الغد-هآرتس
بقلم: جدعون ليفي 20/4/2025
"اذهب إلى مدينة القتل، ستصل إلى الساحات، بعينيك سترى وبيديك ستلمس، على الأشجار والحجارة، طين الجدران، الدماء المتخثرة والدماغ المتجمدة للشهداء". (حاييم نحمان بياليك، قصيدة "مدينة القتل").
في عيد الفصح المسيحي في العام 1903، في مثل هذا الأسبوع قبل 122 سنة، اندلعت في كشنيف الموجودة في بيساربيا أعمال ضد اليهود. الصحف الروسية لم تنشر عن هذه الأعمال. "نيويورك تايمز" نشرت عنها بتوسع. الرئيس الأميركي في حينه ثيودور روزفلت، أعلن أنه لم يشعر في أي يوم بتعاطف كبير مع أي شيء مثلما شعر تجاه الضحايا. صور الجثث الملفوفة بالأكفان نشرت على الصفحات الأولى في الصحف الأميركية. المصطلح الروسي "مذبحة" ولد في حينه. وقد أدان واتهم ليف تولوستوي ومكسيم غوركي الحكومة الروسية.
بياليك كتب عن "الذبح" وذهب إلى كشنيف ضمن بعثة بادر إليها المؤرخ شمعون دوفنوف. وقد تواجد في المدينة خمسة أسابيع، وحضر محاكمة حفنة المشاغبين الذين تم الحكم عليهم بالسجن لسنوات قليلة، وقام بتحرير أسماء الشهداء. عندما عاد نشر قصيدة "في مدينة القتل". زئيف جابوتنسكي ترجم هذه القصيدة إلى اللغة الروسية، هرتسل بلور خطة أوغندا، في الـ122 سنة التالية تحولت أعمال الشغب في كشنيف إلى أسطورة شكلت وعي اليهود إلى الأبد. لا يوجد أي طفل في إسرائيل لم يسمع عنها.
المذبحة الوحشية استمرت ثلاثة أيام. وقد بدأت في اليوم السابع لعيد الفصح اليهودي، الذي صادف أيضا 19 نيسان (أبريل)، أي مثل أول من أمس، الذي كان أيضا اليوم الأول لعيد الفصح المسيحي. مئات بيوت اليهود تم نهبها وتدميرها. بارك المشاغبين. لقد رموا الأطفال الرضع من الطوابق العليا وغرسوا المسامير في رؤوس الضحايا وفقأوا عيونهم. المحقق بياليك وجد أشلاء محطمة في حديقة للخضراوات وإسطبلا اصبح مسلخا للبشر.
كم شخص قتل في أعمال الشغب هذه؟ 49 شخصا. وهو رقم يشبه تقريبا عدد الذين قتلوا في غزة أول من أمس. يوم جمعة عادي في غزة. لقد قتلوا بسبب الهجمات الجوية ومن الدبابات في إطار دفاع اليهود عن النفس. الصحف الإسرائيلية، بالضبط مثل الصحف الروسية قبل 122 سنة، لم تنشر أي شيء تقريبا. المحلييون، الحاخامات ومن يعلمون الشريعة عندنا، لم يتوقفوا عن مباركة القتلة ومن يقومون بعمليات القصف، مثلما في كشنيف العام 1903.
من بين الـ47 قتيلا في غزة أول من أمس كانت امرأة حامل والكثير من الأطفال. أربعة اطفال قتلوا في قصف صالون حلاقة في خان يونس، خمسة أبناء من عائلة واحدة قتلوا على مدخل المدينة. في الشبكات الاجتماعية نشر فيلم يوثق خمس جثث لأطفال متفحمين بسبب الاحتراق على شراشف بيضاء في المستشفى. صور مخيفة كهذه أنا لم أشاهد طوال حياتي.
خلافا لكشنيف، في غزة لا يرمون الأطفال من النوافذ، لكنهم يحرقونهم حتى الموت. من هو الأخلاقي الذي سيتجرأ على القول إن إحراق الاطفال على قيد الحياة وهم في خيمة لاجئين في "المنطقة الآمنة"، صادم أقل من رميهم من النوافذ؟ من هو المنافق الذي سيتجرأ على القول إن جنود الجيش الإسرائيلي "لا يتعمدون قتل الأطفال" بعد أن قتلوا في السابق آلاف الأطفال والرضع؟. أعمال الشغب في كشنيف تشبه يوما عاديا للجيش برئاسة ايال زمير في غزة. الأعمال الفظيعة في 7 تشرين الأول (اكتوبر)، تعتبر شهرا بالمتوسط مثلما في غزة.
بياليك لا يمكنه زيارة مدينة القتل في غزة. إسرائيل لا تسمح لأي مراسل بفعل ما فعله الشاعر الوطني، وتوثيق الأعمال الفظيعة وكتابة "في مدينة القتل 2".