Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Aug-2020

هل صحيح أن الجزائر مقبلة على دخول اجتماعي وسياسي مضطرب؟* ناصر جابي

 القدس العربي-هذا ما توقعته مؤسسات دولية مختصة في دراسة الأزمات (كريزيس قروب) crisis group- ووكالة بلمبيرغ التي عادت للاهتمام بالوضع في الجزائر من جوانبه السياسية، وليست الاقتصادية والمالية، كما تعودت تقليديا على ذلك . ربطت فيه بين تداعيات أزمة انتشار وباء كورونا والتقلص الكبير في مداخيل البلد المالية، نتيجة تدهور أسعار النفط، وما يمكن أن ينتح عنها من آثار سياسية واجتماعية، تمس استقرار البلد، في وقت مازال لم يتعاف فيه من أزمته السياسية العميقة، التي طالب الحراك الشعبي بالتصدي لها بسلمية، قطعت مع كل تجارب الحركات الاجتماعية التي عرفتها الجزائر، لم تخل من بعض العنف.

توقعات، ليست بعيدة عما يحسُ به المواطن العادي في الجزائر هذه الأيام، وهو يعاين أوضاع البلد، الذي يشهد حالة استقطاب اجتماعي وسياسي لم يعرفها منذ سنوات، عبّرت عن نفسها بعدة أشكال، كالزيادة في حدة العنف اليومي، والارتفاع في معدلات الهجرة السرية كبارومتر، يبقى مهما لقياس درجة الأمل لدى الشباب، وثقتهم في مستقبل البلاد، كما عاشوا ذلك لمدة أكثر من سنة مع الحراك. وغيرها من المؤشرات السوسيو- سياسية، التي لا تخفى عن عين الملاحظ، على رأسها الغياب شبه الكلي للثقة في مؤسسات النظام السياسي ونخبه وخطابه، وهي تفقد قدراتها المالية التي سمحت لها في وقت مضى بشراء سلم اجتماعي هش، لدرجة أن المواطن قد لا يكون في حاجة إلى مثل هذه المؤسسات الدولية، إعلامية كانت أو بحثية، ليكتشف أن البلد يمر بأزمة سياسية واقتصادية واجتماعية حادة، نتيجة التدهور الذي عرفته أسعار النفط، ما شلّ الأداء الاقتصادي ـ المتدهور أصلا -بشكل كبير بعد سنة كاملة من الحراك 2019 بتأثيراته السلبية المتعددة، رغم نبرة التفاؤل الرسمي السائدة حتى الآن، لمسؤولين جدد لم يفهموا بعد أن مشاكل البلاد قديمة، وليست جديدة مثلهم.
 
المطلوب حوار سياسي يتعامل مع الحراك الشعبي لبناء نظام سياسي جديد للخروج من منطق الترقيع وأنصاف الحلول
 
