Monday 23rd of September 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Sep-2024

تفجيرات "البيجرات" في لبنان: الحدود الفتاكة الجديدة للحرب السيبرانية‏

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة‏

‏‏‏نورين أخطر* - (مودرن دبلوماسي) 17/9/2024
‏الحادث الأخير الذي شهد انفجارات في أجهزة الاستدعاء (البيجرات) بين مقاتلي حزب الله في لبنان يؤذن ببدء حقبة ويشير إلى قضايا أكبر في ما يتعلق بالحرب السيبرانية. ما الذي يعنيه هذا بالنسبة للأنظمة التي لدينا في العصر الحديث والتي هي أكثر تطورًا؟ لقد أصبحت الهواتف الذكية، والطائرات من دون طيار، وأجهزة إنترنت الأشياء بالفعل جزءًا من المجتمع اليوم. وكل هذه التقنيات، إذا ما تعرضت للهجوم، يمكن أن تسبب مصائب أو كوارث أكبر وأشد فتكًا. وتشير حادثة أجهزة الاستدعاء إلى أن التهديدات في مجال الهجمات السيبرانية المادية هي أكثر تنوعًا مما كان يعتقد سابقًا. وهكذا، في عصر يبدو فيه أن جميع الهياكل تقريبًا مرتبطة ببعضها بعضا، يمكن أن تكون آثار فشل أجهزة الاتصال مميتة بشكل خطير -ليس لأفراد الجيش فقط، وإنما أيضًا للسكان المدنيين.‏
 
 
يؤشر الحادث الأخير الذي شهد وقوع انفجارات في أجهزة الاستدعاء، "البيجرات" التي يستخدمها مقاتلو "حزب الله" في لبنان على بداية حقبة جديدة في الحرب السيبرانية. وقد أصيب مقاتلون خلال عطلة نهاية الأسبوع في جنوب لبنان وبيروت بعد أن انفجرت أجهزة الاتصال التي يحملونها، ومعظمها أجهزة استدعاء قديمة لم تعد تستعمل على نطاق واسع. وفي حين أشار مسؤولو "حزب الله" إلى أن برمجيات خبيثة ربما تكون قد تسببت في الانفجارات، يقترح خبراء الأمن السيبراني تفسيرًا أبسط: زرع طُعم مفخخ عتيق الطراز في الأجهزة. ولكن، مهما كان النهج المستخدم، فإنه يمكن الاستشهاد بهذا الهجوم السيبراني بالذات كمثال كلاسيكي على الكيفية التي تتقارب بها المبادئ السيبرانية والمادية للحرب في صراعات اليوم. ولعل الأكثر تحييرًا للعقل هو حقيقة أن هذه الانفجارات نُفذت من خلال شكل من أشكال تكنولوجيا الاتصالات التي ينظر إليها بشكل متزايد على أنها قديمة. هذا الهجوم، الذي يمكن أن يكون من عمل إسرائيل، يفتح فصلاً جديدًا في الحرب السيبرانية التي يمكن أن تتجاوز الحدث الحالي.‏
‏في حقبة تتوفر فيها الهواتف المحمولة وتطبيقاتها، ناهيك عن منصات الاتصالات المشفرة، على نطاق واسع، قد يبدو غريبًا جدًا أن يعتمد "حزب الله" على أجهزة الاستدعاء القديمة؛ ومع ذلك، فإن الأمر ليس بسيطًا كما يبدو عند أخذ مسائل الأمن التشغيلي في حرب العصر الحديث في الاعتبار. غالبًا ما تفلت الأجهزة التي تكون في مرحلة نهاية الحياة من الاهتمام بالذي يُمنح عادة للميكانيزمات المتطورة المستخدمة لحماية الأجهزة المعاصرة. وفي هذه الحالة، استفاد المهاجمون استفادة كاملة من هذا الافتراض بالذات وحولوا أداة بسيطة وغير ضارة في الأساس إلى أداة قاتلة. وعلى الرغم من أن أجهزة الاستدعاء أصبحت الآن قديمة في المخطط العام للأشياء التي تنطوي عليها الحروب السيبرانية واختراق الشبكات، إلا أن الضعف الذي تم إثباته في هذا المجال أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح وانقطاع في الأعمال.‏
