Monday 29th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Jan-2024

نظرات في ديوان «من مسافة صفر»

 الدستور-د. زياد أبولبن

عرفتُ الشَّاعِرَ سعيد يعقوب قبلَ ثلاثينَ عامًا أو يزيدُ، ومنذُ عرفتُهُ للآن لم يتغيَّرْ عليهِ شَيْءٌ فهُوَ شُعْلةٌ مِنَ النَّشاطِ والحيويَّةِ والتَّدَفُّقِ/ مُحِبٌّ لِلشِّعْرِ مُحْتَفٍ بِأهلِهِ كُلَّ الاحْتفاءِ ،ويُعدّ الشاعر سعيد يعقوب من أكثرِ الشُّعراءِ الأردنيِّينَ غزارةً في إنتاجِهِ الشِّعريِّ، ومِن أكثرِهم إخلاصًا لِلقصيدةِ العَموديَّةِ أو شعْرِ الشَّطرين، وهذا الإخلاصُ سببُهُ ذائقتُهُ الشِّعْريَّةُ التي تَعلّقَتْ بالشِّعْرِ العربيِّ القديمِ، ومَرْجعيَّاتِهِ التُّراثيَّةِ التي حافظتْ على الُّلغةِ نظمًا ونَثرًا، وانتصرَتْ لِلمُفْردةِ التي تنحَتُ مِن الُّلغةِ جماليَّاتِ الصُّورةِ وعُمقِ المعنى، أمامَ هذا الاعوجاجِ الذي أصابَ شُعراءَ الحدُاثَةِ أو ما بعْدَها، وأصبَحوا رهينةَ ابْتذالِ المعنى وركاكةِ الأسْلوبِ، ولعلَّ دواوينَ سعيد يعقوب، التي وصلَتْ في مجْموعِها اثنينِ وثلاثينَ ديوانًا، خيرُ شاهدٍ على غزارةِ انتاجِهِ الشِّعريِّ، بَدءًا مِن ديوانِهِ الأوَّلِ الذي صدرَ عامَ 1985 وحتَّى ديوانِهِ الذي بيْنَ أيْدينا «مِنْ مَسَافَةِ صِفْرٍ».
يُحيلنا عُنوانُ ديوانِ «مِن مَسافة صِفْرٍ» إلى العُدوانِ الصُّهيونيّ على غزّة، بعدَ عمليَّةِ طُوفان الأقصى في السَّابعِ مِن تشرينَ الأوَّل/ أكْتوبر لِعامِ 2023، تلكَ العمليَّةُ التي جاءت انتصارًا لِلأقصى وشُهدائِهِ، وما يقومُ بِهِ العدوُّ الصُّهيونيُّ مِن تَهويدٍ ، يطالُ المكانَ والإنسانَ، وكُلَّ ما يتّصِلُ بتاريخِ المدينةِ المقدَّسةِ وتراثِها وهُويَّتِها وثقافتِها، وقد سبقَ هذا الدِّيوانَ ديوانُ (غزَّةُ تنْتصِرُ)، الذي صدرَ بعدَ العُدوانِ على غزَّةَ سنةَ 2014 ،وبقيتْ فَلسطينُ حاضِرةً في أغْلَبِ شِعْرِ سعيد يعقوب، بل شاركَ وأعدّ وحرَّرَ وأشرَفَ معَ الدكتورِ صلاح جرَّار على ديوانِ «رُباعيَّاتِ جِنينَ» بمشاركةٍ واسعةٍ مِن شُعراءِ الوطنِ العربيّ، وكذلكَ على ديوانِ «طُوفانُ الأقْصى، هذا الجُهدُ وغيرُهُ في أعمالِ سعيد يعقوب الشِّعريَّةِ لا يَخفى على القارئِ والباحثِ والدَّارسِ، وقد لاقتْ صدىً واسعًا في الوطنِ العربيِّ، وتناولَها بالدِّراسةِ عددٌ مِن النُّقَّادِ العرَبِ، وكذلكَ في الرَّسائلِ الجامِعيَّةِ.
