Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-Mar-2020

الانهيار الاجتماعي هو الخطر الحقيقي لوباء كورونا

 الغد-برانكو ميلانوفيتش* – (فورين أفيرز) 19/3/2020

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
يمكن أن ينقلب أولئك الذين تُركوا يائسين بلا أي أمل، وعاطلين عن العمل ومن دون أي أصول، بسهولة على أولئك الذين هم في وضع أفضل. ولا يمتلك حوالي 30 في المائة من الأميركيين مسبقاً أي نقود أو أن رصيدهم بالسالب. وإذا خرج المزيد من الناس من الأزمة الحالية بلا مال ولا وظائف ولا وصول إلى الرعاية الصحية؛ وإذا أصبح هؤلاء الناس أكثر يأساً وغضباً، فإن مشاهد مثل هروب السجناء في إيطاليا مؤخراً، أو أعمال النهب التي أعقبت إعصار كاترينا في “نيو أورلينز” في العام 2005، قد تصبح شائعة. وإذا اضطرت الحكومات إلى استخدام القوات شبه العسكرية أو العسكرية لقمع أعمال الشغب أو الهجمات على الممتلكات، على سبيل المثال، فإن المجتمعات قد تشرع في التفكك.
 
* *
بحلول آذار (مارس) 2020، أصبح العالم بأسره متأثراً بشرٍّ لا يستطيع التعامل معه بشكل فعال، والذي لا يمكن لأحد أن يقدم أي تنبؤات جادة بشأن مدته. ولا يجب فهم التداعيات الاقتصادية لوباء فيروس كورونا المستجد على أنها مشكلة عادية يمكن للاقتصاد الكلي حلها أو التخفيف من آثارها. بدلاً من ذلك، يمكن أن يشهد العالم تحولاً جوهرياً في طبيعة الاقتصاد العالمي.
تتعلق الأزمة المباشرة بكل من العرض والطلب على حد سواء. العرض ينخفض لأن الشركات تغلق أو تقوم بتخفيف أعبائها التشغيلية من أجل حماية العمال من الإصابة بـ”كوفيد-19″ -المرض الذي يسببه فيروس كورونا المستجد. ولا تستطيع أسعار الفائدة المنخفضة أن تعوض النقص في العمال الذين لن يقوموا بأي عمل -تماماً كما لو أن مصنعاً تعرض للقصف في حرب، لن يستطيع سعر فائدة أخفض أن يستحضر المعروض المفقود في اليوم أو الأسبوع أو الشهر التالي بضربة سحرية.
تفاقمت صدمة العرض بسبب انخفاض الطلب الناجم عن حقيقة وجود الناس في الحظر والإغلاق، ولم تعد العديد من السلع والخدمات التي اعتادوا على استهلاكها متاحة متاحة. إنك إذا قمت بإغلاق الدول وأوقفت حركة الطيران، فلن يؤدي أي قدر من الطلب وإدارة الأسعار إلى جعل الناس يسافرون بالطائرات. وإذا كان الناس خائفين -أو ممنوعين من الذهاب إلى المطاعم أو الأحداث العامة بسبب احتمال الإصابة بالعدوى، فقد يكون لإدارة الطلب في أقصى الحالات تأثير ضئيل للغاية -وهو ليس بالضرورة الأكثر جاذبية، من وجهة نظر الصحة العامة.
يواجه العالم احتمال المرور بتحول عميق: العودة إلى الاقتصاد الطبيعي -الذي يمكن وصفه بأنه اقتصاد الاكتفاء الذاتي. وهذا التحول هو النقيض التام للعولمة. وبينما تنطوي العولمة على تقسيم العمل بين الاقتصادات المتباينة، فإن العودة إلى الاقتصاد الطبيعي تعني أن الدول سوف تتحرك نحو الاكتفاء الذاتي. وهذه الحركة ليست حتمية؛ إذا تمكنت الحكومات الوطنية من السيطرة على الأزمة الحالية أو التغلب عليها في غضون الأشهر الستة أو السنة المقبلة، فمن المرجح أن يعود العالم إلى مسار العولمة، حتى لو كانت بعض الافتراضات التي شكلت دعائمها (على سبيل المثال، سلاسل الإنتاج الدقيقة والمسيطر عليها للغاية على أساس مبدأ “التسليم في الوقت المناسب”) قد تحتاج إلى إعادة مراجعة.
ولكن، إذا استمرت الأزمة، فقد تنهار العولمة. وكلما طال أمد الأزمة؛ وكلما طال بقاء العقبات أمام التدفق الحر للأشخاص والسلع ورأس المال، كلما أصبحت هذه الحالة للأمور تبدو طبيعية. وسوف تتشكل مصالح خاصة لدعمها، وقد يؤدي الخوف المستمر من مواجهة وباء آخر إلى تحفيز الدعوات إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني. وبهذا المعنى، يمكن أن تتوافق المصالح الاقتصادية مع المخاوف الصحية المشروعة. وحتى المتطلبات التي تبدو صغيرة -على سبيل المثال، أن يترتب على كل شخص يدخل دولة تقديم شهادة صحية -بالإضافة إلى جواز السفر والتأشيرة- سوف تشكل عقبة في طريق العودة إلى الطريقة المعولمة القديمة، بالنظر إلى الملايين من الناس سوف يسافرون عادة.
