Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Apr-2022

غسان عبد الخالق: أكتب الرواية حتى أُسعد نفسي وأُمتع قارئي المفترض

 الدستور-حاوره: عمر أبو الهيجاء

جنبا إلى جنب إصداراته النقدية والفكرية التي أغنت المكتبة العربية، والتي أكسبته مكانة مرموقة على خريطة الثقافة العربية، أصدر الكاتب والناقد الدكتور غسان عبد الخالق، مجموعتين قصصيتين وثلاث روايات استأثرت باهتمام النقاد والقراء على حد سواء. وفيما يلي نص الحوار الذي أجريناه معه بوصفه قاصا وروائيا:
* هل بدأت ساردًا أم ناقدًا؟
- بدأت مسيرتي الثقافية الإبداعية ساردًا للقصص؛ فأصدرت مجموعتين قصصيتين (نقوش البياض) و(ليالي شهريار). وأذكر أن الناقد وليد أبو بكر قد نشر مقالاً في عام 1992 بعد صدور (نقوش البياض)، رجح فيه ميلي إلى الرواية، استنادًا إلى ما عدّه خيطًا ناظمًا لقصص المجموعة وإلى شخصية السارد التي تكاد تتكرّر في كل القصص. وعلى أية حال فكنت قد شرعت في كتابة رواية قصيرة بلغة تراثية أسميتها (ما تيسّر من سيرته) وأتممت كتابتها في عام 1990، لكنني ظللت أرجئ نشرها عامًا بعد عام، حتى نشرتها في مجلّة أفكار عام (2010)، ونظرًا لنفاد نسخ المجموعتين القصصيتين وإلحاح بعض الزملاء والأصدقاء والقرّاء، فقد أعدت نشر المجموعتين والرواية القصيرة، في مجلّد أسميته (لذّة السّرد) عام (2017).
* ما الذي أعادك إلى كتابة الرواية؟
- عاودني الحنين إلى كتابة الرواية خلال رحلتي إلى الصين عام (2019)، وبعد عودتي وجدتني أكتب سردًا روائيًا موشّحًا بالسيرة الذاتية ومطعّمًا بأدب الرحلات، فأصدرت ما يمكن أن أعده روايتي الأولى بعنوان (السّور والعصفور؛ ما يشبه اليقين في وصف بلاد الصين). وقد أسعدتني جدًا الأصداء الإيجابية للكتاب في الصين وفي الأردن وفي بعض الأقطار العربية. وإن كان لهذا الكتاب من أهمية ملموسة في مسيرتي الثقافية والإبداعية، فهي تتمثل حتمًا في أنه نبّهني وفتح عيني على حيوية المزاوجة بين السّرد الروائي وأدب السيرة وأدب الرحلات والفلسفة في آن واحد، وهي مزاوجة يمكن العثور على صور لها في موروثنا العربي القديم، وأحسب أنها يمكن أن تسهم في تبرير مأزق الآفاق المسدودة التي تشهدها الرواية العربية الآن. لكنني أعتقد أن المسألة لا تتعلّق فقط بإغناء شكل الرواية عبر مقولة تداخل الأجناس – لأن تطبيقات هذه المقولة على أرض الواقع لم تكن مبشّرة دائمًا- بل أعتقد بأن المسألة تتعلّق في المقام الأول بالمضمون الفكري للرواية العربية الذي راح يتآكل تدريجيًا، جرّاء الانبهار بالتجريب الأجوف لذات التجريب.
* ألا تخشى من الاتهام بالأدلجة والمباشرة؟
- أسمح لي بأن أضيف إلى ما سبق، القول بأن المبالغة بخصوص التحذير من إسقاطات التاريخ والسياسة والأيديولوجيا، قد أدى إلى إفراغ الرواية العربية من عمقها الاستراتيجي وأعني به حمولتها الفكرية والفلسفية التي تمثل ركنها الركين. إنه تحذير يحمل في طيّاته غالبًا (كلمة حق يٌراد بها باطل)، ولو كان غير ذلك، لما قامت لروايات نجيب محفوظ والطيب صالح وحنا مينة قائمة. إن الروائي في المحصلة النهائية ملتزم بتأثيث معماره الروائي بأطروحة ما؛ فلسفية أو وجودية أو سياسية أو اجتماعية أو علمية، وهو ليس مجرّد عازف ربابة يسعى للترفيه عن قرّاء حالمين. ولهذا فإن كثيرًا من الروايات العالمية مثّلت نقاط تحوّل جذرية في الفكر والنقد والأدب والفن وعلم النفس وعلم الاجتماع والسياسة، ويكفيني على هذا الصعيد الإشارة إلى روايات دويستوفيسكي التي ما زالت تمثل مختبرًا واعدًا لكل المفكّرين والنقّاد والدّارسين.
