الغد - تغريد السعايدة - على الرغم مما تتميّز به مدينة السلط من إرث ثقافي وسياحي، يتمثل في مبانيها وبيوتها وأجوائها، إلا أن "شارع الستين" الذي تم إنشاؤه خارج المدينة القديمة، أصبح "مركزاً سياحياً وترفيهياً لجميع السكان من المدينة وضواحيها"، حيث أمسى المكان متنفساً لعدد كبير من المواطنين في أكثر من مدينة.
على طول طريق شارع الستين الذي يبدأ من أول جسر زي، ولغاية جامعة البلقاء، تبدأ الرحلة الجميلة مع الشارع، والتي تعد نزهة ممتعة بحد ذاتها، لما يتمتع به من أجواء صيفية معتدلة ومناظر طبيعية مطلة. وهذا ما يؤكده خالد عبد الله وزوجته ساجدة سامي، اللذان يقولان إنهما يزوران شارع الستين بين الحين والآخر، من أجل التمتع بالمناظر الجميلة، والقريبة في ذات الوقت من أماكن مساكنهم.
يقول عبد الله "الشارع أصبح متنفسا للجميع، وخاصة في فصل الصيف، فإطلالته على الأغوار وفلسطين تزيد من جماليّة المكان، وحضور الراغبين في التنزه". ويشجّع عبد الله الجميع، سواء من سكان المنطقة، أو من خارجها، على زيارة شارع الستين الذي لا يوجد منه الكثير في المملكة ككل.
وتؤكد ساجدة سامي أنها لم تكن من سكان السلط قبل أن تتزوج، ولكن بعد أن سكنت المنطقة أصبحت ترى شارع الستين من أجمل المناطق التي تزورها في الأردن، وأجمل ما تراه في الستين هو الإطلالة الليلية على الضفة الغربية، بحيث يستطيع الشخص أن يميز إنارة مدن فلسطين المحاذية بشكل واضح.
بيد أن ساجدة تتفق مع عبد الله في التقصير الذي يعاني منه شارع الستين من قبل الجهات المختصة في محافظة البلقاء، ويطالبان، كغيرهما من زوار الشارع، بأن يقوم المعنيون بتصميم المطلات السياحية المناسبة للمكان، والتي من الممكن أن تكون طريقة جذب سياحي للمنطقة.
وعلى الرغم من وجود عدد من "الكشكات" التجارية الصغيرة التي تتوزع على طول شارع الستين الذي يتراوح طوله ما بين سبعة إلى ثمانية كيلومترات، إلا أن مرتادي الشارع يؤكدون قلة الخدمات المقدمة فيه، حيث يفتقر للمرافق الخدمية التي يجب أن تتوفر في كل مكان، ليكون مقصدا سياحياً لسكان المنطقة.
ويقول ليث النسور، الذي يمارس الرياضة بشكل يومي، منذ ساعات الصباح الباكر، إن وجود شارع الستين يعد "إنقاذا للكثير من سكان مدينة السلط"، إذ تتميز مدينة السلط بشكل عام، بتزاحم البيوت، وقربها من بعضها البعض، بسبب طبيعتها الجغرافية والسكانية، حيث إن شارع الستين يفتح المجال لدى الجميع من أجل إيجاد الفسحة المكانية التي يتمتع فيها السكان بأجواء صحية، وهواء نقي يساعد على ممارسة الرياضة في كل الأوقات، ومن كلا الجنسين.
محمد غنيمات، شاب عشريني، يمتلك كشكا تجاريا صغيرا، ضمن مجموعة من الشباب الذين يمتلكون كشكات في ذات الشارع على مسافات متراوحة. يؤكد غنيمات أن الكشك أصبح مصدر رزقه، يبيع فيه المشروبات الساخنة لزوار المنطقة والمتنزهين، ويكون ذروة العمل فيه خلال فصل الصيف وشهر رمضان المبارك.
