التقبل هو الحل ليصبح بإمكانهم العيش باستقرار وبعيدا عن تلك التصرفات المهينة والسلبية التي تنتزع منهم ومن ذويهم السعادة والأمل بغد أفضل.
تقول إنها قبل ذلك الموقف الذي كانت شاهدة عليه، لم تفكر مطلقا بسلبية بعض الأشخاص الذين تعيش بينهم والذين تتقاسم معهم تفاصيل كثيرة خلال اليوم. لكنها صدمت وتملكتها الحيرة والاستياء، وذلك عندما سمعت قريبة لها تهدد ابنها الصغير بأنه إذا لم يفعل ما تطلبه منه سيصبح “معاقا كابن عمه”.
وتتابع، وكلها أسى الغريب، أن أما مثلها نسيت أنها قدوة لأبنائها وسمحت لنفسها بأن تتجرد من الحنان والإنسانية، متخذة ذلك الأسلوب لتخويف ابنها بدون أن تدرك تأثيره عليه وعلى من حوله، مبينة أن قلة وعي بعض الآباء والأمهات تظهر جلية في تربيتهم لأبنائهم ويوجد لديهم سلوكيات خاطئة من الصعب تغييرها.
وهذا بالطبع يرسخ أكثر فأكثر أفكارا ومعتقدات تسيء لذوي الإعاقة وتضعهم في قالب لا يشبههم غير قادر على استيعاب ما لديهم من طاقات كبيرة جديرة بالاحترام والتقدير.
ويرى الاستشاري التربوي الدكتور عايش نوايسة، أن الثقافة النمطية تجاه الأشخاص من ذوي الإعاقة هي في حقيقتها تعود للأسف في التعامل مع هؤلاء الأشخاص على أنهم كائنات غريبة، لا يمكن التواصل معهم أو الاختلاط بهم سواء كان ذلك في المدارس أو الملاعب أو المسابح أو في أي مكان آخر.
ويذهب نوايسة إلى أن السبب يكمن في غياب الوعي المجتمعي، وعدم تطبيق السياسات والتشريعات التي تحمي هذه الفئة، ما أدى إلى ظهور هذه النماذج السلبية من الأهالي، مضيفا أن هؤلاء يعمدون إلى تعزيز بعض الأفكار والمعتقدات الخاطئة عن الإعاقة لدى أبنائهم لدرجة أنهم يزرعون فيهم الخوف من أصحابها.
ويضيف أنهم، كذلك، يجهلون أهمية أن تكون لدى أبنائهم فكرة واضحة تفسر باحترام السبب وراء إصابة هؤلاء الأشخاص بالإعاقة وأنهم فقط بحاجة إلى التقبل والدعم، ومعاملتهم على أساس أنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع وأنهم رغم ظروفهم الخاصة، إلا أنهم قادرون على التميز والمشاركة في الكثير من الأنشطة.
ويبين نوايسة أن تغيير هذه الثقافة وتحويلها إلى إيجابية يبدأ حتما من الأسرة، وذلك من خلال تربية الأبناء على النظر للآخر بإنسانية وتعليمهم أن الشخص من ذوي الإعاقة لا يختلف عنهم أبدا حتى وإن كانت له احتياجات أخرى، كما من المهم تعويدهم على الاندماج معه ومشاركة تفاصيل الحياة بعيدا عن الخوف والتذمر والإقصاء.
تمكن الأسر من نشر هذه الثقافة ينعكس بالطبع على المجتمع ككل، فيصبح هنالك مجتمع داعم وإيجابي يتقبل الجميع إنسانيا وأخلاقيا يبتعد تماما عن نبذ الآخر بحجة الاختلاف، بحسب نوايسة.
ويقول الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة “إن الجميع، بدون استثناء، معرضون للحوادث والأمراض التي على إثرها قد يفقدون إحدى حواسهم، ولا يعانون من حالة مرضية معدية تستدعي النبذ والإقصاء، بل هم أشخاص يمتلكون المزايا الإيجابية، كما أنهم أيضا يمتلكون الحس والطابع الإنساني بكل أبعاده؛ يحزنون ويفرحون ويتأثرون ولديهم طاقة كبيرة للتحدي والعطاء”.
ويضيف “أن هؤلاء يحبون الحياة جدا، ويسعون إلى إبراز إمكاناتهم المتميزة إذا وجدوا الدعم والمساندة، وتهيأت لهم كل الظروف التي تمكنهم من وضع بصماتهم الخاصة”.
ويبين أن تقبلهم اجتماعيا ونفسيا وإنسانيا يزيد حتما من ثقتهم بأنفسهم، وبالتالي يستطيعون أن يكونوا نماذج مشرقة تستحق الاحترام، معتبرا أن لجوء بعض الأسر إلى تخويف أبنائها منهم وزرع أفكار خاطئة عنهم ينعكس سلبا على المجتمع بشكل عام والأشخاص من ذوي الإعاقة بشكل الخاص. كما يضاعف ذلك من مشكلاتهم ويحرمهم من أن يعيشوا بسلام داخلي فيتحولون بالتالي إلى أشخاص ناقمين سوداويين يخشون الاقتراب من أحد يميلون للانعزال حتى لا توجعهم نظرات من حولهم والمحملة ربما بالكثير من الرفض والاستنكار والتخوف.