عمان - الغد - يرتبط الزي الشعبي لأي بلد، بالتراث الذي يعد أحد أهم المقومات لتكوين الحضارة، بل يعد جزءا من العادات والتقاليد، ما جعل أفراد ومؤسسات وهيئات، تتمسك بجذورها التاريخية في الحفاظ على هذا الإرث المكمل للشخصية الوطنية.
ويضفي الزي الشعبي لمدينة الرمثا على الستينية أم عواد جمالا مختلفا، إذ يتكون من ثوب الحبر، وغطاء الرأس ذي الألوان والرسومات المتعددة، وكذلك غطاء الصدر. هذا الزي بتفاصيله العريقة، يحمل الكثير من الرمزية التي تحترمها أم عواد التي تقول "في كل قطعة من تصاميم الزي الشعبي تجتمع قصة، فالزي الأردني يختلف في الثوب عامة وفي "المدرقة، والموديل والتطريز واللون وغطاء الرأس والقمطة، فكلها تراث عريق ولكل منها رمزيته".
وتجد أم عواد، أن الزي الأردني بشكل عام، مرتبط ارتباطا عميقا بالأرض والتراث والتاريخ، لأنه مستوحى من البيئة المحيطة، مثل الزهور وأوراق الشجر، وسنابل القمح، وأشكال الطيور، وتعرج الجبال، ووديانها وسهولها وبواديها.
وتدل ألوان الثوب الأردني حسب قولها، على عمر المرأة، فالعُصبة الحمراء ترتديها المرأة الشابة، والعصبة السوداء ترتديها المرأة المتقدمة في السن، كما ترتدي المرأة الشابة المتزوجة ثوبا مزخرفا بألوان مختلفة عن ثوب المرأة العزباء وبحسب المنطقة.
خبير التراث نايف النوايسة يؤكد أن لكل أمة هويتها، تتجلى عناصرها من خلال مظاهر أصبحت تراثية فيما بعد، سواء كانت تتعلق بالتراث المادي أو التراث غير المادي.
ويوضح أن التراث غير المادي، يتشعب منه الأدب الشعبي والفنون الشعبية والتقاليد، أما التراث غير المادي، فيتمثل بالزي الشعبي، الذي يعد من أهم مظاهر التراث غير المادي كما صنفته اليونسكو أو المنظمة العربية للثقافة والعلوم والتربية.
الخمسينية أم أحمد من قضاء مدينة القدس، ماتزال متمسكة بارتداء ثوبها الفلسطيني منذ كانت شابة، وأثناء تنقلها من بلد لآخر، لما يمثل لها من هوية وجود إنساني وتاريخ وحضارة.
ويتميز الثوب الفلسطيني لمدينتها، بحسب ما تقول، بوجود علامات لكل العصور التي مرت على القدس، "وبشكل عام فإن آثار النكبة تظهر على الثوب، فالحزن والحنين والأسى تسجل على خطوطه، من خلال اختيار الألوان الداكنة".
وتستعيد جلسات التطريز في بلدتها عندما كانت وصديقاتها يجتمعن ويتنافسن في رسم الثوب، "فهناك مسميات للعروق التي تطرز على الثوب، فمنها عرق الحصان، وعرق الولد، والهدهد، والمناجل، إضافة لجمالية ثوب "الملكة" المطرز بخيوط القصب" كما تصف.
وتقول" ظهر الوعي الفلسطيني بالثوب المطرز من جديد، وبدأت المرأة الفلسطينية بإعادة إحياء تطريز الثوب، ونشره من جديد بين أبناء الشعب في الداخل والشتات".
ويرى النوايسة، أن زي المرأة في الأردن يقترب من الزي الفلسطيني في التطريز، وكذلك بنوع القماش ولونه، ونوع المخمل أو "الدبيق"، لكنه يشير إلى أن المرأة الأردنية عرفت بثوب (العب)، وطول هذا الثوب تقريبا 15 ذراعا، وتلبسه بعد أن تطويه لعدة طويات بواسطة الحزام.