ويضيف غنيمات أن الشباب والعائلات كانوا في السابق يذهبون إلى عمان من أجل التنزه، أو الجلوس على طريق عمان السلط، إلا أن وجود شارع الستين أصبح بديلاً مناسباً للعائلات للتنزه، وممارسة الرياضة، والجلوس لساعات طويلة قد تصل إلى منتصف الليل في الصيف، وحتى أذان الفجر في رمضان.
وأكثر ما يلفته، كغيره من مرتادي شارع الستين، هو وجود عدد من الجاليات العربية الموجودة في الأردن، والتي عادةً ما تقيم في الشارع حتى ساعات الصباح، وتحضر معها الأدوات الخاصة للنوم حتى الصباح، وذلك للاستمتاع بالمنظر الأخاذ لساعات الصباح في شارع الستين، وحتى ظهور الغيوم والضباب اللذين يُشكلان منظراً طبيعياً أشبه ما يكون بجسر هوائي.
وفي ذلك يقول عدي محمود، "عندما أتوجه إلى عملي في ساعات الصباح الباكر يبهرني المنظر الطبيعي للغيوم وهي تتحرك بسرعة فوق جسر شارع الستين، وهو السبب الذي يستوقفني لبعض الوقت، من أجل الاستمتاع بالمنظر، واستنشاق هواء نقي ونظيف قبل الانهماك في ساعات العمل الطويلة".
آلاء عيد، فلسطينية مقيمة في إحدى الدول الخليجية، تؤكد أنها خلال زيارتها لأقاربها في السلط تتعمد المرور بشارع الستين خلال ساعات الليل، وذلك لتتمكن من النظر والتحديق في منظر المدن الفلسطينية التي تظهر أضواؤها بشكل واضح. وهي تعتقد أنها قادرة على التمييز بين إنارة البيوت التي تستذكر فيها حكايات المدن الفلسطينية التي يحدثها عنها والداها.
وتوضح عيد أن المناظر الطبيعية التي يحظى فيها شارع الستين يجب أن تلقى رعاية واهتمام كبيرين من الجهات المختصة في المحافظة. وهي تستغرب لماذا لا يكون هناك "مطلات سياحية مجهزة بطريقة مناسبة وجذابة؟"، فهذا يشجع الناس على دعوة الأصدقاء والزوار من خراج المحافظة، لتكون بعد ذلك مقصداً سياحياً للأردن ككل.
وتؤكد ناديا العبادي أنها تذهب هي وزوجها وأبناؤها إلى شارع الستين كل يوم تقريباً. فهي تسكن بالقرب منه، وتقطع مسافة "جيدة"، قبل الوصول إلى الشارع. وتؤكد أن ذلك فرصة لممارسة الرياضة والمشي في أجواء صحية، بالإضافة إلى توفر الكشكات التي توفر أماكن للجلوس، ووجود كراسٍ موزعة على طول الطريق، تعطي الفرد فرصة للتمتع بالمنظر المقابل كالأغوار، وسد الكرامة، بالإضافة إلى الصورة الواضحة لفلسطين وجبالها ومدنها.
إذ تؤكد العبادي أن المجيء في ساعات الصباح الباكر الذي يترافق مع صفاء الأجواء، يُمكن الشخص من رؤية المنازل بشكل بسيط، وهو ما يعد "ظاهرة جميلة تبين مدى الترابط الجميل بين الضفتين"، إذ تؤكد أن والديها كانا يخبرانها كيف كانا يسمعان صوت الأذان من المسجد الأقصى قبل عدة عقود.
جاء شارع الستين، عدا عن كونه مكاناً سياحياً للسكان، في سياق إنشاء طريق الحزام الدائري الذي يساعد المواطنين على التنقل بسهولة، واستخدام طرق بديلة عن الطرق الداخلية في مدينة السلط، والتي من الصعوبة بمكان توسعتها بسبب الطبيعة الجغرافية الوعرة التي تميز المدينة وشوارعها الضيقة.