العنف الجامعي.. ووسائل ضبط السلوكيات
الراي - سرى الضمور وفتحي السالم -
تصدرت مشاهد العنف الجامعي التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي من قِبل عدد من الطلبة منصات التواصل الاجتماعي، ما أعاد فتح النقاش حول أسباب لجوء بعض الطلبة إلى العنف لحل النزاعات الشخصية.
وأكد أكاديميون في أحاديثهم لـ«الرأي» ضرورة تكاتف الجهود المجتمعية للحد من مظاهر العنف داخل الحرم الجامعي، داعين إلى تعزيز جوهر العملية التعليمية من خلال معالجات تربوية وثقافية واجتماعية شاملة.
وأكد الأكاديمي والاختصاصي في علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي أن مواجهة ظاهرة العنف الجامعي لا يمكن أن تنجح إلا من خلال تعاون شامل بين جميع فئات المجتمع والجامعات.
وأوضح أن هذا التعاون يجب أن يتم على عدة مستويات، تبدأ بتوقيع الطلبة على تعهدات خطية بعدم مخالفة الأنظمة والتعليمات، مع الاطلاع المسبق على العقوبات المترتبة على أي سلوك يسيء إلى سمعة الجامعة أو يتسبب بإلحاق الضرر بممتلكاتها، مشدداً على أن للجامعات دوراً محورياً في الحد من هذه الظاهرة.
وشدّد على أهمية الحزم في تطبيق العقوبات بحق الطلبة المخالفين، وعدم التهاون أو التأجيل في عمل لجان التحقيق، ورفض أي وساطات أو تدخلات من أصحاب النفوذ لصالح الطلبة المتورطين في أعمال العنف.
وأشار إلى أهمية أن تعمل الجامعات على زيادة الواجبات الصفية والاختبارات والأنشطة الجامعية، في حين يقع على أولياء الأمور مسؤولية متابعة سلوك أبنائهم داخل الجامعات، وتوجيههم للابتعاد عن مظاهر العنف، مع متابعة تحصيلهم الأكاديمي بشكل يومي.
وأكد ضرورة الفصل التام بين العلاقات الاجتماعية داخل الجامعة، خاصة مع الطلبة سيئي السلوك، ناصحاً الطالبات بعدم التجمهر أو التفرج على أعمال العنف حفاظاً على سلامتهن وعدم تعريض أنفسهن للمساءلة.
وأشار إلى أن المجتمع بأسره مطالب بدعم جهود الجامعات في محاسبة الطلبة المخالفين، داعياً مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات والمساجد إلى نشر الوعي بمخاطر العنف الجامعي.
من جانبه، أكد الأكاديمي الدكتور محمد القرعان أن العنف الجامعي لم يعد مجرد حوادث فردية، بل أصبح ظاهرة مقلقة تتطلب معالجة جذرية وشاملة.
وأشار إلى أن الجامعات يفترض أن تكون فضاءً للحوار والعقل والانفتاح، لكنها في بعض الأحيان تتحول إلى ساحات صراع تتجلى فيها العصبية العشائرية والمناطقية وضعف ثقافة الحوار.
وأوضح القرعان لـالرأي أن أسباب هذه الظاهرة متعددة، منها عوامل اجتماعية مرتبطة بالتربية القائمة على «الانتصار للذات»، وأخرى نفسية ناتجة عن ضغوط الحياة الأكاديمية والبطالة وضعف الأمل بالمستقبل، إلى جانب غياب الأنشطة الطلابية الإيجابية التي يمكن أن توجه طاقات الشباب نحو مسارات بنّاءة.
وأضاف أن غياب الردع الفعّال في بعض الحالات، وتراخي بعض إدارات الجامعات في تطبيق الأنظمة بعدالة وشفافية، يؤدي إلى تفاقم المشكلة ويعزز شعور بعض الطلبة بإمكانية الإفلات من العقاب.
وشدد على أن الحل لا يمكن أن يكون أمنياً فقط، بل يجب أن يكون تربوياً وثقافياً بالدرجة الأولى، من خلال تعزيز مفهوم «المواطنة الجامعية»، وإدخال برامج تثقيفية إجبارية حول إدارة الخلافات، ونشر ثقافة الحوار والاحترام المتبادل داخل الحرم الجامعي.
وبيّن أن الجامعة يجب أن تكون نموذجاً للعدالة والاحتواء لا للتمييز أو الإقصاء، مؤكداً أن الطالب الذي يشعر بالعدالة والانتماء يكون أكثر التزاماً بالقيم الجامعية وأقل ميلاً إلى العنف.
بدوره، قال المختص والباحث في علم الجريمة الدكتور مصطفى عواد إن العنف الجامعي يعد خطراً يهدد الحياة الأكاديمية ومستقبلها وسلامة الطلبة، مطالباً بالعمل لوقفه بجميع أشكاله وتشديد العقوبات، لافتاً إلى أن المؤتمرات والندوات التي تعقد باستمرار لم تعد مجدية لوقف العنف إن لم تشتمل على تفعيل للأنظمة والقوانين، وبخاصة التأديبية لتشكل رادعاً قوياً للجميع، مضيفاً أن على الجامعات الانفتاح على المجتمع بمبادرات فاعلة تسهم في الحد من تلك المشكلة المجتمعية.
من جانبه، أشار الباحث والمختص في علم الجريمة الدكتور خالد الجبول إلى أن المطلوب من الجامعات أن تخرج من نطاق التنظير إلى حيز الواقعية التي يمكن من خلالها الخروج بحلول يمكن تنفيذها على أرض الواقع من أجل مجتمع خالٍ من العنف والكراهية، داعياً إدارات الجامعات إلى بناء شراكة حقيقية مع أبناء المجتمع المحلي.
وشدّد على أهمية نشر وتعميق قيم الحوار وتقبل الآخر وثقافة التسامح وسيادة القانون في التعامل مع العنف، مطالباً الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة لمنع تكرار مثل هذا الحدث المؤسف ومعاقبة كل من يعبث بأمن واستقرار الجامعات وتدمير مكتسباتها.
وعزت الطالبة الجامعية وفاء محمود ما حدث مؤخراً إلى حالة مركبة من فقدان المعايير والمرجعيات والتعارض الذي بدأ ينشأ لدى كثير من الطلبة بين الهدف العام من دخول الجامعة والآلية التي توصلهم لهذا الهدف، مشيرة إلى أن آلية قبول الطلبة في الجامعات بحاجة إلى مراجعة، وقبلها تنشئتهم المدرسية والأسرية، مع الاعتراف بضعف تأثير الأسرة والمؤسسات المرجعية مع الثورة التكنولوجية وتوافر الكثير من المؤسسات الوسيطة التي أصبحت تشبع الكثير من الحاجات حتى ولو بطرق غير مشروعة.
وقال الجامعي مراد المجالي إن التخلص من ظاهرة العنف الجامعي مرتبط بوعي الطلبة القيمي والتعليمي، الذي يشكل الأساس في لجم هذه الظاهرة ووقف ما تخلقه من تداعيات مجتمعية.