ويشير إلى النسيج الذي يتكون منه الثوب، فالحزام من الصوف (المذيع) وهو ما نسج من الصوف والشعر، وتطرز عليه بعض المطرزات النباتية أو الهندسية، وهناك زي النساء (المدرقة) وهي للمناسبات، وتجتهد المرأة في الأردن على أن يكون التطريز عليها جميلا.
أما غطاء الرأس بالنسبة للسيدات فهو "العصبة" التي تتكون من العصبة والمحرمة والمقنعة، "فالمحرمة بيضاء اللون في الحالات العادية، وفي حالةش وفاة زوج المرأة فتلبس محرمة سوداء أو زرقاء"، بحسب النوايسة.
وتلبس الشابات "الشطفة"، وهي عبارة عن منديل من "الجورجيت"، وتعصبه الشابة على كامل رأسها، وتربطه من الخلف بشكل جميل.
ويشير النوايسة الى الزي الشعبي في منطقة السلط، الذي يمتاز بالحطة السلطية التي تلبس على الرأس، وتكون ملونة، وإذا خرجت السيدة بكامل لباسها تلبس "الجبة"، وهي عبارة عن (جاكيت)، وتكون ملونة إما بالأخضر أو الأزرق وتلبس السروال.
وتنسج الستينية أم خالد بيدها الثوب الفلسطيني لمدينتها الرملة الذي تبدع به، مؤكدة أن المرحلة الحالية تشهد اهتماما متزايدا بالثوب الفلسطيني، وبشكل لافت للنظر، عازية ذلك إلى "ما يجري حاليا على الأرض والرغبة بالتمسك ولو بأبسط الأمور التي تربطنا بالوطن المفقود".
وتؤكد أن المحافظة على ارتداء الثوب الفلسطيني يعد بمثابة إحياء للعادات الفلسطينية القديمة، وهذا ما جعلها تقوم تطريز ثوب لابنتها التي ارتدته في ليلة زفافها (الحنة)، ونال إعجاب جميع الصبايا، موضحة "حتى إن صديقاتي لا يحضرن حفلات الزفاف إلا بالثوب الفلسطيني المطرز".
وترى أنه من واجب الجيل الجديد أن يتعلم، حيث يرتدي الأجداد الثوب الفلسطيني في أغلب المناسبات، والبحث عن تطوير هذا الثوب من حيث اللون والقماش، من دون المساس بأصل الثوب حتى يبقى رمزا للأرض المسلوبة.
وتقول "إن ثوب العروس التراثي يعبر عن الخصب، وكانوا يطلقون عليه (الثوب الخضاري)، أي الثوب الأخضر"، وهناك أغنية تراثية تقول "خضاري يمه خضاري لبس الصبايا خضاري".
ويرى النوايسة أن الثوب الذي تلبسه المرأة الفلسطينية يتم تطريزه بشكل جميل، ويتم فيه مراعاة التقاليد القديمة المتعلقة بالتطريز، التي أصبحت ترتبط بالهم الفلسطيني.
ومن شروط هذا الثوب، وفق النوايسة، أن تلبس السيدة الفلسطينية على وسطها "الحزام" وهو من القماش، ويختلف شكل الزي ببعض التفصيلات من منطقة لأخرى.
الاختصاصي الاجتماعي حسين خزاعي، يؤكد أهمية التنشئة الاجتماعية في المحافظة على الزي الشعبي الذي يتوارث عن الأهل، ومن جيل إلى آخر، مبينا أن اللباس له دلالات ومعان وطنية وقومية، ارتبطت بالأرض والهوية والمكان، فالزي يمثل أجيالا ومناطق ومجتمعات كاملة.
يقول الخزاعي "إن ارتباط الزي بالمجتمع المكاني ورمزية هذا المكان، تثير السؤال لدى الجيل الحالي بطرح القضية التراثية، فعند التحدث مع كبار السن عن هذا اللباس نجد أنهم يعتزون به، والسعادة تغمر وجوههم بالحديث عنه".
ويؤكد النوايسة أن الارتباط بالزي الشعبي، يمثل جوهر تراثنا، وبخاصة بالتزامه باللون الأسود، باعتباره لونا غير شفاف، وقريب من مزاج الإنسان الأردني والفلسطيني، الذي عانى كثيرا من الويلات والأحزان.