‏وهكذا، تُظهر حالة تغيير أجهزة الاستدعاء إلى أجهزة متفجرة مرتجلة أن هذه الأجهزة قد تحتوي على قدرات سلبية غير معروفة، حتى عندما يعتبرها أحد ما قديمة عفا عليها الزمن. وفي حين تم تعريف الحرب السيبرانية في الغالب من خلال سرقة المعلومات السرية أو التجسس أو إحداث خلل في المرافق الرئيسية، فإن ما لوحظ اليوم هو التحول الذي ينطوي عليه التعبير عن التهديدات السيبرانية في شكل تأثير مادي. وفي حين يركز هذا الهجوم على "حزب الله" وبيئته العملياتية في لبنان، فإن الابتكار الاستراتيجي الذي يظهر هنا يجب أن يكون مصدر قلق لعدد أكبر بكثير من الناس. إنه يفتح مسألة مقلقة: لا يتطلب الأمر سوى التفكير خارج الصندوق عندما يأتي الأمر إلى تسليح شيء بسيط مثل جهاز الاستدعاء. ولك أن تتخيل فقط ما يمكن القيام به مع التقنيات الأخرى الأكثر تطورًا وتعقيدًا مثل الهاتف الذكي اليوم أو أجهزة "إنترنت الأشياء" الأخرى.‏
‏بالنظر إلى ماهية الهواتف الذكية اليوم، تبدو أجهزة الاستدعاء وكأنها أجهزة بسيطة لا علاقة لها بأدوات الاتصال الحالية؛ بما أن الهواتف الذكية اليوم أكثر تطورًا وتعقيدًا بعشرات المرات، حيث تتميز ببطاريات أكبر ودوائر معقدة والعديد من أجهزة الاستشعار. وهي تصبح أكثر أهمية في الحرب والاستخدام المدني؛ وبذلك يمكن استخدامها كعلامة في الحرب السيبرانية المستقبلية. إن بطاريات هذه الهواتف الذكية فيها طاقة، وبالتالي سيكون هناك تأثير شديد إذا تم استغلال بطارية الهاتف الذكي. ولنتأمل هنا الفوضى التي يمكن أن تحدث إذا، وعندما يضع القراصنة أيديهم على سر الضربة القاضية ويكونون قادرين على تفعيل ردود فعل تفجيرية لاسلكيا في الهواتف أو غيرها من الأجهزة المعاصرة كما رأينا في حالة أجهزة الاستدعاء الفعالة جدًا لـ"حزب الله".‏
لذلك كله، أكدت هذه الحادثة بالذات الحاجة إلى حماية -ليس أمن المعلومات فحسب، وإنما الأنظمة المادية في أجهزة الاتصال. وعلى الرغم من أن الأمن السيبراني التقليدي كان يتعلق بحماية الشبكات والمعلومات والخصوصية، اتضح للكثيرين الآن أن المستوى التالي يتعلق بالحماية من الآثار المادية التي يمكن إحداثها من خلال النشاط السيبراني. لم يعد هناك خط واضح بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي، وقد يكون هذا الهجوم على "حزب الله" مجرد تحذير أولي من تهديدات مختلطة أكثر فتكًا.‏
‏بالنسبة لتفجيرات أجهزة الاستدعاء الأخيرة، قال العديد من المحللين إن هذا شكل آخر من أشكال العدوان الفعلي الذي تشنه إسرائيل في الفضاء الإلكتروني الموجه نحو "حزب الله". ويشير عامل الوقت، إلى جانب الحجم، إلى أن هذه كانت خطة جيدة التنسيق استهدفت تحييد مقاتلي "حزب الله" في جنوب لبنان. وحتى الآن، لم تبد السلطات الإسرائيلية أي رد فعل علني على هذا الهجوم الإلكتروني. ومع ذلك، يبدو أن هذه العملية تنتمي إلى سلسلة من العمليات الإسرائيلية التي تستخدم كلاً من القوة غير المادية والقوة المادية على حد سواء. وفي كلتا الحالتين، كانت إسرائيل أحد الأطراف الرئيسية التي تستخدم القدرات السيبرانية في العمليات ضد العدو، والتي تهدف إلى تعطيل أنشطته. ويجسد النهج الذي تم استخدامه ضد أجهزة الاستدعاء التي يستخدمها أفراد "حزب الله" تطورًا إضافيًا في قدرة إسرائيل على تعطيل نظام القيادة والسيطرة للعدو وإلحاق الأذى به في الوقت نفسه من خلال الاستفادة من التقنية التي يستخدمها.‏