يَحْملُ عنوانُ الدِّيوانِ (مِن مَسَافَةِ صِفْرٍ) دلالةً تُفضي إلى العمليَّاتِ البُطوليَّةِ التي يقومُ بها مُقاتلو القسَّامِ في مُواجهَةِ آلةِ الحَرْبِ الصُّهيونيَّةِ وجْهًا لِوَجْهٍ، وقد شاعَتْ عِبارَةُ «مِنْ مَسَافَةِ صِفْرٍ» في المُصْطلَحِ العسْكرِيِّ والإعْلاميِّ، وأخذَتْ بُعدًا آخرَ بينَ النَّاسِ في تَداوُلِ يوميَّاتِ الحرْبِ، هذا البُعدُ أذْكى رُوحَ المُقاومةِ وكَسَرَ أُسْطورَةَ الجيشِ الصُّهْيونِيِّ الذي لا يُقهرُ.
تحْتفي قصائدُ الدِّيوانِ بمقاومةِ الغَزّيِّينَ لِلعدوانِ الصُّهيونِيِّ، وما تحْمِلُهُ مِن آياتِ النَّصْرِ وشرَفِ التَّضحيَّةِ ونيْلِ الشَّهادَةِ، وإنَّ التاريخَ شاهدٌ حاضِرٌ على هزيمةِ العَدُوِّ وانتصارِ إرادةِ الفَلسطينيِّ، بعْدَ الخُذْلانِ والذُّلِّ العربِيِّ ودعاوى التَّطْبيعِ مَعَ العَدُوِّ الصُّهيونيِّ، وما أصابَ النَّاسَ مِن قُنُوطٍ، كلُّ هذا وغيْرُهُ جاءَ عُقْبَ هزيمةِ الجيوشِ العربيَّةِ في ثلاثِ حُروبٍ مُتواليةٍ.
يبلُغُ شأَوُ قصائدِ الدِّيوانِ مكانَتَها في نفْسِ القارئِ، وهيَ تَسْتعيدُ صُورَ البُطولَةِ في حَرْبٍ مُسْتعِرَةٍ بلْ في إبادةٍ جماعيَّةٍ، ارتقَتْ فيها الأَنْفُسُ لِمنازِلِ الشُّهداءِ، ودمارٍ حَوَّلَ المُدنَ والقُرى والمُخيَّماتِ إلى أماكنِ أشْباحٍ، وأدقّ ما يُمْكِنُ وصْفُهُ بالهُلُوكوستْ الفَلسطينيِّ.
استطاعَ سعيد يعقوب في قصائدِ الدِّيوانِ أنْ يُشَكِّلَ صَوْتًا مُتَفرِّدًا في هذا البابِ، بابِ الشِّعْرِ المِنْبَرِيِّ الذي يَسْهُلُ حِفْظُهُ وتناقُلُهُ على الأَلْسِنَةِ، ولا يَخْفى على القارئِ هذا النَّمَطُ مِن الشِّعْرِ التَّحْريضِيِّ بما ينْطَوِي عليْهِ مِن الحماسَةِ وإثارَةِ المشاعِرِ، لِرَفْعِ الرُّوحِ المَعْنَويَّةِ وإعلاءِ الهِمَمِ ومُقاومَةِ المُحْتَلِّ، فالمناسبةُ تفْرضُ على الشَّاعرِ لُغَةَ الخِطابِ الشِّعريِّ، وتُبْرزُ الصُّوَرَ الشِّعْرِيَّةَ المُتلاحِقَةَ في جَميعِ قَصائدِ الدِّيوانِ، ممَّا يرفَعُ مِن مُسْتوى المَضْمُونِ لِجَلالَةِ حَدَثِ المُقاومَةِ نَفْسِهِ.