قد تكون عملية التفكك هذه، في جوهرها، مشابهة لتفكك “إيكومين” العالمي الذي حدث مع تحلل الإمبراطورية الرومانية الغربية القديمة إلى عدد كبير من الإقطاعيات المكتفية ذاتياً بين القرنين الرابع والسادس. وفي الاقتصاد الناتج، تم استخدام التجارة فقط لتبادل السلع الفائضة مع أنواع أخرى من الفائض الذي أنتجته الإقطاعيات الأخرى، بدلاً من تحفيز إنتاج متخصص لمشترٍ غير معروف. وكما كتب ف. دبليو. وولبانك F. W. Walbank في كتابه “تراجع الإمبراطورية الرومانية في الغرب” فإنه “في أنحاء الإمبراطورية (المُفككة) بأكملها، كان هناك ارتداد تدريجي إلى الحرف صغيرة النطاق -من يد لفم- والتي يتم إنتاجها للسوق المحلية والطلبات المحددة للجوار القريب”.
في الأزمة الحالية، يتمتع الأشخاص الذين لم يصبحوا متخصصين بالكامل بميزة. إنك إذا كنت تستطيع إنتاج طعامك الخاص، وإذا كنت لا تعتمد على شبكات الكهرباء أو المياه العامة، فإن الأمر لا يُقتصر على أنك ستكون في مأمن من الاضطرابات التي قد تنشأ في سلاسل الإمداد الغذائي أو توفير الكهرباء والمياه فحسب؛ إنك ستكون أيضًا أكثر أماناً من الإصابة بالعدوى، لأنك لا تعتمد على الطعام الذي أعده شخص آخر قد يكون مصابًا، ولا تحتاج إلى عمال الصيانة الذين قد يكونون مصابين أيضًا لإصلاح أي شيء في منزلك. وهكذا، كلما قلت حاجتك للآخرين، كلما أصبحت أكثر أماناً وأفضل حالاً. وسوف يصبح كل شيء اعتاد أن يكون ميزة في اقتصاد شديد التخصص عيباً الآن، والعكس صحيح.
لن يكون الانتقال إلى الاقتصاد الطبيعي مدفوعاً بالضغوط الاقتصادية العادية، وإنما بمخاوف أكثر أساسية بكثير -بالتحديد عدوى مرض وبائي والخوف من الموت. ولذلك، لا تستطيع التدابير الاقتصادية القياسية سوى أن تكون مسكِّنة بطبيعتها: يمكنها (بل ويجب عليها) توفير الحماية للأشخاص الذين يفقدون وظائفهم وليس لديهم ما يعتمدون عليه أو من يلجأون إليه، والذين يفتقرون في كثير من الأحيان إلى التأمين الصحي. وعندما يصبح هؤلاء الناس غير قادرين على دفع فواتيرهم، فإنهم سيصنعون صدمات متتالية، من عمليات إخلاء المساكن إلى الأزمات المصرفية.
ومع ذلك، ستكون حصيلة المرض من الخسائر البشرية هي التكلفة الأكثر أهمية والتي قد تؤدي إلى التفكك المجتمعي. يمكن أن ينقلب أولئك الذين تُركوا يائسين بلا أي أمل، وعاطلين عن العمل ومن دون أي أصول، بسهولة على أولئك الذين هم في وضع أفضل. ولا يمتلك حوالي 30 في المائة من الأميركيين مسبقاً أي نقود أو أن رصيدهم بالسالب. وإذا خرج المزيد من الناس من الأزمة الحالية بلا مال ولا وظائف ولا وصول إلى الرعاية الصحية؛ وإذا أصبح هؤلاء الناس أكثر يأساً وغضباً، فإن مشاهد مثل هروب السجناء في إيطاليا مؤخراً، أو أعمال النهب التي أعقبت إعصار كاترينا في “نيو أورلينز” في العام 2005، قد تصبح شائعة. وإذا اضطرت الحكومات إلى استخدام القوات شبه العسكرية أو العسكرية لقمع أعمال الشغب أو الهجمات على الممتلكات، على سبيل المثال، فإن المجتمعات قد تشرع في التفكك.
وهكذا، ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي (وربما الوحيد) للسياسة الاقتصادية اليوم هو الحيلولة دون حدوث انهيار اجتماعي. ويجب على المجتمعات المتقدمة أن لا تسمح للاقتصاد، ولا سيما ثروات الأسواق المالية، بأن تتعامى عن حقيقة أن أهم دور يمكن أن تلعبه السياسة الاقتصادية الآن هو الإبقاء على الروابط الاجتماعية قوية تحت هذا الضغط الاستثنائي.
*باحث رفيع في مركز ستون للامساواة الاجتماعية في مركز جامعة مدينة نيويورك للدراسات العليا، وأستاذ المئوية في كلية لندن للاقتصاد.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Real Pandemic Danger Is Social Collapse