عامر الصمادي... فارس الحرف وذاكرة الإعلام الأردني"| بقلم الدكتور زيد أحمد المحيسن
سوشيال ميديا -
د. زيد احمد المحيسن
في مساءٍ بهيّ من مساءات عمّان، وعند الساعة السابعة من مساء الثلاثاء الموافق 19 آب 2025، كان منتدى البيت العربي الثقافي على موعدٍ مع حضورٍ نخبوي، جاء ليستمع ويحتفي، لا برجلٍ عادي، بل بأحد أعمدة الإعلام الأردني الذين حملوا الكلمة أمانة، وصاغوها بمداد الانتماء، ووشّحوها بوشاح الصدق والمهنية. إنه الإعلامي الكبير الدكتور عامر الصمادي، الذي ارتحل في فضاءات الإعلام لأكثر من خمسة وأربعين عامًا، تنقّل خلالها بين التلفزيون الأردني، والإذاعة، والصحافة، والترجمة، والمشاريع الإعلامية في الداخل والخارج.
وقد أدار هذه الأمسية الكاتب الصحفي القدير الأستاذ محمود الداوود، الذي أبدع في فتح صفحات حياة الدكتور الصمادي، صفحةً تلو الأخرى، بأسلوبه العميق، وقراءته الواعية، فغاص في أعماق تجربته، تاريخًا ومعلومات، ليستخرج من الذاكرة ما خفي، ويعيد تقديمه للحضور بمهنية المحاور الخبير، ودفء العارف، على مدى ساعتين متواصلتين من الحوار الثرّي والمفتوح.
لم تكن أسئلة الأستاذ الداوود نمطية، بل كانت رحلة استكشافية في وعي رجلٍ كان شاهدًا على تحولات الإعلام الأردني والعربي، وصانعًا في بعض مفاصله. وقد التقط الصمادي خيط الحوار، لينسج منه سردًا حيًا، مفعمًا بالمواقف، والعبر، والتفاصيل التي تلامس الوجدان.
وفي معرض حديثه، أضاء الدكتور الصمادي على مؤلفاته، وعلى رأسها الكتاب المرجعي المهم "إعلاميون في سماء الأردن"، الذي يُعدّ شهادة موثقة لأجيالٍ من الإعلاميين الذين أسهموا في تشكيل هوية الإعلام الوطني. كما تطرّق إلى مؤلفاته الأخرى التي تنوعت بين الإعلام، والسياسة، والترجمة، وأدب السيرة، مؤكدًا أن الكتابة هي الامتداد الطبيعي للإعلامي الحقيقي، الذي لا يتوقف عطاؤه عند حدود الشاشة أو الميكروفون.
خلال هذه الأمسية، لم يكن الحديث عن تجربة فرد، بل عن جيلٍ كامل من فرسان الكلمة الذين لم تمنعهم محدودية الموارد ولا قسوة الظروف من أن يكونوا حراسًا للكلمة الحرة، وجنودًا في معركة الوعي، في وجه كل محاولات التشويه والتضليل. لقد جسّد الدكتور الصمادي بتجربته، وبما رواه من محطات ومواقف، صورة الإعلامي الذي لا يساوم، والذي يرى في الكلمة مسؤولية وطنية قبل أن تكون مهنة.
ومن السابعة حتى التاسعة مساءً، ظل الحضور مأخوذًا بسحر الحكاية وعمق الحوار، يتنقّلون مع المحاور والمحاور بين محطات الزمن الجميل، وأروقة التلفزيون، واستوديوهات الإذاعة، وصفحات الجرائد، ومواقف ظلّت راسخة في الذاكرة الجمعية للإعلام الأردني.
وقد اختُتم اللقاء بلحظة وفاء واعتراف، حيث قام رئيس منتدى البيت العربي الثقافي السيد صالح الجعافرة، وبحضور السفير صقر الملكاوي، بتقديم شهادة تقدير وتكريم خاصة للدكتور عامر الصمادي، تعبيرًا عن الامتنان لمسيرته الطويلة، وعرفانًا لإسهاماته الكبيرة في رفعة الإعلام الوطني. لحظة كانت عاطفية بامتياز، امتزجت فيها مشاعر الاعتزاز بالعرفان، وارتسمت فيها ابتسامة الصمادي كأنها تقول: "ما أجمل أن تُكرَّم في حياتك، بين أهلك ومحبيك."
لقد نجح منتدى البيت العربي الثقافي، مرة أخرى، في أن يكون منصة وفاء وتكريم، حين جمع تحت سقفه ذاكرةً حيّةً من ذاكرات الوطن. وكانت هذه الأمسية تحديدًا لوحة محبة واحتفال وتقدير، سطّرها صوت الدكتور الصمادي، وحنكة الأستاذ محمود الدوود، ووفاء المؤسّسة الثقافية التي احتضنتها.
وفي الختام، نقف احترامًا لرجلٍ لم يتغيّر، رغم تغير الأزمنة، وبقي وفيًّا لكلمته، لوطنه، ولمهنته التي أحبّها بصدق.
هنيئًا لك، د. عامر الصمادي، هذا التاريخ المشرف،
وهنيئًا لنا بك، ذاكرةً حيّة وضميرًا إعلاميًّا نقيًّا