‏يوفر هجوم أجهزة الاستدعاء التابعة لـ"حزب الله" فهمًا عميقًا لتكنولوجيات الحرب وتعقيدها، فضلاً عن آفاق تطورها في المستقبل. حتى وقت قريب، ارتبط مفهوم الحرب السيبرانية بمستويات منخفضة نسبيًا من التدمير لتحقيق أهداف حركية ذات طابع غير حاسم، والتي تنطوي في المقام الأول على التجسس وسرقة البيانات، أو تعطيل البنية التحتية. ومع ذلك، تذهب قدرة الهجمات الإلكترونية القادرة على التسبب في ضرر جسدي إلى مستوى مختلف تمامًا. وفي هذا النوع من الصراع، أو "الحرب"، حيث تكون الحدود بين ساحة شبكة الإنترنت العالمية وساحة المعركة المادية موضع نقاش كبيرا، فإن التعقيد الجديد الذي يواجه الاستراتيجيين والسياسيين هو... هذه الأخيرة. لا تقلق، لم تعد التهديدات الناشئة في العالم الرقمي افتراضية كما كانت من قبل -إنها قادرة جدًا على إحداث تأثيرات فورية في العالم الحقيقي.‏
‏بالإضافة إلى ذلك، ثمة حاجة إلى فهم مثل هذه الأشكال السابقة من معدات الاتصال مثل أجهزة الاستدعاء، التي هي أقدم نسبيًا وفق اعتبارات أي شخص -إنها ضعيفة ومكشوفة للغاية. في معظم المناقشات حول الأمن السيبراني، من الشائع جدًا أن نسمع عن حماية الأنظمة المتطورة الجديدة -لكننا نرى هنا نرى أنظمة قديمة جدًا، وإنما التي تم تسليحها جيدًا، وهي تقدم عرضًا عمليًا من خلال تنفيذ هذا الهجوم، في بيان مهم للغاية عن فعالية "الإرهابيين السيبرانيين" أو "المتسللين" الذين يتمكنون من اختراق نظام قديم مثل هذا النظام. في الوقت الحاضر، عندما يستخدم الناس أجهزة الاستدعاء ويفكرون في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين في وقت هيمنتها، ينبغي أن يتذكر المرء حقيقة أن هذه الأجهزة يمكن أن تكون بمثابة أسلحة قوية في سياق الحرب إذا ما تم التأثير عليها بشكل صحيح. ولا بد أن الحفاظ على مثل هذه الأنظمة البدائية كان وسيلة "حزب الله" لتجنب مخاطر الحرب السيبرانية المعقدة، لكنه وقع بقيامه بذلك مباشرة في الفخاخ التي نصبت فيها.‏
‏ربما أكثر من عدد القتلى والأضرار الأخرى، تشير انفجارات أجهزة الاستدعاء إلى قضايا أكبر في ما يتعلق بالحرب السيبرانية. ما الذي يعنيه ما حدث بالنسبة للأنظمة التي لدينا في العصر الحديث والتي هي أكثر تطورًا؟ إن الهواتف الذكية، والطائرات من دون طيار، وأجهزة إنترنت الأشياء هي بالفعل جزء من المجتمع اليوم. وكل هذه التقنيات، إذا ما تعرضت للهجوم، يمكن أن تسبب مصائب أو كوارث أكبر وأشد فتكًا. وتشير حادثة أجهزة الاستدعاء إلى أن التهديدات في مجال الهجمات السيبرانية المادية هي أكثر تنوعًا مما كان يعتقد سابقًا. وهكذا، في عصر يبدو فيه أن جميع الهياكل تقريبًا مرتبطة ببعضها بعضا، يمكن أن تكون آثار فشل أجهزة الاتصال مميتة بشكل خطير -ليس للجيش فقط ولكن أيضًا للسكان المدنيين.‏
ليست تفجيرات أجهزة الاستدعاء التي يستخدمها "حزب الله" مجرد حلقة من سلسلة، وإنما مقدمة لحروب الحقبة المستقبلية. وهي تصف كيف يمكن أن تتطور الحرب السيبرانية إلى شيء أكثر فتكًا من القرصنة والتجسس. في حين أن مساحة المعركة بين الفضاء الإلكتروني والمجالات المادية التقليدية تتلاشى أكثر فأكثر، فإن العواقب على أمن الدول والتكتيكات العسكرية والمدنيين ستكون محسوسة بشدة. وليست المفاهيم التي تحتاج إلى مراجعة في ضوء هذا الهجوم مجرد قضايا الأمن السيبراني، ولكن قضايا أمن الناس وممتلكاتهم في العالم حيث كل شيء متصل ومترابط على الشبكة العالمية.‏
*نورين أخطر‏ Noureen Akhtar: باحثة دكتوراه، عملت على العديد من قضايا السياسة العامة كمستشارة للسياسات في قسم الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء الهندي. تعمل حاليا محررة في منصة Stratheia الإعلامية، وفي "معهد إسلام أباد لبحوث السياسات" (IPRI) كمستشارة أبحاث سياسات غير مقيمة. نشرت أعمالها في منشورات محلية ودولية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Pagers explosions across Lebanon: Cyber Warfare’s New Lethal Frontier