الرأي - د.فتحي الأغوات وخالد العجارمة وراشد التل -
وسط محيط إقليمي ملتهب، يبقى الأردن نموذجًا فريدًا في الحفاظ على أمنه واستقراره، بفضل مؤسساته الأمنية الوطنية التي أثبتت كفاءتها العالية والولاء للقيادة والشعب.
وفي هذا السياق، أكد خبراء ومحللون عسكريون وسياسيون في حديثهم لـ«$» أهمية الثوابت الوطنية التي تمثل حماية لأمن ومصالح الوطن، وبيّنوا أن الدولة قوية بأجهزتها العسكرية والأمنية، وأنه لا خوف على الوطن الذي يرتكز على دعائم قوية ومتماسكة ممثلة في القيادة الهاشمية، والجيش العربي، والأجهزة الأمنية، والشعب، مشيرين إلى أن المملكة قادرة على إحباط أي محاولة تستهدف الإضرار بالوطن وأمنه.
وأشار المحلل والخبير الأمني الفريق الركن المتقاعد علي الخالدي، إلى المواقف المشرفة لجلالة الملك، وتأكيد جلالته أن الأمن والمصالح الوطنية خط أحمر أمام أي تهديد، مبينًا أن رسالة الأردن واضحة بأنه سيتعامل بحزم مع أي مصدر لهذا التهديد.
ولفت إلى الدعائم القوية والمتماسكة ما بين القيادة الهاشمية، والجيش العربي، والأجهزة الأمنية، والشعب، ما يجعل المملكة قادرة على إحباط أي محاولة تستهدف أمن الوطن.
وقال إن الملك يمتلك رؤية سياسية وأمنية استراتيجية ثاقبة في التعامل مع قضايا المنطقة والعالم، مشيرًا إلى الجهود الكبيرة والفريدة التي يقودها جلالته دعمًا ومساندةً لقطاع غزة، من خلال التحركات الدبلوماسية والسياسية التي يقوم بها على المستوى الدولي لوقف العدوان الإسرائيلي.
وأشار إلى أهمية تكاتف جميع أفراد المجتمع في دعم وإسناد الموقف الرسمي، وعدم السماح بحرف البوصلة عن مسارها، لافتًا إلى محاولات تزوير الحقائق والمواقف الوطنية والقومية للأردن، والتي تهدف للنيل من أمن الوطن أو التأثير على استقراره، وتابع أن هذا الأمر لا يخدم إلا الاحتلال، تنفيذًا لمشاريعه التوسعية، وتصفية القضية الفلسطينية، وسلب حقوق الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم.
من جهتها، لفتت الكاتبة والمحللة السياسية دانييلا القرعان، إلى أن الرسائل والتوجيهات الملكية تحمل دائمًا أبعادًا سياسية مهمة وعميقة، وخصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، مؤكدة أن جلالته يشدد دائمًا على أن ضمان أمن وسلامة الأقاليم هو ركيزة لتحقيق السلام الشامل والعادل، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وقالت إن الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، على أساس «حل الدولتين»، هو مفتاح الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، وحل يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط 4 حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس.
بدوره، استنكر الباحث والمختص في الشؤون الأمنية الدكتور خالد الجبول، محاولات البعض المساس بأمن وسلامة الوطن تحت ذرائع غير صحيحة وأخبار زائفة، تحرف البوصلة عن مسارها، وتُستخدم للنيل من الموقف الأردني الشجاع.
وقال إن الأردن هو السند للأهل في غزة والضفة الغربية، مضيفًا أن الأردن قدم ما لم تقدمه أي دولة أخرى في العالم.
واشار إلى المواقف السياسية والدبلوماسية المتقدمة التي يقودها الأردن لحشد الرأي الدولي وكشف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان إسرائيلي متواصل وحرب إبادة جماعية.
