Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Jun-2020

المسؤولية الاجتماعية للفن

 الدستور-د. غسان إسماعيل عبد الخالق

إذا كان النظام الأمريكي أخفق سياسيا واقتصاديا في احتواء جائحة الكورونا، فإن مجتمع الفن والإعلام الأمريكي نجح في الاضطلاع بدوره المنشود على صعيد التخفيف من آثار الوباء اجتماعيا.
وقبل أن أعرض ملامح هذا النجاح، أود أن أسترعي أنظار القرّاء الأعزاء، إلى ضرورة الفصل بين انطباعاتنا العامة عن هذا الفنان أو ذاك -بسبب أدائه أو نمط حياته- وبين تقييمنا لمدى وفائه بتأدية رسالته العامة.
وما يدعوني إلى هذا الاستدراك، معرفتي بأن كثيرا من فناني أميركا قد يبدون لنا أشخاصا مهووسين أو غريبي الأطوار، لكننا إذا تجاوزنا هذه الصورة النمطية، فسوف يتكشف لنا المشهد الفني الأمريكي -أثناء الجائحة- عن كثير مما يستحق الإعجاب.
لقد أعجبني فعلا، مسارعة كثير من الفنانين الأمريكيين للتواصل مع الجمهور العام، عبر كل الوسائل التكنولوجية المتاحة، وإصرارهم على إشراك الجمهور والتسرية عنه، بالنكتة تارة وبالموسيقى أو الأغنية المرتجلة تارة ثانية وبالمشاهد التمثيلية التلقائية تارة ثالثة.
وبعد أن تبين للجميع أن تجربة الحجر المنزلي ستطول كثيرا، وأن الملايين من متوسطي الدخل والفقراء قد فقدوا وظائفهم وأعمالهم، فضلا عن بروز الحاجة الماسة لدعم القطاع الصحي ماديا ومعنويا، تسابق الفنانون الأمريكيون لإطلاق مبادرات أقل ما يقال عنها إنها نبيلة وإنسانية، إلى درجة أن بعض الفنانات أقدمن على حياكة قفّازات أو كمّامات أو أوشحة، وعرضنها للبيع عبر شبكة الإنترنت، وجنين أرباحا طائلة ذهبت كلها لدعم المحتاجين والفقراء والمتطوعين ومراكز العلاج الصحي. بل إن غير قليل من الفنانين أقدموا أيضا على التكفل بدفع رواتب موظفي بعض المؤسسات التي لم تستطع الوفاء برواتب موظفيها، للتعبير عن امتنانهم لموظفي هذه المؤسسات التي طالما وقفت من وراء نجاحهم ونجوميتهم وشهرتهم في أوقات الرخاء.
ولعل أكثر ما يدعو المتابع للإعجاب بهؤلاء الفنانين الذين لم يدخروا وسعا أيضا لإدانة عنصرية الشرطة الأمريكية -بعد إقدام أحد أفرادها البيض على خنق مواطن أسود- مراعاتهم البروز لجمهورهم بخلفيات منزلية بسيطة جدا ومتقشفة، فضلا عن ارتداء ملابس عادية، بعيدا عن أي مظهر من مظاهر الفخامة أو الترف، وذلك للتعبير عن تعاطفهم الشديد مع الفقراء والمحتاجين الذين يقطنون بيوتا متواضعة، وقد لا يجدون ما يأكلونه أيضا. ومجمل القول في مواقف وآراء هؤلاء الفنانين، ممثلين ومغنين ومخرجين ومقدمي برامج وعارضي أزياء، أنهم يعون تماما حجم المسؤولية الاجتماعية الملقاة على كواهلهم في الأزمات؛ فالجمهور الذي أحبهم وصفّق لهم وأكسبهم الملايين في أوقات الرخاء، يستحق أن يكافأ بالكلمة الطيبة والضحكة الصافية والتبرعات السخية، وبعكس ذلك لن تكتمل معادلة المجتمع للفن والفن للمجتمع!