Wednesday 6th of August 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Aug-2025

ما الذي أعاق اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين حتى اليوم؟
جريدة الغد -
دونالد ماكنتاير* - (الإندبندنت) -
 
على الرغم من أن المملكة المتحدة أيدت حل الدولتين على مدى العقود الماضية منذ صدور "وعد بلفور" في العام 1917، فإن الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين تأخر لأكثر من قرن بسبب التعقيدات السياسية؛ وتوسع الاحتلال الإسرائيلي وغياب مفاوضات فاعلة، مما جعل من هذا الاعتراف خطوة رمزية أكثر منها واقعية حتى اليوم.
 
*   *   *
يطرح قرار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الاعتراف بدولة فلسطين -ما لم توافق إسرائيل على وقف لإطلاق النار في قطاع غزة- سؤالاً بديهياً. والسؤال ليس "لماذا"؟ على مدى عقود من الزمن، ظل حل الدولتين الذي يقضي بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، سياسة متبعة لدى الحكومات البريطانية المتعاقبة، وحظي بتأييد غالبية أعضاء "مجلس العموم" البريطاني قبل 11 عاماً.
السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرح الآن هو: لماذا استغرق اتخاذ القرار كل هذا الوقت؟ يؤكد الإعلان الذي صدر يوم الأربعاء، 30 تموز (يوليو)، عقب اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، أن بريطانيا التي باتت محبطة من استمرار الأزمة في غزة، وتلاشي فرص التوصل إلى حل الدولتين عبر التفاوض، ستعترف رسمياً بدولة فلسطين في أيلول (سبتمبر) المقبل.
كثيراً ما اضطلعت بريطانيا بدور محوري في مرحلة ما قبل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني الراهن، بدءاً بـ"إعلان بلفور" الصادر في العام 1917. في رسالة وجهها وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور، إلى اللورد روتشيلد (المصرفي اليهودي البريطاني الذي عرف بدعمه للحركة الصهيونية)، تعهدت لندن بدعم إنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، وهو ما مهد فعلياً لقيام دولة إسرائيل في وقت لاحق.
وبينما يرى كثير من الفلسطينيين -عن حق- في ذلك الإعلان سبباً جذرياً لما لحق بهم من معاناة، فإن "وعد بلفور" لم يكُن سوى مناورة دبلوماسية مبهمة، لم تصرح بوضوح بإنشاء دولة يهودية في فلسطين التي كانت ما تزال في ذلك الحين جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. لكنّ تلك الأرض سرعان ما آلت إلى السيطرة البريطانية عقب انتصار الجنرال ألنبي على القوات العثمانية خلال "الحرب العالمية الأولى".
علاوة على ذلك، نص "وعد بلفور" على أنه "لن يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه المساس بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين" -وهي طريقة غريبة لوصف السكان العرب الذين كانوا يشكلون الغالبية الساحقة آنذاك. ولم يوضح الإعلان كيف سيجري ضمان هذه الحماية.
مع ذلك، فإن هذا لا يغير حقيقة أن الشرط ما يزال يمثل -الآن بعد أكثر من قرن من الزمن- المهمة الكبرى التي لم يتمكن "إعلان بلفور" من إنجازها.
في نقلة سريعة إلى أيار (مايو) من العام 1948، أدى إعلان أول رئيس لوزراء إسرائيل، ديفيد بن غوريون، عن قيام دولة مستقلة -بعد اتخاذ بريطانيا قراراً سريعاً بالتخلي عن السيطرة على الأراضي التي كلفتها "عصبة الأمم" بإدارتها في العام 1920، فضلاً عن نجاح الجيش الإسرائيلي في الدفاع عن الدولة الجديدة ضد غزو قامت به خمس دول عربية مجاورة- إلى سيطرة الدولة الجديدة على نحو 78 في المائة مما كان يُعرف في السابق بـ"فلسطين الانتدابية" التي كانت خاضعة للإدارة البريطانية.
من هنا يمكن القول إن "إعلان بلفور"، مع قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين -إحداهما عربية والأخرى يهودية- أسسا لصراع طويل الأمد، والذي ما تزال آثاره تترك ندوباً عميقة في منطقة الشرق الأوسط. لكنَّ ما أعقب تلك المرحلة من تطورات هو ما يفسر فعلياً لماذا لم يتحقق حتى اليوم اعتراف بريطانيا الرسمي بدولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.
على مدى أكثر من نصف قرن، لم تتوقف الحكومات الغربية -بما فيها بريطانيا- عن إعلان دعمها لإنشاء دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، غير أن حرب العام 1967، المعروفة بـ"حرب الأيام الستة"، شكلت نقطة تحول. وبينما دعا القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي إلى انسحاب إسرائيل في مقابل اعتراف الدول العربية بها، إلا أن الانسحاب والاعتراف لم يتحققا على الإطلاق.
في تلك المرحلة، كان الفلسطينيون ما يزالون يطمحون إلى تحقيق السيادة على كامل أراضي فلسطين التاريخية، بما فيها المناطق التي كانت أصبحت بالفعل منذ ما يقرب من 20 عاماً، جزءاً من دولة إسرائيل، والتي كانت قد شهدت تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني في ما عرف لاحقاً باسم "النكبة".