وبيّن أن الأردنيين يقفون خلف القيادة صفًا واحدًا لحماية أمن الوطن والدفاع عنه، مشيرًا إلى أن قوة الأردن ومناعته تمثل دعمًا للأشقاء الفلسطينيين، وأن أي خلل يصيب الأردن – لا قدّر الله – سيؤثر سلبًا على فلسطين وصمود شعبها.
من جهته، وفي ضوء الأحداث الأخيرة المتعلقة بالمظاهرات، فإن الاعتقالات التي جرت، جاءت في نطاقها الأدنى، وتركزت على فئة محدودة تجاوزت القانون، وأساءت وارتكبت مخالفات تهدد السلم والأمن المجتمعي والنسيج الوطني.
هذه الإجراءات لم تكن سوى تطبيق واضح وصريح للقانون، بهدف حماية المجتمع من أفعال قد يترتب على التغاضي عنها عواقب وخيمة، فالمسيرات السابقة التي شهدتها البلاد شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين ضمن أطر قانونية واضحة من حيث المكان والهدف، وانتهت غالبيتها دون أية اعتقالات، أما من تم توقيفهم، فكان ذلك نتيجة ارتكابهم مخالفات قانونية واضحة، من بينها الاعتداء على المال العام والمباني والمركبات الحكومية والخاصة، أو محاولة اختراق الحدود، أو الاعتداء على رجال الأمن العام. وفي سياق متصل، أثار توقيف فتاة من قبل مدعي عام عمّان جدلًا واسعًا، حيث تم اتهامها بالإساءة إلى رجال الأمن خلال مسيرة في منطقة الرابية، ولم يكن هذا الحادث استثناءً، فقد طالت الإجراءات القانونية أيضًا العديد من المواطنين الذين ارتكبوا مخالفات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتم تغريم بعضهم والحكم عليهم بالسجن لمدة عام أو أكثر.
أحد القضاة، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أوضح أن القانون يتيح للمواطنين حق الانتقاد في إطار أدائهم العام، دون أن يُعد ذلك جريمة، ما لم يتحول إلى ذم أو قدح أو شتم أو إثارة للفتن، وهي الأفعال التي يجرّمها القانون وتستوجب العقوبة.
من جانبه، أكّد الخبير القانوني الدكتور ليث نصراوين أن التشريعات والدستور توفر حماية واضحة وشاملة للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية من الإساءة أو التجريح.
وقال إن التطاول على هذه المؤسسات أو منتسبيها يُعد جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن والغرامة.
وأشار إلى أن الدستور منح الأجهزة الأمنية والعسكرية مكانة خاصة، حيث نصّت المادة 40 على أن تعيين قادة هذه الأجهزة يتم بإرادة ملكية مباشرة، ما يعكس استقلاليتها ويبعدها عن التجاذبات السياسية، كما تنص المادة 32 على أن الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وأوضح أن المادة 37 من الدستور تنص على أن منح الرتب العسكرية والأوسمة يتم بإرادة ملكية، ما يعزز من الضبط والرقابة على المؤسسة العسكرية، أما المادة 6/2 فتؤكد أن «الدفاع عن الوطن وأرضه ووحدة شعبه حق مقدس»، ما يضع على عاتق المواطنين مسؤولية احترام الأجهزة الأمنية والمشاركة في حفظ السلم المجتمعي.
وفي المحصلة، فإن ما يحدث في الأردن اليوم هو انعكاس مباشر لسيادة القانون، وحماية للوطن وأمنه ومواطنيه، ضمن إطار دستوري وقانوني راسخ يوازن بين الحقوق والواجبات، ويضمن للجميع العدالة دون محاباة أو استثناء.
من جهته، أكد مستشار أول الطب الشرعي، الدكتور هاني جهشان، لـ«$»، أن موضوع منع مشاركة الأطفال في المظاهرات والمسيرات له مرجعيات معرفية قائمة على القانون الوطني والاتفاقيات الدولية ودراسات لعلماء النفس وخبراء في حقوق الطفل، حيث أن عدم مشاركتهم لا تتعارض مع حق الطفل بالتعبير والمساهمة بالحياة العامة الواردة بالمادة 13 و15 من إتفاقية حقوق الطفل، وقانون التصديق الاردني على الاتفاقية رقم 50 لسنة 2006.
