الدستور– عمر أبو الهيجاء
شهر رمضان الكريم له إيقاعه المختلف عن بقية شهور السنة، فهو شهر التصالح مع النفس والآخرين، شهر تتجلى فيه الروح بتأملاتها بعظمة الخالق، لرمضان عند كافة الناس طقوس خاصة يمارسونها بأشكال مختلفة، وخاصة الكتاب والأدباء لهم طقوس ربما تختلف عن غيرهم في رمضان، وفي الشهر الكريم هذا العام الذي يأتي في ظروف قاسية من خلال جائحة كورونا التي عصفت بالبشرية جمعاء.
«الدستور» في «شرفة المبدعين» تلتقي كل يوم مع مبدع أردني أو عربي وتسأله عن طقوسه الإبداعية في رمضان، وإيقاع هذا الشهر الفضيل بالنسبة له، والعادات والتقاليد عند المبدعين العرب في بلدانهم، في هذه الشرفة نلتقي مع الشاعرة آمال القاسم فكانت هذه الرؤى والإجابات.
* ماذا عن طقوسك كشاعرة في رمضان؟
ـ لرمضان قدسية خاصة ونكهة وسعادة ونفحات إيمانية لا يعلم أسرارها إلا الله.. فهنالك طاقة إبداعية متجددة لها مذاقها الخاص يكتسبها المبدع إذا أمعن مليا بالهدف الحقيقي من شرعة الصوم.. ولا تتولد هذه الطاقة إلا من خلال الطقوس الروحانية التي يعيشها في الشهر الفضيل.. فإذا ما حل رمضان، أتهيأ نفسيا وروحيا لاستقبال هذا الزائر العظيم، فأرتب فوضاي وأحزم كتبي وألملم بعثرة أوراقي لأؤجلها إلى ما بعد رحيله.. وأكتفي بالقرآن الكريم كتابا.
فكم تسمو به نفسي ويصفو معه حسي! بين قراءة وتحليل وتفسير خاصة وأن القرآن الكريم صديقي الذي لا أبرحه ولا يبرحني منذ الطفولة.. إلا أنني لا يمكنني الانسلاخ عن الحالة الشعورية أو الإبداعية التخييلية والحاجةِ الملحاحِ للكتابة، فقد تبزغ شرنقةُ ما هنا على حين غرة مقتبسةٌ من وحي قراءتي لآياتِ الله، كأن أرسم هدهد سليمان أو أخمن صوت سيدنا موسى أو أتخيل فم الحوت وهو يبتلع يونس، أو تبرق ومضة هناك من خلال تأملاتي التبصيرية...
* هل الشهر الفضيل يعتبر فرصة للتأمل والقراءة ام فرصة للكتابة الإبداعية؟
ـ ولأنَّ اللهَ ميّز هذا الشهرَ عن باقي شهور السنةِ، فقد ترسّختْ أهميتُه في عقيدتي وإيماني وبثقافتي المشبّعة بالقيمِ والأخلاق الإسلامية .. حيث نزل فيه القرآن وخصّه اللهُ بالصيام وبليلةِ القدرِ، وبفضائلَ أخرى لا توجدُ في غيره من الشهور، كأنْ تُفتَحَ أبوابُ الجنةِ، وتوصَدَ أبوابُ النارِ، وتُصفّدَ الشياطينُ وتكثرَ فيه أعمالُ الخير والتراحمُ والتعاضدُ والتعاونُ وتتنامى فيه صورُ التكافلِ الاجتماعي والصدقاتُ والزكاة وصلة الأرحام.. فلا أراه إلا مضمارًا للسبق لنيل الفوز العظيم بتدارك ما فات من الأعمال.. وما تجاوز من أوقات.. فهو شهر كريم بابه مشرَعٌ للتائبين العائدين..الذين ضلوا طيلة أشهر السنة.. وكأنما رمضان هو محطة نجيئها محملين بأعباء الحياة وهمومها وشقائها وسلبياتها لنلقي بكل هذه الأحمال من علينا فيها ونستبدلها بالإيجابيات والروحانيات..
وعلى الصعيد الشخصي أجدني أكثر صفاء وهدوءا ومحبة وعطاء واحتواء أكثر من ذي قبل وأراني أكثر التصاقا بملائكية السماء وكأنما لي جناحان عظيمان أبتعد بهما عن الأرضيّين..
* برأيك ما الذي ترينه مميزا في رمضان عن أشهر باقي السنة ؟
ـ نظرا لطقوس رمضان وخصوصيته وانغماس الجمهور الثقافي في أخلاقيات هذا الشهر وعاداته ومبادئه وسلوكاته فإنه من الصعب أن يلتزم المثقفون بحضور الفعاليات الثقافية لتعدد انشغالاتهم والتزاماتهم.. وإنه من باب أولى أن نفي الشهر الفضيل حقه علينا بكل ما فينا من قوة.. ولا أحبذ هذه الفعاليات ألبتة خلال شهر رمضان قبل جائحة كورونا وبعدها بإذن الله.. وإن كان لا بد منها فلتكن في خدمة هذا الشهر لتعزيز قيمه في النفوس.. أما الآن ونحن نشهد ظروف جائحة كورونا فإنني أشعر بحزن شديد وغصة في الحلق مريرة لأننا فقدنا جزءا كبيرا من روح الشهر الفضيل التي ألفناها زمنا وتربينا عليها.. وهنا أدعو الله أن يفرج عن الإنسانية جمعاء ويعافي أمتنا الإسلامية والعربية من شر الوباء والبلاء.
* ماذا تقرئين في شهر رمضان المبارك؟
ـ منذ نعومة أظفاري كنت قد اكتسبت فن الاستماع والإصغاء أكثر من المطالعة والقراءة.. حيث كنت أصغي إلى المناظرات والمحاضرات والدروس الدينية والتفسيرات الفقهية والإعجاز العلمي وقصص الأنبياء وسير السالفين والأولين من خلال برامج التلفزة أو المذياع التي كان يفرضها علينا والدي بطريقة غير مباشرة في ظل أسرتي الكبيرة.. ولأنني الآن أحن إلى تلك الأجواء الرمضانية الدافئة وقد بعثرتها الريح، أجدني أُصنّع الذكرى التي ابتردت أركانها في عروقي وأبحث عنها في تفاصيل الأشياء لأحقق رغبتي في إعادتها ليومي الرمضاني لعلي أعيشها طازجة بطريقتي وإحساسي.