بالنسبة لإسرائيل، بدلاً من الانسحاب من الأراضي التي سيطرت عليها خلال الحروب، مضت في تعزيز وجودها من خلال بناء واسع النطاق للمستوطنات، حتى أصبح أكثر من 620 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون اليوم في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وفي الآونة الأخيرة، أعرب بعض من أكثر أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو تطرفاً عن رغبتهم في تنفيذ خطة مشابهة تقضي بإعادة توطين إسرائيليين داخل قطاع غزة.
في العام 1988، أجرت القيادة الفلسطينية تحولاً جذرياً في نهجها السياسي، لجهة ما عرف بـ"التسوية التاريخية"، فأعلنت "منظمة التحرير الفلسطينية"، بقيادة ياسر عرفات، تخليها عن المطالبة بكامل أراضي فلسطين التاريخية، واقتصرت طموحاتها على استعادة السيادة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967. ومنذ ذلك الحين، تمحورت جميع المفاوضات -من "اتفاق أوسلو" في العام 1993 إلى محادثات "كامب ديفيد" في العام 2000، وصولاً إلى التفاهمات السرية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس- حول صيغة حل الدولتين، بحيث تعيش إسرائيل جنباً إلى جنب مع فلسطين.
وبعد هذه "التسوية التاريخية" بفترة قصيرة، سارعت 78 دولة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية الجديدة. واليوم، ارتفع عدد الدول التي أعلنت اعترافها الرسمي بدولة فلسطين إلى 147.
ثم أخيرًا، في شهر تموز (يوليو) -وبعد مرور أكثر من عقد على اعتراف السويد بفلسطين كأول دولة في الاتحاد الأوروبي تفعل ذلك، في خطوة حذت حذوها كل من إيرلندا وإسبانيا والنرويج العام الماضي- أصبح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول زعيم دولة من "مجموعة الدول السبع"، يتعهد بالسعي إلى الاعتراف بدولة فلسطين في "الجمعية العمومية للأمم المتحدة" في أيلول (سبتمبر) المقبل.
لكن، وكما يؤكد -محقون- منتقدو هذا الاعتراف بصورة متكررة، فإن الاعتراف بدولة فلسطين التي تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، يظل مسألة نظرية في الأساس، لأنه وسط غياب عملية سلام ناجحة، لا توجد دولة يمكن الاعتراف بها من الأساس.
على الرغم من أن السلطة الفلسطينية تمكنت في العام 2012 من الحصول على صفة "مراقب" في الأمم المتحدة -على غرار المرتبة الممنوحة للفاتيكان، فإنها لا تمتلك حق التصويت. كما أن الولايات المتحدة استخدمت باستمرار حقها في النقض (فيتو) لتعطيل مساعي منح فلسطين عضوية كاملة في المنظمة الدولية. وحتى في نيسان (أبريل) الماضي، امتنعت بريطانيا عن التصويت على قرار في مجلس الأمن يدعو إلى قبول فلسطين عضواً في منظمة الأمم المتحدة.
مع ذلك، فإن خطوة فرنسا -التي مهدت لإعلان كير ستارمر اليوم عما يشبه "خريطة طريق"، بعد محادثات أجراها مع الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس- لا يمكن اعتبارها انتقالة شكلية، بل إنها تعكس تصاعد الغضب الدولي من حجم المجازر والمجاعة التي تسببت بها إسرائيل في غزة، رداً على الهجمات الدامية التي نفذتها حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) في العام 2023، والتي أسفرت عن مقتل 1.200 إسرائيلي وأسر 251 شخصاً. ويقال إن ماكرون تأثر على نحو خاص بشهادات ناجين فلسطينيين التقاهم خلال زيارته لمصر في نيسان (أبريل) الماضي.
في المقابل، فإن انضمام فرنسا إلى المملكة العربية السعودية في رعاية قمة الأمم المتحدة في نيويورك بهدف إحياء مفاوضات حل الدولتين، يبعث برسالة سياسية واضحة إلى القيادة الإسرائيلية. كما يذكّر بأن الرياض كانت قد تعهدت منذ العام 2002 بالاعتراف بإسرائيل -كما فعلت جارتان لإسرائيل من قبل- وإنما بشرط أن توافق على العودة إلى حدود ما قبل العام 1967.
يبقى السؤال: هل يحدث اعتراف بريطانيا المتأخر بدولة فلسطين فارقاً فعلياً؟ من المؤكد أنه سيعزز موقف الذين يأملون في تغيير الحسابات السياسية في واشنطن، كما أنه يشكل خطوة نحو الاعتراف بالدور التاريخي الذي اضطلعت به المملكة المتحدة ومسؤوليتها في المنطقة. ولا يسعنا إلا أن نأمل في أن يسهم ذلك في الدفع نحو حل صراع طال أمده، والذي لم تكُن المآسي التي تشهدها غزة من مجازر ودمار وتجويع، إلا آخر فصوله الكارثية -وربما أكثرها فداحة.
 
*د. دونالد ماكنتاير Donald Macintyre: صحفي بريطاني بارز ومراسل سابق لصحيفة الإندبندنت في القدس. عمل سابقًا لصحف "فاينانشال تايمز" و"التايمز" و"الإندبندنت أون صنداي"، واشتهر بتغطيته المعمقة للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. ألّف كتابًا بعنوان "غزة: الاستعداد لبزوغ الفجر" Gaza: Preparing for Dawn.