ويلْحَظُ القارئُ أنَّ ارتباطَ فِعْلِ المُقاومَةِ في غَزّةَ وانْتصارِها مُتَعلِّقٌ مُبَاشَرَةً بانْتصَارِ الأقْصى، لِما لِلأقْصى مِن مَكانَةٍ في الوِجْدانِ العربيِّ – الإسلاميِّ، بحيْثُ أصْبحَ الأقْصى رَمْزًا لِلدِّفاعِ عَن أرْضِ فَلسطينَ كُلِّها، وإنّ المُحْتَلَّ إلى زوالٍ، وقد شَكَّلتْ غزَّةُ شوْكَةً في حُلوقِهمْ، وإرادةً قويًّة تأبى الذُّلَّ والهَوانَ، وهوَ القائِلُ في قَصيدةِ «غزّةُ تَنْتَصِرُ»:
قُلْنَا وَسَوْفَ نُعِيدُ مَا قُلْنَاهُ/ النَّصْرُ لِلْأَقْصَى وَمَنْ وَالَاهُ/ وَسَيَخْرُجُ المُحْتَلُّ وَهْوَ مُحَطَّمٌ/ وَتَجُرُّ أَذْيَالَ الهَوَانِ خُطَاهُ/ وَسَتَعْلَمُ الدُّنْيَا بِأَنَّا مَنْ إِذَا/ بِالذُّلِّ يَرْضَى غَيْرُنَا... نَأْبَاهُ/ وَلَسَوْفَ تَبْقَى غَزَّةٌ بِحُلُوقِهِمْ/ شَوْكًا... فَمَنْ يَحْمِيْ حِمَاهَا اللهُ».
تعلو نبْرَةُ الخِطابِ المقاوِمِ والتَّحْريضيِّ ضِدَّ المُحْتلِّ في قَصيدةِ «غزّةُ أرْضُ العِزّةِ»، ويُخاطبُ الشَّاعرُ ابنَ قِطاعِ غَزَّةَ، الذي بدا أسْطورةَ فعْلِ المُقاومَةِ في كَسْرِ شوْكةِ المُحْتَلِّ، وكَسْرِ جُدُرِ الحِصارِ، وقد أذاقَ بني صُهيونَ مرارةَ الهَزيمةِ والألمِ، وما قُوَّةُ الصَّهيونيِّ إلّا أسْطورةٌ كاذبةٌ كما هي دَوْلتُهُ، أكْذوبَةٌ مِن نَسْجِ خيالٍ صنَعَهُ الذُّلُّ العَربيُّ، وهمْ لُصوصٌ جاءوا أفْواجًا إلى فلسطينَ بجُنْحِ الظَّلامِ، وسَيَرْحَلُونَ آجلًا أمْ عاجلًا، ويسْتحقُّونَ ضَرْبَ النِّعالِ، ويُذكِّرُنا الشَّاعرُ بـ(مُنْتَظَرِ الزَّيْدِيِّ) رمَزْ ِالرَّفْضِ وعدَمِ الخُنوعِ لِلْمُحْتَلِّ، وفي غَزَّةَ العِزّةِ كَثيرٌ مِمَّنْ يَحْمِلُونَ نِعالَهُمْ في وجْهِ الطُّغاةِ والمُسْتعْمِرينَ الجُدُدِ، ويخْتِمُ الشَّاعِرُ قصيدتَهُ بصُورةِ الشُّهداءِ الذينَ ارْتَقَوْا بدِمائِهمْ الزَّكِيَّةِ في سِجِلِّ الخَالِدينَ:
«أوْقِدْ جرَاحَكَ فِيْ الظَّلام سِراجَا/ وَارْفَعْ جَبينَكَ كَوْكبًا وَهَّاجَا/ وَاضْفرْ مِنَ الأشْواك تاجًا وانْتَصِبْ/ زَهْوًا عَلى هَام الكَواكِبِ تاجَا/.../ هذا هُوَ التَّاريخُ فاقْرَأْ سِفْرَهُ/ وَعَليْهِ قِسْ وَاسْتَنْتِج ِ اسْتِنْتَاجَا/ لا ظالمٌ يَنْجُو فمَا مِنْ ظالِم/ إلا وَأوْسَعَهُ الزَّمَانُ مُجَاجَا/ تَأبَى نَجَاسَتَكُمْ طَهَارَةُ أرْضِنَا/ لا عَابرينَ بِهَا وَلا حُجَّاجَا».