وقال: «تكون المرجعية الأساسية لمشاركة الطفل قائمة على الحفاظ على المصلحة الفضلى له، وعلى حقه بالحياة والصحة الجسدية والنفسية وعلى حقه بالوقاية والحماية من العنف».
وأضاف أن إتفاقية حقوق الطفل الدولية المادة 13، تتضمن أن يكون للطفل الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها، دون أي اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة، أو الفن، أو بأية وسيلة أخرى يختارها الطفل، إضافة إلى أنه يجوز إخضاع ممارسة هذا الحق لبعض القيود، بشرط أن ينص القانون عليها وأن تكون لازمة لتأمين (احترام حقوق الغير أو سمعتهم، أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام، أو الصحة العامة أو الآداب العامة. أما بالنسبة للمادة 15، فتعترف الدول الأطراف بحقوق الطفل في حرية تكوين الجمعيات وفى حرية الاجتماع السلمي، حيث لا يجوز تقييد ممارسة هذه الحقوق بأية قيود غير القيود المفروضة طبقا للقانون والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام، أو لحماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم.
وأشار إلى قانون التصديق على اتفاقية حقوق الطفل رقم 50 لسنة 2006، المتضمن على حق الأطفال بحرية التعبير التي ضمنتها إتفاقية حقوق الطفل (المواد 13 و15) ضمن بيئة تتصف بالسلامة العامة، وخالية من أي ظروف خطر قد تلحق ضررا بالأطفال، ومحتواها يتناسب مع مرحلة نمو الأطفال وتطورهم، بما في ذلك إحترام حقوق الأخرين وحب الوطن وإحترام المواطنة والمساوة.
ولفت جهشان إلى أن هناك مخاطر جسدية مباشرة خلال المظاهرات متمثلة في الاكتظاظ، حيث يمكن أن يتعرض الطفل للإصابة أو العدوى، وهناك مخاطر الظروف الجوية غير الملائمة، وهناك مخاطر خطيرة قد يتعرض لها الأطفال بسبب حدوث مواجهات عنف محتملة مع الأمن أو مع مسيرات معارضة، وهناك مخاطر العواقب النفسية القريبة والبعيدة المدى بسبب الشحن العاطفي واستخدام التعابير السياسية الحادة والتي قد تتصف أو قد يستقبلها الطفل واليافع على أنها تعابير كراهية للآخرين وللدولة وللوطن.
وبين أن وجود الأطفال في هذه الظروف فيه مخاطرة كبيرة على حياتهم وصحتهم الجسدية والنفسية، وليس له علاقة بالمطلق بالموضوع السياسي أو بتفاوت الآراء حول الموضوع المتعلق بالمظاهرة او المسيرة، وهو أيضا غير متعلق بمنع حرية التعبير للأطفال، حيث إن مشاركتهم تضعهم في ظروف تشحن عواطفهم سلبيا تتصف بالعنف وكراهية الآخرين، وتشكل عوامل تهدد أمنهم وسلامتهم.
وأكد أن مشاركة الأطفال في مثل هذه الانشطة تنعكس بصورة سلبية على سلوكهم مستقبلا وعلى إتجاهاتهم، وتشكل أنتهاكا لحقهم بالتعبير الحر عن آرائهم، ويشكل الزج بهم في هذه المظاهرات خطرا يشحن عواطفهم بالحقد والكراهية للأخرين، كما أن وجودهم في بيئة إكتظاظ بشري بها مخاطر للسلامة العامة وأمن المواطنيين هو أيضا إنتهاك لحقهم بالصحة والحياة والأمن، وهذا يمتد لإنتهاك حقهم بالصحة النفسية حيث أثبتت المراجعة العلمية المعرفية أن مشاركة الأطفال في مثل هكذا مسيرات أو مظاهرات لها عواقب نفسية سلبية بيعدة المدى على صحتهم النفسية، لأن مشاهدة العنف المرافقة للمسيرات والهتاف المشحون بالجمل السلبية نحو الأخرين ترسخ في نفوس الأطفال سلوكيات سلبية وعدوانية والتي قد تمتد لتظهر في حياة الطفل عقب عدة سنوات.
