Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Aug-2019

العالم يحصد الفوضى التي زرعتها الإمبراطورية البريطانية

 الغد-إيمي هوكينز– (فورين بوليسي) 13/8/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كان هناك وقت عندما لم تكن الشمس تغرب أبداً عن أراضي الإمبراطورية البريطانية. وقد انتهى هذا منذ فترة طويلة، لكن الإرث الوضيع للإمبريالية ما يزال ماثلا في آسيا، حيث تتقاسم أزمتان تبدوان منفصلتين-في هونغ كونغ وكشمير- نفس الإرث.
تشهد هونغ كونغ أسبوعها العاشر من المظاهرات، حيث يطالب مئات الآلاف من الناس من جميع فئات المجتمع ومشاربه إلى حريات ديمقراطية أكبر في مدينتهم. وردَّت الشرطة بوحشية، بينما تصف بكين الاحتجاجات الآن بأنها “إرهاب”.
وفي جامو وكشمير، على بعد 2500 ميل تقريبا، ألغت الحكومة الهندية فجأة الوضع الخاص للمنطقة، الذي كان محميا سابقا في الدستور الهندي. وفرضت نيودلهي تعتيما على الإنترنت والاتصالات في جامو وكشمير، ولا يُعرف الكثير عما يحدث هناك. لكن محطة “بي. بي. سي” نشرت يوم السبت قبل الماضي شريط فيديو يظهر فيه استخدام الغاز المسيل للدموع والذخيرة ضد المتظاهرين بعد صلاة الجمعة في سريناجار، أكبر مدينة في المنطقة. وتحدثت صحيفة “نيويورك تايمز” عن المستشفيات الخالية من الكوادر وعن السكان المحليين الذين تعرضوا للضرب لمجرد المغامرة بالخروج لشراء الحليب؛ ووصف أحد الأطباء الوضع بأنه “جحيم حي”. وبينما احتفل المسلمون في جميع أنحاء العالم بعيد الأضحى يوم الاثنين من الأسبوع قبل الماضي، ذكرت قناة “إن دي تي في” أن المساجد في سريناجار أغلقت، وأن الولاية بأكملها خضعت لحظر تجول، مع وضع بعض السياسيين البارزين تحت إقامة جبرية.
تكافح كل من كشمير وهونج كونج من أجل تحقيق رغباتهما الخاصة ضد حكومات مركزية عدائية واستبدادية. ويفترض أنهما أقليمان مستقلان، لكنهما جزء من قوى إمبريالية أوسع يحكمها رجال قوميون أقوياء، والتي أصبح فيها مفهوم الهوية الإقليمية بمثابة لعنة. وفي كلتا الحالتين، كان الاستعمار البريطاني هو الذي مهد الطريق للصراعات القادمة.
على العكس من هونغ كونغ، انتقلت الهند من مستعمرة إلى دولة مستقلة. لكن 40 في المائة من الهند قبل الاستقلال، بما في ذلك كشمير، كانت تُحكم على أنها “ولايات أميرية” -وهو ترتيب غير دقيق تولى من خلاله حاكم محلي زمام السلطة، مع مستويات متفاوتة من تدخل الراج البريطاني. وطالما لم تقدم هذه الولايات على تحدي الحكم الإمبراطوري مباشرة، فإنها تُركت لتدير شؤونها الخاصة بنفسها إلى حد كبير.
مع ذلك، وكجزء من صناعة هند موحدة ومستقلة، خاصة في ظل النزعة القومية الغامرة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، منحت الحكومة المركزية الأولوية لخلق التجانس الثقافي. وتمكن أيضاً رؤية أوجه شبه مع هذا في هونغ كونغ، حيث تحل حكومة بكين تدريجياً محل اللغة الكانتونية المحلية والنص التقليدي، مع التركيز على الماندرين والشخصيات المبسطة.
يشكل هذا التركيز على التجانس الثقافي افتراقاً واضحاً عن أيام الإمبراطورية. لكن جون ويلسون، مؤلف كتاب “غزو الهند: الراج البريطاني وفوضى الإمبراطورية”، يشير إلى أنه بينما يختلف المشروع الحاكم في الهند الآن عن الأيديولوجية التي سادت أيام الحكم البريطاني، فإن أدوات القوة التي يستخدمها مودي تظل مألوفة: “الاحتلال العسكري؛ وفرض القيود على حرية التعبير، وتبدو (هذه الأدوات) التي كانت تستخدمها الهند في أوقات مختلفة كإمبراطورية “.
من الناحية الدستورية، كان من المفترض أن تكون هناك بعض الاستمرارية بين إدارة هونغ كونغ وكشمير في فترة الانتقال من الحقبة الاستعمارية وعصر ما بعد الاستعمار. وتم الاعتراف بكلا المنطقتين على باعتبارهما متمايزتين عن الدول التي ستصبحان جزءاً منها، ومنحهما حماية خاصة على هذا الأساس. وفي هونغ كونغ، كان من المفترض أن يشكل إطار “دولة واحدة ونظامان” ضماناً لطريقة حياة سكان هونغ كونغ حتى العام 2047.
في جامو وكشمير، كانت هذه الحماية أكثر قوة، ومنصوصا عليها في الدستور الهندي. وتنص المادة 370 من الدستور على أن كشمير تسيطر على شؤونها، باستثناء السياسة الخارجية أو الدفاع أو الاتصالات، كما تحظر المادة أ-35 على الغرباء شراء الأراضي في الإقليم. و”بموجب المادة 370، يمكن القول بأن كشمير تتمتع باستقلالية أكبر من أي جزء آخر من الهند. ومنحت المادة كشمير مزيدًا من الحكم الذاتي على شؤونها على أساس إقليمي”. لكن مودي ألغى كلا المادتين الأسبوع الماضي للوفاء بوعده الانتخابي بإنهاء وضع كشمير الخاص، الذي قال إنه أعاق اندماج الإقليم مع بقية الهند.