أكمل انتشار وباء كورونا ما بدأته الأزمة السياسية، كما عبرت عن نفسها، طوال سنة 2019، بما عرفته من توترات سياسية حادة، مسّت رأس السلطة السياسية، التي لم يعد إليها الاستقرار إلى حد اليوم، حتى بعد عملية الترميم، وما تبعها من تغيير في الواجهة المؤسساتية، مازالت لم تكتمل هي الأخرى لحد الساعة، بعد التأخر الذي عرفته جراء انتشار جائحة كورونا، التي بينت بشكل واضح ضعف أداء مؤسسات النظام وتدبيرها الإداري المضطرب، الذي تبين مع الوقت، أنه كان يلجأ كل مرة إلى نصف حل في الوقت المتأخر، وهو يتعاطى مع أزمة انتشار الوباء، ما عطل التصدي له بنجاح. كما حصل في تجارب قريبة، كالحالة التونسية، التي يقارن الجزائريون حال بلدهم بها. لنكون بذلك أمام أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، مقرونة بضعف أداء إداري كبير عبّر عن نفسه هو الآخر بعدة أشكال، منذ رئاسيات ديسمبر الماضي، على غرار نوعية التعيينات داخل الحكومة التي أُقيل بعض وزرائها، ستة أشهر فقط بعد تعيينهم، كما حصل مع وزير العمل في المدة الأخيرة، وكاتب الدولة للهجرة، الذي عين لبعض الساعات قبل أن يتم اكتشاف جنسيته المزدوجة، التي تمنع ـ حسب القوانين المعمول بها- تعيينه داخل الهيئة التنفيذية، التي ظهرت بحجم كبير مبالغ فيه، في وقت كان ينتظر فيه المواطن حكومة كفاءات، لتسيير مرحلة انتقالية صعبة، حتى إن لم تصرح بذلك.
في الحقيقة ضعف الأداء الحكومي والإداري العام ليس غريبا، إذا ربطناه بتداعيات الأزمة السياسية ككل، التي عاشها النظام في 2019، بما عرف عنه من مركزية في اتخاذ القرار، يرفض الابتعاد عنها، بعد بروز مساوئها الكثيرة، كما بينته أزمة التعاطي مع أزمة كورونا تحديدا، مضافا اليها هذه المرة الخوف من تبعات اتخاذ أي قرار مهما كان، أصبح الشعور بها أكثر وضوحا لدى المسؤولين، بعد انطلاق عملية المحاكمات، التي مست بعض رؤوس الفساد.
صورة قاتمة بنت عليها مؤسسات البحث والإعلام تقاريرها وتوقعاتها، التي تكلمت عن احتمال أن تعيش الجزائر اضطرابات حادة، بداية من الدخول الاجتماعي المقبل، كما جرت العادة منذ أحداث أكتوبر 1988، رغم تكذيب الوقائع لهذه السيناريوهات، على الأقل في توقيتها، وهي تربط بين الدخول الاجتماعي في بداية كل خريف والاضطراب الاجتماعي ـ السياسي في البلد.
ليس من السهل على النظام السياسي التعامل مع الوضع الاقتصادي والمالي، الذي لا يتحكم فيه، ولا في أزمة انتشار وباء كورونا ببعدها الكوني والطبيعي.. في حين أنه يملك إمكانيات فعلية في التحكم ـ نظريا على الأقل ـ في الأبعاد السياسية للأزمة في علاقتها بمطالب الإصلاح السياسي التي عبّر عنها الحراك الشعبي.
هي نقطة التفاؤل الوحيدة- عكس ما يبدو في الظاهر- التي يمكن أن تعاكس الاتجاهات المتشائمة الثقيلة للمعطيات الاقتصادية، وتلك المتعلقة بانتشار الوباء وتبعاته، إذا قرر النظام ومن يمثله على مستوى مؤسسات القرار التعامل الإيجابي مع مطالب المواطنين، ليس بالقول، كما هو سائد حتى الآن، بل بالفعل وبسرعة يفرضها تطور الأوضاع، قبل أن تفلت الأمور من بين يديــــه، كما تتوقعه هذه المؤسسات البحثية الدولية، وهي تتكلم عن فترة الدخول الاجتماعي المقبل.
قبول بمطالب الحراك الذي يعني الابتعاد عن القراءة المؤامراتية، التي طغت بشكل لافت على مستوى الخطاب السياسي – زادت وتيرتها في المدة الأخيرة – بما يفرضه من فتح حوار سياسي جدي بين الجزائريين، سيكون البديل الحقيقي عن حالة الاحتقان السياسي الذي يعيشه البلد، كما عبّرت عنه اعتقالات الشباب واستمرار خنق الحريات الفردية والجماعية للجزائريين، كما أعاد التذكير به الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الصادر بداية هذا الأسبوع. حوار ســـياسي فعلي يتطلب أول ما يتطلب التعامل مع الحراك الشعبي كفرصة تاريخية- أكاد أقول نزلت على الجزائر من السماء- لا تُعوض، يجب الارتكاز عليها لبناء نظام سياسي جديد بنخبه ومؤسساته وخطابه، يعتمد في الأساس على الشباب كقوة دفع أساسية للخروج من منطق الترقيع السائد، وأنصاف الحلول، للتصالح مع منطق التاريخ بمشاريع طموحة افتقدها الجزائريون منذ مدة طويلة، تبقى القادرة وحدها على تجنيد هذا الشعب الذي خرج لافتكاك قدره ذات يوم من شهر فبراير 2019.
 
٭ كاتب جزائري