* حدّثنا عن (معجم القلوب)...
- انطلاقًا من المنظور السابق، شرعت في كتابة روايتي الثانية (معجم القلوب؛ الكوكب المنسي في رحلة ياقوت الحموي). وقد حاولت من خلالها أن أتقمّص شخصية هذا المثقف الإشكالي، وأعكس في الوقت نفسه محنته الوجودية المتمثّلة في اختطافه وبيعه طفلاً، ومحنته الفكرية المتمثّلة في تشرّده جرّاء تعاطفه مع أدب الخوارج، ومحنته السياسية المتمثّلة في معاصرته لطلائع الغزو المغولي للمشرق العربي، ومحنته العاطفية جرّاء فقدانه المرأة التي أحبّها. ورغم الصعوبة التي واجهتها في الجمع بين كل هذه التقاطعات الحادة في حياة ياقوت الحموي، إلا أنني لم أدّخر وسعًا لتذويبها بأسلوب سردي، ودون أن أغفل عن تسليط الضوء على محنته الخامسة والأهم وهي محنة المثقف والسّلطة التي قُيّض له أن يكتوي بها على مدار عشرة أعوام في حلب، وعلى نحو يذكرنا بمحنة المتنبي. لقد عانيت في كتابة هذه الرواية واستمتعت بكل ما في الكلمة من معنى، لأنني لم أشرع في كتابتها إلا بعد أن تقمّصت شخصية ياقوت الحموي تقمصًا كاملاً.
* وماذا بخصوص (سِرّ مَن رأى)؟
- شعوري بالرضى النسبي عما أحرزته في (معجم القلوب) شكلاً ومضمونًا، وضعني أمام تحد لا يستهان به، وأعني به البدء في البحث من جديد عن شخصية تراثية إشكالية وعميقة يمكن أن تشبع طموحي لتكرار التجربة، بحثت لشهور حتى استقر خياري على (ابن شبل البغدادي) الطبيب والفيلسوف والشاعر والإنسان، فشرعت في قراءة كل ما يجعلني قريبًا منه، تاريخيًا وسياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، ثم رحت أتقمّص شخصيته وأعمل على ابتكار الإطار العام والتفصيلي لحياته. وكما يحدث دائمًا، فقد وجدتني على حين غرّة، أبدأ بكتابة الصفحات الأولى، باندفاع وتوتر وقلق، أشطب وأحذف وأضيف، وتابعت ذلك على امتداد شهور، حتى استوت روايتي الثالثة (سِرّ من رأى؛ نشوة الحادي برحلة ابن شبل البغدادي) بصيغتها الأولى ثم بصيغتها الثانية فالثالثة والرابعة، ثم أرسلت بها لدار النشر، وكلّي أمل في أن تصادف من الرضى ما صادفته الروايتان الأولى والثانية.
* ما الذي تطمح لتحقيقه من خلال كتابة الرواية؟
- بكل صدق، فأنا أكتب الرواية حتى أُسعد نفسي وأُمتع قارئي المفترض في المقام الأول. ومع أنني آمل أن تنتقل عدوى هواجسي الفكرية والسياسية والوجودية التي أثثت بها هذه الرواية تحديدًا إلى قارئي المفترض، إلا أنني سأكون سعيدًا جدًا، إذا نجحت في ترسيخ هذا النمط من الكتابة الروائية، التي أرى أنها يمكن أن تردم هذه الهوّة العميقة بين الماضي والحاضر وبين الشكل والمعنى، وبين الخيال والواقع. وكما قلت في حوار سابق: لا يعنيني وميض الشهرة الأدبية ووهج الإعلام، لأنني اكتويت بهما وما زلت، وأغامر بالقول إنهما عبء كبير ومصيدة قاسية، على المثقف الحقيقي أن يجد الطريقة المناسبة لتجاوزهما بأقل قدر من الخسارات؛ فبعيدًا عن الجمهور والصّور والأخبار والمصفّقين والمجاملات الحقيقية أو الزائفة، أنت وحدك من يجلس أمام رزمة من الأوراق البيضاء التي لن تجامل قلمك، وسوف تهمس لك بلا مواربة: لقد سطرت فوق أديمي كلمات تستحق أو لا تستحق أن تُقرأ.