Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Oct-2020

وقفة مع كتاب "جوانب أخرى للحقيقة الواحدة"

 الراي-هدى أبو غنيمة

يقدم د.فيصل غرايبة في كتابه "جوانب أخرى للحقيقة الواحدة" نموذجاً للمجتمع الذي يطمح إليه كل مفكر أو متلقٍّ منتمٍ إلى وطنه، ليكون مشاركاً فاعلاً في النهضة مستحقاً للمواطنة، لأن أمن البلد ونهضته مسؤوليتنا الجميع.
 
ويمثل عنوان الكتاب دعوة للحوار والنقاش وصولاً إلى الحقيقة، فالآراء الشائعة والمتداولة تحتمل الخطأ والصواب، لكن الحقيقة ثابتة لا تتغير،
 
يرى الكاتب أن المسؤولية الاجتماعية تقتضي المصالحة مع الدولة الوطنية التي لا تتعارض مع المطلب الاندماجي الوحدوي القومي، في ظل الأجواء السياسية غير المتوافرة على شروط السلم الاجتماعي والاكتفاء الاقتصادي، ووصول قضايا الأمة إلى ذروة التأزم، وعلى رأسها قضية فلسطين.
 
فقد أثبتت بعض التجارب في العالم أن الدولة الوطنية السيادية المركزية لا تتعارض بالضرورة مع البنى الاجتماعية العضوية والطائفية والإثنية، التي لا يكاد أي بلد من بلدان العالم يخلو منها، لا سيما أن المناداة بوحدة العرب واندماجهم في كيان واحد ضخم ومتمدد جغرافياً، قد أضحت غنائية حالمة على المدى المنظور وفي ظل المعطيات الراهنة التي تحولت فيها القضية الفلسطينية، وهي قضية العرب جميعاً، إلى بؤرة صراع حضاري مع الغرب الداعم لغطرسة الاحتلال وممارساته في تهويد الأرض رافضاً للسلام، ما يؤدي إلى استحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة متلاحمة الأطراف.
 
هذا الأمر يقتضي الانتقال من سلوك رد الفعل إلى تصحيح أخطاء نظرية وعملية عديدة طغت على الخطاب الإسلامي ليتجه نحو الغلو والتشدد، وكأنه نظام أيديولوجي للتعبئة واقتناص الحكم في ظل مشكلات الفقر وتزايد الجهل ببنية الإسلام ومنظوره القيمي وأحكامه التشريعية.
 
يناقش الكتاب جوانب الحقيقة الواحدة في أربعة فصول: الجانب التنموي، والجانب الثقافي، والجانب الافتراضي، والجانب الداخلي.
 
ويتناول المؤلف في الجانب التنموي، أهمية الاعتماد على الذات، فقد علمت التجارب التنموية في العالم مختلف الشعوب أن المشروعات الصغيرة التي تنبثق من إرادة الارتقاء للشعوب هي التي توفر أجواء مناسبة لاكتساب الخبرات، وهي خير مساعدة للناس كي يرتقوا بحياتهم ويساهموا في خدمة مجتمعهم، فالمضمون الحقيقي للتنمية هو الحرية، والحرية تخلق الإبداع وتطوره بدلاً من تعظيم المنفعة والرفاه الاقتصادي، فقد عظّمت التقنية والاتكالية الاستهلاكَ بدلاً من الإنتاج، وخلقت فجوة طبقية وهمّشت الطبقة الوسطى.
 
وفي الجانب الثقافي، عُقدت ندوات كثيرة حول مشكلات المجتمع العربي وآفاقها المستقبلية، وأجريت دراسات تجريبية تطبيقية لحل المشكلات، ورغم ذلك لا تتأتى نتائج الأبحاث في هذا العلم، وفي الإنسانيات بشكل عام، مطابقة لنتائج الرياضيات والعلوم الطبيعية، ولكن يمكن التعامل مع هذه المشكلات بحد أدنى من البصيرة والخبرة من خلال تعزيز البحث العلمي في التصدي لحل هذه المشكلات، وتنمية التفكير النقدي في التعليم، والتصدي للغوغائية في السلوك، وللفوضى والاحتيال على القانون دون أيّ اعتبار لما يقتضيه السلوك السليم وبصورة غير لائقة بعمّان، التي اختيرت مدينة للثقافة وقرأت رسالتها الوسطية على مسامع العرب والمسلمين في العالم أجمع في زمن اختلطت فيه الأوراق السياسية، وتضاربت فيه المصالح الاقتصادية والطروحات الفكرية.
 
