الغد
هآرتس
بقلم: جدعون ليفي
هذه الظاهرة تقريبا شبه مجهولة في العالم: في إسرائيل اليسار هو العقلية المحافظة، المتحجرة، المترددة، المخادعة والجبانة، بينما اليمين هو الثوري، منفلت العقال الذي لا يتساوى لسانه مع قلبه. في العادة، يؤدي تطرف اليمين إلى تشدد اليسار، ولكن في إسرائيل فالعكس هو الصحيح. فعندما يتطرف اليمين فإن اليسار يميل نحو الوسط، ويلف الغموض مواقفه، ويسير على خطى اليمين ويحاول تقليده ويخسر كل شيء.
عندما تولى دونالد ترامب السلطة في الولايات المتحدة، لم يتأخر رد فعل اليسار: لقد أصبح المعسكر الليبرالي أكثر تقدمية. وعندما تولت الكهانية السلطة في البلاد، لم يصبح اليسار أكثر تشددا فحسب، بل حاول الاقتراب من مواقفها. وعندما تقدم حكومة نتنياهو اقتراحا ينكر قيام الدولة الفلسطينية ينضم المعسكر الآخر على الأغلب إليه، وعندما تصوت الكنيست على عقوبة الإعدام، أحد أكثر مشاريع القوانين فاشية وعنصرية، لم يكن المعسكر المعارض موجودا، والرد على الكهانية كان متعثرا، التي أصبحت أكبر حركة شعبية في إسرائيل منذ 7 أكتوبر، كما لاحظت رفيت هيخت وبحق في صحيفة "هآرتس" أول من أمس، تلعب الآن ضد مرمى فارغا. بدلا من أن يرد اليسار بتشديد مواقفه هو يستجيب بالارتباك ويجعل مواقفه غامضة. اليسار المحافظ تجمد في مكانه.
لا يوجد موقف يميني متطرف لا يعتبر موقفا شرعيا، ومن جهة أخرى، لم يعد هناك يسارا يعتبر شرعيا. كل تلعثم نصف يساري هو خيانة. استمعوا إلى الاستوديوهات: لن تسمعوا صوتا تخريبيا فيها. هذا الوضع خلقه اليسار والإعلام. اقترحوا أي جريمة حرب، من التطهير إلى الإبادة، وسيتم مناقشتها باعتبارها مشروعة. اقترحوا مسار عمل أخلاقي وديمقراطي وإنساني، أو مسارا متوافقا مع القانون الدولي – سيتم إسكاتكم. اليسار والوسط اللذان كان ينبغي أن يكونا متشددين، مثلما هي الحال في أميركا، يتلعثمان خوفا. اليمين يؤيد الإبادة الجماعية والتهجير. وماذا يقترح اليسار؟.
الفظائع في الجنوب والحرب في غزة، منحتا الدعم لكل نزوة فاشية هستيرية: استيطان في غزة، ترحيل إلى السودان، إعدام، تعذيب، ضرب وتدمير. كان متوقعا أن يقدم اليسار اقتراحات مضادة لا تقل تطرفا. ولكن هذا ليس ما كان في إسرائيل. كان هناك صمت تجاه كل اليمين. سنتان لم يتبين فيهما ما إذا كان المعسكر غير اليميني مع هذه الحرب أم ضدها؛ إذا كان يعترف بوجود الإبادة الجماعية أو يعتبرها دفاعا عن النفس؛ إذا كان لديه اقتراح لحل مشكلة غزة وما هو؛ إذا كان يؤيد الحوار مع حماس وإرسال قوة متعددة الجنسيات وإطلاق سراح مروان البرغوثي وتوفير ظروف إنسانية للسجناء والرهائن الفلسطينيين؟ البقاء في غزة؟ مغادرة غزة؟ هل يؤيد منطقة عازلة؟ مجرد صمت مطبق على شفا الهاوية. كل ما لديه هو "ذهاب نتنياهو إلى البيت"، هذا كل شيء.
مع يسار كهذا، نحن لسنا بحاجة إلى يمين. أيضا لا يهم وبحق فوزه. مع يسار كهذا، قد تكون فرصة الفوز ضئيلة – من يحتاجه أصلا؟ بمجرد سيطرة الكهانية على الخطاب كان يجب طرح خطابا بديلا، خطابا لا يقل تطرفا عن اليمين. كان على اليسار أن يبني أيديولوجيا كهانية خاصة به، حادة وواضحة، لا تشمل الجرائم التي رافقت الخطاب الأصلي.
إن حربا مثل الحرب الأخيرة، كان يجب أن تنمي فينا خطابا يتناول المواضيع الرئيسية ولا ينشغل بالمواضيع التافهة. معسكر يقول نحن جربنا طريق اليمين وهي قادتنا إلى المهالك. وهاكم البديل، يجب الخروج من غزة على الفور والمساعدة في إعادة إعمارها، يجب وقف المذابح في الضفة الغربية وفتحها أمام الحركة والعمل في إسرائيل، وفتح غزة أيضا. وأن يتم اقتراح خطة لإنهاء الاحتلال والتحاور مع من هو مستعد لذلك – مع البرغوثي أولا. أن يتم اقتراح نهج يختلف عن نهج كهانا والنضال من أجله. إعادة إضفاء الشرعية على المواقف الأخلاقية – هذا بديل حقيقي.