وقال: «يتوجب على الدولة منع أطفالنا، كل اطفال الوطن، من المشاركة في المظاهرات والمسيرات وبنفس الوقت العمل ببرامج على دعم حقهم بحرية التعبير التي ضمنتها إتفاقية حقوق الطفل بما يتناسب مع مرحلة نموهم وتطورهم، بما في ذلك إحترام حقوق الأخرين وحب الوطن وإحترام المواطنة والمساوة، وبذلك نصل إلى ممارسة حق الطفل بالتعبير بحرية وآمان بعيد عن الإنفعالات السلبية وبالحفاظ على حياتهم وصحتهم الجسدية والنفسية، كما أن هناك مسؤولية على نقابة المعلمين ووزارة التربية والتعليم نشر ثقافة التعبير عن الرأي وتحقيق المطالب المشروعة والعادلة من خلال الحوار والقنوات القانونية».
مشاركة الأطفال من قبل ذويهم في المظاهرات والمسيرات ذات الطابع الديني أو السياسي، لا تتناسب مع مرحلة نموهم ولا مع ثقافة المجتمع الذي يعيشون فيه.
وأشار إلى أن دخول الأطفال في قضايا ذات ابعاد سياسية، من شأنه أن يؤدي إلى بناء جيل يكره المجتمع ورجال الأمن، مشددا على أن هذه الممارسات لا علاقة لها بحرمان الطفل من حقه في التعبير، موضحا أن الطفل يمكنه التعبير عن رأيه في المدرسة أو في النوادي أو أي مكان آمن ومحايد، ولكن وضعه في بيئة مشحونة يرسخ لديه خطابا سلبيا يصعب محوه لاحقا.
وقال إن تربية الطفل تمر بمراحل تبدأ من الحضانة وصولا إلى الجامعة، وتتطلب تعاونا بين معدي المناهج والمعلمين والإدارة ضمن منظومة متكاملة، لافتا إلى أن خبرته التي تمتد لأكثر من عشرين عاما في مجال حماية الطفل تظهر غياب التقدم الحقيقي في التوعية الموجهة للأطفال المشاركين في تلك الأنشطة. وقال إن هناك بعض المدارس، خاصة الخاصة، تسهم في مشاركة الأطفال بفعاليات مثل مؤتمرات الأمم المتحدة وندوات إقليمية ودولية، إلا أن هذه المبادرات تظل محدودة وغير ممنهجة.
وحذر من الأخطار المباشرة لمشاركة الأطفال في المظاهرات، مشيراً إلى أن التدافع خلال الفوضى قد يؤدي إلى إصابات خطيرة، وقد سجلت بالفعل حالات دهس ووفيات بين الأطفال بسبب التدافع. أما من الناحية النفسية، فأوضح أن تعرض الطفل لمشاهد عنف أو سماعه لعبارات سلبية في المسيرات قد يترك آثارا طويلة المدى مثل القلق المزمن أو الأحلام المزعجة أو صعوبة التعامل مع الأخبار، مبينا أن هذه التجارب قد تزرع في ذهن الطفل مفاهيم خاطئة عن المبادئ أو الوطن.
وختم جهشان، بالتأكيد على أن هناك حاجة ملحة إلى جهود توعية حقيقية على مستوى الأسر والمدارس والمجتمع، لأن كثيرا من الأهل لا يدركون خطورة هذه التجارب على نفسية وسلوك أبنائهم.