Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Aug-2017

الإصلاح التربوي والتعليمي كأولوية في المشروع الإصلاحي - د. آية عبدالله الأسمر
 
الراي - عندما نتحدث عن دور وزارة التربية والتعليم في حركة الإصلاح الوطنية، يتوجب علينا أن نتوقف عند النظام التربوي العربي المعاصر وما يتبناه هذا النظام من فلسفة تربوية شاملة، ونظرا لأن هذه المسألة لها امتدادات سياسية تاريخية، وتفرعات اجتماعية وثقافية علاوة على مخرجاتها العلمية المعرفية والسلوكية والفكرية، بالإضافة إلى تداعياتها العقائدية والوطنية والقومية وإفرازاتها المستقبلية، التي تحدد مصير الأمة وتسهم في بناء الحضارة أو هدمها، فإنني سأقتصر حديثي على إضاءات سريعة وهامة يتوجب على وزارة التربية والتعليم أن تتوقف عندها وتبحث في كيفية إعادة صياغتها، بهدف بلورة رؤيا تواكب روح المشروع الإصلاحي الذي نهدف إلى إرساء أسسه في الوطن.
 
أولا: نحتاج إلى فلسفة تربوية ملتزمة ومنبثقة من فكر الأمة العربية وثقافتها وحضارتها، بعيدا عن فلسفة مناهج دنلوب البريطانية، بحيث تعمل هذه المناهج على ترسيخ الهوية الوطنية والأبعاد القومية والانتماء العقائدي واللغوي والثقافي والفكري لدى الأطفال والشباب، وتهدف إلى إعداد جيل من المتعلمين والمثقفين والمنتمين والقياديين.
 
ثانيا: نحتاج إلى تربويين يدركون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم كمنابع حكمة ومناهل علم ومنارات معرفة وركائز وطن، عوضا عن معلمين يفرغون محتويات الكتب عنوة في رؤوس التلاميذ بانتظار رواتبهم الشهرية بكل قرف واشمئزاز من العملية التعليمية برمتها، وهذا يتطلب تغييرا نوعيا في عملية التوجيه التربوي التي تتطلب من المعلم أن يبذل قصارى جهده وجل وقته في كتابة مجلدات عادة ما تكون منقولة وقديمة ونظرية في سبيل نيل رضا الموجه التربوي والاستحواذ على إعجابه، كما تتطلب بالضرورة حملة توعية وطنية توضح دور المعلم المحوري في بناء الأجيال ونهضة الوطن، ترافقها حملة رد اعتبار للمعلم وهيبته وسلطته من خلال إعادة صياغة شكل العلاقة بين المعلم والطالب والمعلم وولي الأمر والطالب والمؤسسة التعليمية والمعلم والمجتمع.
 
ثالثا: تحتاج وزارة التربية والتعليم إلى ميزانية تمكنها من تحسين وضع المعلم الاقتصادي، حتى يتفرغ لمشروعه التربوي والتعليمي، عوضا عن انشغاله بمعاناته اليومية الناجمة عن تردي أوضاعه المعيشية والتي ستمنعه حتما من أداء رسالته على الوجه المطلوب.
 
رابعا: على وزارة التربية والتعليم توفير شروط بيئية ملائمة للعملية التعليمية من أدوات ووسائل، تساعد المعلم على العطاء والتلميذ على الاستيعاب سواء داخل الغرف الصفية من حيث البنية التحتية للمدارس، أو خارجها من حيث توفير الوسائل التعليمية التوضيحية المتنوعة وغير التقليدية.
 
خامسا: نحتاج إلى فلسفة تربوية تعتمد على التفكير الخلاق وتطلق العنان للإبداع والتفكير النقدي، وتثري الإلهام وترتكز على المحاولة والخطأ والاستنتاج والتجربة والاختبار العملي، إلا أن مدارسنا وجامعاتنا حتى اليوم تقوم على حفظ آلاف الأوراق المحشوة بالمعلومات ليتم تفريغها بشكل آلي في ورقة الامتحان، دون أن يتم التجسير ما بين المعرفة النظرية البحتة وانعكاساتها الواقعية وتطبيقاتها العملية.
 
سادسا: يتوجب على وزارة التربية والتعليم أن تولي التربية الوطنية اهتماما واسعا ومعمقا، لا من خلال زيادة عدد أوراق كتبها، ولكن من خلال الممارسة اليومية سواء في الطابور الصباحي أو الغرفة الصفية، من خلال الأنشطة غير المنهجية والنقاش والحوار والتوجيه لتوضيح معاني الوطن والمواطنة والانتماء والهوية والعدو والمقاومة وسلاح العلم والمعرفة والتقدم والانفتاح، وغيرها من المفاهيم والمضامين التي ستتحول بمرور الزمن إلى رواسب في ذاكرة ووعي هذا الجيل لتشكل جزءا من تركيبته النفسية واتجاهاته الفكرية، وستنعكس بالضرورة على سلوكاته وتوجهاته وتكوين شخصيته ومناحي حياته المستقبلية.
 
سابعا: نطالب بإنعاش اللغة العربية التي تحتضر قبل أن نحمل نعشها على أكتاف الضعف والتلاشي، فاللغة ليست أداة تواصل بين الأفراد إنما هي وعاء ثقافي وقالب حضاري يعكس روح المجتمع وفكره، وعبرها ننقل التراث المعرفي والديني والقيمي، وبها نعزز الانتماء للهوية العربية، ولا يتوجب هذا بالضرورة أن نخفق في مواكبة روح العصر والانفتاح على الآخر ولغته وثقافته وعلومه، ولكن دون أن يتم هذا على حساب اللغة الأم بما يحمله هذا التهميش من خلل حتمي في الثقافة المجتمعية.
 
ثامنا: حتى تنجز وزارة التربية والتعليم دورها لابد أن يتكامل مشروعها الإصلاحي مع آخر يشمل وزارة التعليم العالي، التي لم تعد تخرج إلا أفواجا من حملة الشهادات الذين لا يمكن لهم بحال من الأحوال أن يكونوا عضوا فاعلا وجزءا حيويا في الحركة الإصلاحية، بل إنهم سيعملون على إعاقتها وعرقلتها بسبب ركاكة التعليم في الجامعات التجارية التي تعاني من الخلل ذاته التي تعاني منه المؤسسات التعليمية بل العملية التعليمية ككل.
 
تاسعا: لابد من إعادة النظر في كثير من القوانين التي أدت إلى تفشي الأمية المقنعة في الوطن، وجعلت من الشهادة العلمية واجهة رقيقة تخفي خلفها جهلا فادحا، كما ولابد أن تخضع المدارس والجامعات الخاصة لمعايير ورقابة وتوجيه وقوانين لا تقل صرامة عن معايير المدارس والجامعات الحكومية، بالطبع بعد أن نعيد النظر في المعايير والقوانين بشكل كلي ونراجع دقتها وجدواها ونقف على عيوبها ونقاط ضعفها، ونسقط منها القديم المهترئ البالي ونجدد في محتوياتها بما يتناسب والخطة التعليمية الجديدة.
 
عاشرا: على الأهداف التربوية أن تحتل مكانتها البارزة في العملية التعليمية، لتعود المؤسسة التعليمية إلى دورها الريادي في بناء جوهر الإنسان لا من الناحية العقلية والمعرفية فحسب، بل وعلى المستوى النفسي والانفعالي والاجتماعي والثقافي والبدني والسياسي.