الغد
هآرتس
بقلم: تسفي برئيل
عندما سيعود المخطوفون وتتبين تفاصيل "الصفقة" التي يبحث فيها وفدا حماس وإسرائيل في مصر، فإن السؤال الذي يغلي عليه الدم والذي ينبغي أن يطرح سيكون "لماذا لم يفعلوا هذا من قبل؟" قبل شهرين، نصف سنة وحتى سنة، حين كان بعض من المخطوفين ممن سيعودون في التوابيت ما يزالون على قيد الحياة. ووفقا للتقارير فإن المباحثات تتركز على أقل من دزينة سجناء مؤبدين فلسطينيين "ثقيلين" – قتلوا عشرات اليهود، بعثوا بمقاتلين وفجروا عبوات – وعلى ترسيم مجال الانسحاب الإسرائيلي. هذه هي مرحلة " البيع بالمفرق" في المفاوضات، والتي يريد فيها كل طرف أن يحقق شيئا ما آخر، ويظهر بأنه لا يتنازل، يستعرض العضلات بعد أن سبق أن كان حسم في مباراة إنزال الأيدي. إذ لاحظنا هي لم تكن بين إسرائيل وحماس بل بين نتنياهو وترامب – الذي قرر، بتأخير مجنون الوقوف إلى جانب الجمهور الإسرائيلي.
نتنياهو، كما ينبغي الاعتراف أدار صراعا بطوليا أمام خصم عنيد ومصمم. كانت لحظات خيل فيها بأن هذا الخصم يوشك على الفوز وكان ينجح في حشر نتنياهو في زاوية الحبال في الحلبة، والتي يصعب النجاة منها. لكن في كل مرة أبدى رئيس الوزراء قدراته الهائلة، وذكاءه وكفاءاته التي اكتسبت على مدى سنوات من التدريب وجولات المعارك، وبحركات رقص مذهلة نجح في التملص من العناق الخانق للخصم.
اسم هذا الخصم ليس حماس ولا حتى ترامب. اسمه هو "الجمهور الإسرائيلي". لقد نجح نتنياهو في أن يلقي به إلى الأرضية في كل مرة بدا فيها ينهض على قدميه. الآن ايضا، وربما بالذات الآن حين يخيل أن كل شيء منتهِ والجمهور يوشك على الفوز، ليحقق تطلعه للحصول على مخطوفيه، لينهي الحرب ويبدأ بإعادة تأهيل نفسه بعد سنتين من الخراب – مطلوب حذر متحفز ويقظة متوترة خشية أن تتحطم الصفقة لأن نتنياهو سيحاول أن يبتز "صورة نصر" صغيرة أخرى ويرفض تحرير مروان البرغوثي، حسن سلامة، أحمد سعدات، أربعة أو خمسة "رموز فلسطينيين" آخرين محكومين معا بعقوبات سجن بمئات السنين.
وممَ الخوف؟ أن يبعث هؤلاء السجناء إلى الحياة حماس فيجتاحوا مرة أخرى بلدات إسرائيل؟ فـ "طوفان الأقصى" لم ينتظر تحريرهم كي يقتحم الاسيجة ويحتل بلدات الغلاف، وحسب نتنياهو، فإن حماس سحقت منذ الآن وصفيت بضع مرات. أم لعل مضاجعه تقض خوفا من أن يرفع هؤلاء السجناء، وبخاصة البرغوثي مع تحريره علم الثورة الوطنية الفلسطينية فيقيمون الدولة الفلسطينية التي نالت اعتراف العالم كله؟
غير أن هذا الخوف يشهد أكثر من أي شيء آخر على أن مكوثهم بالذات في السجن عظم أهمية ومكانة هؤلاء السجناء لدرجة أننا إذا تخلينا عنهم "سيقتطع" الإنجاز الهائل الذي حققناه في تصفية إسماعيل هنية، محمد ضيف ويحيى السوار.
كاذبة ومضللة بقدر لا يقل هي المساومة على عمق الانسحاب وعلى عرض الشريط الفاصل، ذاك الشريط من الأرض المحروقة التي يفترض بها أن تحمل بلدات غلاف غزة من اجتياح جديد. فالسؤال ذي الصلة ليس إذا كان الشريط الفاصل سيحمي إسرائيل، بل هل كان مثل هذا الشريط الفاصل كان ينجح في حماية إسرائيل في 7 أكتوبر، حين كان الجيش، الشاباك و"المستوى السياسي" كما يصفه نتنياهو، ينامون تغطيهم بطانية المفهوم المغلوط الدافئة، كما أنهم محميون بشريط فصل من العمى. فجيش متحفز وقيادة واعية لا تنشغل برؤى مسيحانية لا يحتاجون لحزام أمني بل لعيون ترى بوضوح.
دزينة سجناء فلسطينيين مهما كانوا "ثقيلين" وشريط فاصل واسع وفاخر ليسوا إنجازات ولا انتصارات، والتخلي عنهم ليس "ثمنا" تدفعه إسرائيل على تحرير المخطوفين. فالثمن الرهيب سبق لإسرائيل ان دفعته، وهو سيكون مضاعفا اذا لم تحصل على المقابل – 48 مخطوفيها، الذين فقط مع عودتهم يمكنها أن تبدأ بترميم نفسها.