وإذا كانت السياسة فن الممكن فإن الثقافة التي تتطلع إلى المثالية تُحدث فجوة تتسع بين السياسي والمثقف في واقع مضطرب يدعو المثقف إلى تجديد خطابه وإكسابه موضوعية من أجل موقف وطني متكامل يفسح المجال ليقبل دور الشباب وإفساح المجال لطاقاتهم في الحياة الحزبية وتوجيههم بدلاً من تركهم عرضة للانكفاء على الذات والتطرف.
 
أما في الجانب الافتراضي، فلعل الفضاء الحر الذي اتسع مع دخول عصر المعرفة التقنية يتطلب منا استشراف تداعياته على المجتمع الذي يتطلع إلى النهضة والتقدم والأمن، فهل أدرك المجتمع الفرق بين طبيعة الاستخدام وطبيعة الاستيعاب، ويعُنى بـ"الاستيعاب" القدرة على توظيف التقنيات لتحقيق النهوض بالإنتاج والخدمات.
 
لقد تمكنت التقنية الرقمية من العمل على نطاق عالمي، لتحقيق بعض أحلام الإنسانية، وأطلقت مفهوم الجمهور الفاعل، الذي يعكس مقدرة المتلقي على أن يكون منتجاً فاعلاً في التواصل.
 
لقد سهّل العصر الجديد على الناس اتصالاتهم في قضاء مصالحهم، فهل كانت طبيعة الاستخدام تُوازي ما يتطلبه الاستيعاب السليم؟ لقد طالَ العبثُ طبيعةَ الاستيعاب وأُسيء فهمها، وأصبحت التقنية أداة للتضليل الإعلامي والإساءة إلى الآخرين، وأفقد المتطفلون وسائل الاتصال قيمتها في حياتنا وأثرها في الارتقاء بالتفكير والإنتاج، ما جعلنا في بعض الأحيان نستدعي مقولة الفيلسوف الألماني هيغل: "الحرية المطلقة هي العدم". وقد عبّر بعض الباحثين عن قلقهم من أن تواجه اللغة العربية الفصيحة ولغات أخرى مصير اللغة اللاتينية، التي بقيت لغة مكتوبة لكنها خارج الاستعمال.
 
ويتناول غرايبة في الجانب الداخلي، الهمَّ الأردني الداخلي والتحديات التي تواجهنا، ويرتكز على أهمية مبادرة الأوراق النقاشية الملكية، لاستنطاق الأغلبية الصامتة من الأردنيين لتعبّر عن رؤاها في ما يتعلق بالشأن العام لتشارك في صياغة الأردن الجديد.
 
يقتضي ذلك أن تخرج المؤسسات الأمنية عن نطاقها التقليدي، وأن تنخرط في المجتمع لتحقيق مشاركة حقيقية بين الشرطة والمجتمع، لمواجهة الجريمة ومكافحتها والوقاية منها، من خلال التنسيق مع الأجهزة المدنية، لأن الأمن مسؤولية الجميع، وكذلك حماية البيت الأردني الوطني وتدعيم أساساته، وهذه عملية تحتاج إلى التكاتف من أجل الدخول إلى المستقبل بخطوات واثقة.
 
لقد اجتهد د.فيصل غرايبة اجتهاداً يستحق التقدير في وضع الأنموذج الاجتماعي الذي يحقق النهضة المنشودة من خلال تحليل الواقع ونقد سلبياته واقتراح الحلول للوصول إلى حقيقة الحداثة والنهضة، لأن المعرفة النظرية لا تكفي إذا أسيء تطبيقها، والعالم الآن لا يعترف بمن لا ينتج المعرفة.