الغد-هآرتس
بقلم: الون بنكاس
يوجد منطق في تصريحات ترامب حول غرين لاند وقناة بنما. والسؤال هو هل توجد لدينا نحن أيضا خطة. في غضون أسبوع تمكن الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب من إصدار تصريحات عدة، تشمل العالم، تتعلق بالدانمارك، أوروبا بشكل عام، بنما، المكسيك وكندا. ترامب أعلن بأن الولايات المتحدة ستقوم بشراء جزيرة "غرين لاند"، الجزيرة الأكبر في العالم، وخلال ذلك قام بتهديد الدانمارك، التي تعتبر "غرين لاند" في مجال إدارتها، بفرض ضريبة حماية مرتفعة عليها إذا رفضت ذلك. "غرين لاند توجد لها أهمية للأمن القومي وحرية الولايات المتحدة"، كتب في صفحته في الشبكات الاجتماعية. الدانمارك أوضح ردا على ذلك أن "غرين لاند" ليست للبيع. وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل باري، أوضح في مقابلة مع "فرانس انتر"، أن الاتحاد الأوروبي لن يسمح لأي دولة بمهاجمة حدوده السيادية.
ترامب أبلغ بنما بأنه ينوي المطالبة مرة أخرى بالسيطرة على قناة بنما. وحتى أنه رفض التعهد بأنه لن يرسل الجيش لتحقيق السيطرة على "غرين لاند" وقناة بنما. "ربما سنضطر إلى فعل شيء ما"، قال. "قناة بنما مهمة جدا بالنسبة لدولتنا. نحن بحاجة إلى غرين لاند من أجل أمننا القومي".
الولايات المتحدة في الحقيقة قامت بحفر هذه القناة في الفترة (1904 – 1914)، لكنها نقلتها في العام 1999 إلى سيادة بنما الكاملة في أعقاب الاتفاق الذي وقع عليه في العام 1977. ترامب قال أيضا إن بنما تجبي رسوما مرتفعة وغير منطقية من السفن التي تأتي من الولايات المتحدة وتجتاز الـ82 كم في القناة، التي تربط بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي، التي تمر فيها بضائع بمبلغ 270 مليارا في السنة. ولتعزيز هذا الادعاء فقد اخترع ترامب قصة لا أساس لها تقول إن بنما سمحت لقوات عسكرية صينية بأن تسيطر على مداخل القناة، الأمر الذي بالطبع يجعل الموضوع "أمنا قوميا". وأعلن أيضا بأنه سيقوم بتغيير اسم خليج المكسيك إلى "خليج أميركا"، يبدو أن هذه خطوة صغيرة، لأنه في نهاية المطاف المكسيك بحسبه هي جزء من أميركا.
ترامب واصل من هناك إلى الشمال. فبعد أن هدد بفرض رسوم حماية بنسبة 25 % على الاستيراد من كندا إلى الولايات المتحدة، بدأ يتحدث عن ضم كندا، وقام بتسميتها "المقاطعة الـ51". بعد ذلك كرر هذه الأقوال عدد من السناتورات وأعضاء الشرف في جوقة عصابة ترامب. أغلبية الجمهوريين في لجنة الخارجية في مجلس النواب نشرت بيانا جريئا: "دولتنا تأسست على يدي المحاربين والباحثين والمكتشفين. نحن قمنا بإخضاع الغرب، (غرب الولايات المتحدة)، وانتصرنا في حربين عالميتين وكنا أول من وضع العلم على سطح القمر. الرئيس ترامب لديه الحلم الأكبر بالنسبة لأميركا. والخوف من الحلم الكبير هو أمر غير أميركي".
هذه الرسالة الدرامية – الكوميدية أضافت إليها اللجنة صورة على الصفحة الأولى في صحيفة "نيويورك بوست" تحت عنوان "عقيدة دونرو (دون، على وزن اسم الرئيس الخامس جيمس مونرو، الذي سميت باسمه عقيدة مونرو في العام 1823، التي تدعي هيمنة الولايات المتحدة على القسم الغربي للكرة الأرضية.
في هذه المرحلة، مثل أي أمر آخر يعلن عنه ترامب، فإنه من غير الواضح إذا كان هذا استعراضا متغطرسا للقوة وإظهارا للعضلات اللفظية الديماغوجية أو خطة عمل مرتبة سيحاول تطبيقها. بالطبع يمكن رفض كل ذلك والاعتقاد بأن هذه التصريحات الشعبوية، القومية واللامعة، ليست فقط صفة شخصية بارزة لترامب، بل هي أسلوب معروف للقادة المستبدين من أجل إثارة نقاش عام، وهم يعرفون أن أقوالهم سيتم اعتبارها في البداية سخيفة وليس لها أي صلة بالواقع. ولكن من وراء إلغاء هذه التصريحات، يمكن إيجاد منطق جيوسياسي في هذه الطلبات فيما يتعلق "بغرين لاند وقناة بنما". تغيير اسم خليج المكسيك يهدف إلى إهانة المكسيك، ليس أكثر من ذلك. والتحدث عن ضم كندا ليس أكثر من محاولة للمس برئيس الوزراء المستقيل جاستن ترودو. المقاطعات العشر والأقاليم الثلاثة لن يتم ضمها بالتأكيد للولايات المتحدة في ولاية ترامب.