تَتوالَى الصُّوَرُ الشِّعْريَّةُ وما تَحْملُهُ مِن دَلالَةٍ مُجَسّدةٍ بجمالِيَّاتِ الُّلغةِ، وما تُحدثه مِن تأثيرٍ نفْسِيٍّ وذَوْقيٍّ في مُحْتوى المَعْنى وكيانِ القصيدةِ، وإنَّ معنى الشَّيءِ وفحْواهُ ومُقْتضاهُ ومَضْمونَهُ هو ما يَدُلُّ عليْهِ الَّلفظُ كما يراهُ قُدماءُ الُّلغةِ العربيَّةِ، والمُتَتَبِّعُ لِقصائدِ الدِّيوانِ يَجِدُ دَلالةَ المَعْنى في فِعْلِ المُقاومَةِ والانْتصارِ وتمْجيدِ البُطُولَةِ وسحْقِ الغُزاةِ، ومِثالُهُ ما جاءَ في قصائدِ (الفارس الصِّنْديد، نارُ غيْظِكَ، سَلِمَتْ يَمِينُكَ، جُذورُنا، قالُوا.. فأجَبْتُ، وغيرِها).
لعلَّ قصيدَتَيْ «هلوكوست غَزَّةَ» و»طُوفانُ الأقصى» تزْخرانِ بجَماليَّاتِ الُّلغةِ، التي تجعلُ مِن النَّصِّ الشِّعريِّ نَصًا حَيَويًا مُشْتَبِكًا مَعَ عَناصِرِ الدَّلَالَةِ الشِّعْريَّةِ، وإِنَّ السَّرْديَّةَ الشِّعْريَّةَ تَميطُ الِّلثامَ عَن فِعْلِ الغُزاةِ مُقابَلَ فِعْلِ المُقاومَةِ، فالصُّورةُ الإيجابيَّةُ مِن بُطولَةٍ وشَهادَةٍ وصُمُودٍ وتَحَدٍّ تُقابِلُهُ الصُّورَةُ السِّلْبِيَّةُ مِن هَزيمةٍ ودمارٍ وقتْلٍ ودِماءٍ، تلكَ الصُّوَرُ مُجْتَمِعَةً تَحْفلُ بمناخاتِ بُروزِ شِعْرِ المُقاومَةِ مِن جَديدٍ، وقد أسْهَمَ سعيد يعقوب، إِنْ لمْ يَكُنْ على رأسِ شُعراءِ المُقاومَةِ الجُدُدِ، في تقْديمِ شِعْرٍ مُقاوِمٍ يحْمِلُ مُتَوالياتٍ حِسِّيَّةً وفِكْريَّةً، بلْ يَتداخلُ الحِسِّيُّ والفِكْريُّ مَعًا، ومَنْحِ النَّصِّ الشِّعْريِّ تَنَوُّعًا وتَجْديدًا، يقول في (هلوكوست غزّة):
«هَذِي هِيَ الهُلُكُوسْتُ لَا مَا بَالَغُوا/ فِي نَسْجِهِ كَذِبًا وَلَا مَا زَوَّرُوا/ وَجَرَائِمٍ لِلْحَرْبِ لَمْ يَسْمَعْ بِهَا/ أَحَدٌ وَلَا هِيَ عَنْ «هُلَاكُو» تُؤْثَرُ/ فَمَحَاكِمُ التَّفْتِيشِ يَصْغُرُ شَأْنُهَا/ مَعَهَا فَمَا تُحْكَى وَلَا هِيَ تُذْكَرُ/ هَذَا سِجِلٌّ بِالمَخَازِي حَافِلٌ/ فِيهِ القَبَائِحُ لَا تُعَدُّ وَتُحْصَرُ/ وَالعَالَمُ العَرَبِيُّ يَنْظُرُ صَامِتًا/ وَالعَالَمُ الغَرْبِيُّ حِقْدٌ مُسْفِرُ/ وَالعَالَمُ العَرَبِيُّ إِمَّا عَاجِزٌ/ وَاهٍ وَإِمَّا شَاجِبٌ مُسْتَنْكِرُ».
وفي (طوفان الأقصى) يقول: مَهْمَا اسْتَبَدَّ الغَاصِبُ الجَبَّارُ/ وَرَمَتْ عَلَيْنَا بِالَّلهِيبِ النَّارُ/ وَقَسَا الطُّغَاةُ وَأَجْرَمُوا فِي حَقِّنَا/ وَبِشَعْبِنَا قَدْ أُلْحِقَتْ أَضْرَارُ/ وَبَغَى عَلَيْنَا الظَّالِمُونَ بِحِقْدِهِمْ/ وَجَنَتْ عَلَيْنَا العُصْبَةُ الأَشْرَارُ/ وَتَوَاطَأَ الأَنْذَالُ فِي عُدْوَانِهِمْ/ وَشَرَى وَبَاعَ حُقُوقَنَا السِّمْسَارُ/ نَبْقَى كَمَا يَهْوَى الإِبَاءُ أَعِزَّةً/ وَنَظَلُّ كَالأَطْوَادِ لَا تَنْهَارُ».