وفي هونغ كونغ، لم تقم بكين بإلغاء ترتيب “دولة واحدة ونظامان” بشكل صريح، لكن الأحداث الأخيرة أوضحت أن دمج المدينة السريع في الصين يمثل أولوية للحزب الشيوعي الصيني. لم يعد القادة الذين ورثوا الغنائم الإمبراطورية يتسامحون مع الترتيبات الترقيعية التي ميزت الإمبراطورية البريطانية في آسيا-والهدف الآن هو السيطرة الكاملة.
على عكس ما حدث في كشمير، لم تكن هناك إراقة للدماء في عملية تسليم هونغ كونغ، لكن المفارقة المتمثلة في تحرير المدينة من سنوات من الإمبريالية البريطانية فقط لتسليمها إلى زعيم بعيد آخر غير قابل للمساءلة كانت واضحة للعديدين. وقد استذكر كريس باتن، آخر حاكم لهونغ كونغ، زيارته لمؤسسة للأمراض العقلية قبل فترة وجيزة من عملية التسليم. وهناك سأله أحد المرضى: “أنتم تقولون لنا دائماً أن بريطانيا هي أقدم ديمقراطية في العالم. فهل يمكنك أن تشرح لي لماذا تقومون بتسليم هونغ كونغ لآخر نظام شمولي كبير من دون أن تسألوا الناس في هونغ كونغ عن رأيهم”؟ وقال باتن أن ذلك كان “أكثر الأسئلة عقلانية في هونغ كونغ”.
اليوم، تفصح تداعيات الإدارة البريطانية الإمبريالية شاردة الذهن عن نفسها بقوة.
بما أن الهند تحظى في كثير من الأحيان بالإشادة بها باعتبارها نجاحاً ديمقراطيا كبيرا في آسيا، فقد يأمل المرء في أن تكون معاملتها لمجموعات الأقليات مختلفة عن الصين، التي لا تسمح حكومتها بأي وجهات نظر معارضة. لكن الأحداث الأخيرة في كشمير تشبه بشكل لافت السياسات الصينية التي تسعى إلى خلق تجانس في المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي لتكون صورة عن الصين، والتي يتم تحديد ملامحها في بكين.
يقول ديبيش أناند، الأستاذ في جامعة ويستمنستر في لندن، الذي كتب عن خطة الهند لدمج كشمير في دولة هندوسية: “بينما كان من المألوف مقارنة الهند الديمقراطية بالصين الاستبدادية، فإن الحقيقة هي أنه عندما يتعلق الأمر باحتلال وحكم الأراضي والشعوب التي تطعن في علاقاتها مع البر الرئيسي، تبنت الدولتان تدابير من بينها الوعد بالحكم الذاتي، وحقيقة الاستيعاب، وقمع الحقوق، ورفض تقرير المصير، وغياب الحكم التوافقي”. وقال أناند أنه بالإضافة إلى سياسة “فرق تسد”، اتبعت “الإمبراطورية البريطانية” سياسة “فرق وانسحب”. وتركت تلك السياسات خلفها ترتيبات غير مرضية كان من المرجح أن تتحول إلى صراع لاحقاً على الطريق.
ليس خطأ بريطانيا وحدها أن اثنتين من مستعمراتها السابقة ما تزالان متورطتين في معارك حول هويتها. فقد عانت كشمير من عقود من القتال الطائفي، وكان من المفترض أن تضمن شروط تسليم هونغ كونغ حقوق المنطقة حتى العام 2047. كما أنه من غير الواضح كيف يمكن لبريطانيا أن تساعد بشكل مباشر في تحسين هذه الأوضاع اليوم؛ فالصين تصوِّر بشكل روتيني أي معارضة في مناطقها على أنها تجلٍ للتدخل الأجنبي. وبالمثل، تصر الهند دائماً على أن كشمير يجب أن تكون قضية داخلية.
لكن بريطانيا يمكن أن تفعل المزيد للاعتراف بمساهمتها في استياء ملايين الأشخاص الذين لم يكن لهم رأي أبداً في حكوماتهم. بل إن من الصعب على مواطني المستعمرات السابقين زيارة البلد الذي قرر مستقبلهم: وتسجل باكستان أحد أعلى معدلات الرفض في العالم للمواطنين الذين يتقدمون بطلبات للحصول على تأشيرات لدخول المملكة المتحدة -حيث يتم رفض أكثر من 6 من كل 10 طلبات. ولم يقل وزير الخارجية البريطاني الجديد حتى الآن الكثير عن أي من الأزمتين، باستثناء تأكيد دعم بريطانيا لترتيب “دولة واحدة ونظامان” المختل بوضوح في هونغ كونغ، وشكر الهند على “الإفصاح الواضح” عن الوضع في كشمير. وليس من المستغرب أن تحجم بريطانيا، حيث غذى الحنين الإمبريالي بعض العواطف الكامنة وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عن مواجهة إرث الإمبراطورية الفوضوي. لكن من الجدير، بينما تمزق المملكة المتحدة نفسها في الجدال حول معنى تقرير المصير والديمقراطية حقاً، تذكُّر أن إرثها في أجزاء أخرى من العالم يبدو مشحوناً أكثر بعناصر الجدل.
 
*كاتبة مستقلة.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان: The World Is Reaping the Chaos the British Empire Sowed