خلال الـ249 سنة من وجود الولايات المتحدة هي لم تعتبر نفسها في أي يوم إمبراطورية بمعنى الكلمة الأوروبي. التمدد نحو الغرب، إلى نهر المسيسيبي، كان جزءا من "الزيادة الطبيعية". وشراء منطقة لويزيانا (التي كانت مساحتها أكبر بكثير من ولاية لويزيانا الآن). في فرنسا نابليون في 1803 كان فقط "خلق تواصل جغرافي طبيعي". مبدأ مونرو من العام 1823، الذي وضعه وزير الخارجية جون كوينسي آدمز، الذي أصبح بعد ذلك الرئيس السادس، اعتبر إذن للولايات المتحدة بالعمل كما تشاء في النصف الغربي للكرة الأرضية، لكنه اعتبر من ناحية سكانها مبدئا مناهضا للكولونيالية في أساسه، لأنه أراد صد محاولة بريطانيا وفرنسا وإسبانيا التدخل في القارتين الأميركيتين وخلق مناطق نفوذ منفصلة.
بعد الحرب العالمية الثانية النظام العالمي الذي أقامته الولايات المتحدة في العام 1945، "السلام الأميركي"، جعلها دولة عظمى، تسيطر وتهيمن على الكثير من المناطق في العالم. الطريقة التي كتب فيها تاريخ الولايات المتحدة حدث تعريفها وصورتها الذاتية. الولايات المتحدة، قيل وكتب، هي النموذج الأول في التاريخ لـ"امبراطورية رغم أنفها". هي لا تبحث عن الاحتلال ولا تحتاج إلى التوسع ولا تعمل على استغلال اقتصادي أو تطمح إلى استعباد شعوب ومجموعات. معروف أن الحقيقة معقدة أكثر، بدءا بالحروب ضد الشعب الأصلي في أميركا والتصفية الفعلية لشعب الكومانتشي والاباتشي وشراء ألاسكا في العام 1867، والحرب ضد الفلبينيين في العام 1898، والسيطرة الفعلية على معظم وسط أميركا – لكن بالنسبة لسكان الولايات المتحدة، فإن "الإمبراطورية" و"الكولونيالية" هما مفهومين أوروبيين، وأن الولايات المتحدة قامت بنقيض الحروب الأبدية والاحتلالات الأوروبية.
ما الذي يريده بالضبط ترامب من "غرين لاند"؟. الرئيس اندرو جونسون حاول في العام 1867 إضافة إلى شراء ألاسكا، شراء غرين لاند. يوجد قاسم مشترك آخر بين جونسون وترامب. فكلاهما تم عزله من قبل مجلس النواب بسبب خيانة الأمانة. الدانمارك رفضت. في العام 1946 فحص الرئيس هاري ترومان إذا كانت الدانمارك ستوافق على بيع غرين لاند مقابل 100 مليون دولار، واكتفى بالاتفاق على قاعدة جوية في شمال غرب الجزيرة. في العام 2019، أوضح ترامب للدانمارك بأن "غرين لاند" هي بشكل عام عبء اقتصادي يكلف مبلغ 700 مليون دولار كل سنة، وأنه من الجيد لهم التخلص منها. الدانماركيون وصفوا كلامه بأنه "كلاما سخيفا"، يقتضي بتعديل الدستور في الدانمارك، الأمر الذي لن يحدث. وردا على ذلك قام ترامب بإلغاء زيارته في كوبنهاغن.
الدانماركيون الآن يخشون من أن يعرض ترامب على الـ60 ألف شخص سكان "غرين لاند" مليار دولار مقابل تغيير انتمائهم السياسي، لكن الأمور تغيرت في العقود الأخيرة. في عهد اندرو جونسون لم يكونوا يعرفون أنه توجد في "غرين لاند" معادن نادرة، وفي عهد ترومان التهديد كان الاتحاد السوفييتي سابقا وليس الصين، التي تسيطر الآن على المناطق التي توجد فيها المعادن النادرة في العالم، باستثناء "غرين لاند"، التي هي المكونات الحيوية لصناعة الفضاء، الحاسوب، السيارات، الأجهزة الطبية والأجهزة العلمية.
ترامب الذي خلال سنين سمى الاحتباس الحراري بـ"خدعة صينية"، اكتشف فجأة بأن السيطرة على طرق الملاحة في الدائرة القطبية ستكون ممكنة عند ذوبان جبال الجليد الضخمة. الآن تم تسجيل ارتفاع 37 % في الملاحة البحرية من جنوب القطب الشمالي، الانتقال في البحر من الصين إلى غرب أوروبا اقصر 40 % مقارنة بالإبحار في قناة السويس، التي يمر فيها 60 % من تصدير الصين إلى أوروبا. يبدو أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح للصين بالسيطرة على هذا الممر، ولا سيما في جزيرة كبيرة مثل "غرين لاند"، التي لها أهمية استراتيجية لخطوط الملاحة في المضائق الكبيرة بين "غرين لاند" وآيسلاندا، وبين آيسلاندا واسكتلندا.
يمكن إيجاد منطق جيوسياسي في تصريحات ترامب المنمقة إذا نظرنا إليها بعناية. المشكلة هي في الفجوة بين تصريحاته وترجمتها إلى سياسة مرتبة. هذا صحيح فيما يتعلق بكوريا الشمالية، إيران والصين، وربما يسري ذلك أيضا على "غرين لاند وقناة بنما".