يُسَجِّلُ سعيد يعقوب لَحْظةَ انْتصارِ اليَمَنِ لِغَزّةَ، باعْتبارِها لَحْظَةً تاريخيَّةً مُقابِلَ الصَّمْتِ العربِيِّ وهوَانِهِ، فالمُحْتَلُّ الصُّهْيونِيُّ ارتَكَبَ مَجازِرَ بحَقِّ غَزّةَ لمْ تَشْهَدْها الإنْسانيَّةُ جَمْعاء:
«حَيَّيْتُ فِي اليَمَنِ السَّعِيدِ جُنُودا/ يَتَوَثَّبُونَ عَلَى العَدُوِّ أُسُودا/ قَدْ أَمْطَرُوهُ بِالصَّوَارِيخِ التِي/ جَعَلَتْهُ مَذْعُورَ الخُطَا مَجْهُودا/ ثَارُوا لِأَخْذ الثَّأْرِ لَمْ يَتَلَبَّثُوا/ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَ العَدُوِّ شَدِيدا/ مَدُّوا لَنَا كَفَّ المَعُونَةِ بَعْدَمَا/ بِتْنَا نَرَى مِنَّا القَرِيبَ بَعِيدا».
يَسْتحَضِرُ سعيد يعقوب في دِيوانِهِ (مِنْ مَسَافَةِ صِفْرٍ) ذِكْرى وَعْدِ بِلْفُورَ المُشْؤُومِ، الذي جَرَّ ويْلاتِ الحُرُوبِ على العَربِ، لِيبْعَثَ مِنْ تَحْتِ الرَّمادِ طائِرِ (الِفينِيقِ الفَلَسْطِينِيِّ):
«سَيَعْلَمُونَ وَلَكِنْ بَعْدَ خَيْبَتِهِمْ/ مَدَى الغَبَاءِ بِمَا ظَنُّوا وَمَا افْتَرَضُوا/ وَأَنَّ غَزَّةَ كَالفِينِيقِ تَخْرُجُ مِنْ/ تَحْتِ الرَّمَادِ إِلَى الأَعْلَى وَتَنْتَفِضُ/ وَأَنَّ ثَأْرًا لَنَا لَسْنَا نُضَيِّعُهُ/ أَصْحَابُهُ عَنْهُ مَا غَضُّوا وَلَا غَمَضُوا/ وَكُلُّ شَيْءٍ إِذَا وَلَّى نُعَوِّضُهُ/ إِلَّا الكَرَامَةَ مَا عَنْ فَقْدِهَا عِوَضُ».
يحْفلُ ديوانُ سعيد يعقوب «مِنْ مَسَافَةِ صِفْرٍ» بسَرْدِيَّةٍ فَلسطينيَّةٍ، مُتَدَفِّقَةِ المَعاني، مُشْتَبِكَةِ الصُّوَرِ، مُنْفَتِحَةِ الدَّلَالَةِ، وإِنَّ القارئَ أو الدَّارسَ لِقصائدِ الدِّيوانِ قد يَجِدُ فيها ما لم أَجِدْهُ، وإِنَّ وقُوفي على بعْضِ قصائِدِهِ يَتْرُكُ البابَ مَفْتُوحًا عَلى قصائِدَ أُخْرى لا تَقِلُّ أهَمِيَّةً ومَكَانَةً، أمْثالِ قَصَائِدِ: مَعْلِّشِ، أبو عُبَيْدَةَ، السَّابِعُ مِن أُكْتوبرَ، مقاطعُ مِن سِيرَةِ جَزْرٍ بنِ مَدِّ العَرَبيّ، النَتِن ياهو (وهِيَ قصيدَةٌ ساخِرَةٌ)، القُدْسُ عربيَّةٌ.. عاصمَةٌ أبدِيَّةٌ، وغيرُها مِن القصائِدِ.