Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-May-2019

الأردن عصي وفي مانع متين*د بسام الساكت

 الراي-شاهد جيلنا في الاردن عمليات البناء والأزمات والمعالجات والتصدي والكدح الفردي والمؤسسي خلال العقود الماضية. إنه جيل شاهدٌ على البُناة وقيادات الاردن المنجزة في إدارة المؤسسات والدولة وتعلم منها. كما حملت تلك القيادات عمّن سبقها تجارب في «مسيرة الاستقلال الوطني» منذ الـ 25من أيار عام 1946. ولقد عمّر البناة من قومنا وقادتنا، الأرض وزرعوها فأكلنا، ونزرع فيأكل الجيل من بعدنا حصادا طيبا، بإذن الله.

 
ولم تكن مسيرة الدولة نزهة بل بها حرارة تحدي الأزمات وضيق الموارد وقلَّة ما في اليد. لكن إرادة الأمة الصلبة وهيبتها ووقوف المواطن الوفي، وبتحالُفِهما «الشريف» مع الولاة، قيادتنا الهاشمية النبيلة، فأقاموا العِماد المانع المتين الذي ينعم بظلاله أبناؤنا، ونحن، والاجيال القادمة.
 
وإن ما تم بناؤه من مؤسسات عامة وخاصة هو بناءُ دولة وليس بناءً هشاً عند هبوب أية رياح سطحية، كما يعتقد، مخطئين، بعض ذوي النفوس الأمّارة بالسوء. بل بناء صامد صابر تعلم ولاته وأبناؤه بتصميم وإرادة وإخلاص، كيف يعبر الأزمات بسلام وبأدنى الإصابات.بل يعتبر التحديات فرصاً تصلّب عوده. فنجح الوطن في تحويل نقاط ضعف فيه الى نقاط قوة تضمن الاستمرارية.
 
لقد مرت الأزمات على الاردن والأعباء وحملات التشكيك، وبقي الوطن ثابتا ومؤسساته مهابة الجانب؛ لقد مرّ في المسيرة، عام 1967 حين إحتلت الضفة الغربية وفقدنا باحتلالها 45% من الناتج الوطني المحلي الاجمالي؛ وعبر بلدنا تحديات إقتصادية حين أفلس بنك إنترا في الستينيات من القرن العشرين؛ وأفلس بنك البتراء في السبعينيات؛ وعبرنا أزمة الأمن الوطني في احداث عام 1970 والتدخلات الإقليمية في شؤوننا؛ وتجاوزنا التضخم الجامح الذي وصل معدله 15% بفعل ارتفاع أسعار النفط عام 1973. وما خفف من تبعات تلك الأزمات الاقتصادية إلاّ سياسات حكومية إقتصادية إجتماعية من إدارات مقنعة، فجسّرت بفعل المساعدات الخارجية الفجوة ما بين الادخار والاستثمار.
 
ويحتفظ الاردن على خط سير في البناء والصمود، في مسيرة الاستقلال الوطني، هو خط، رغم أحمال القضية الفلسطينية وحملات الظلم، خطاً ملتزماً بثوابت الأمة وقيمها السماوية من إعتدال وتسامح وتواصل، وإعلاء لحسِّ العدالة، يقوم برسمه وتنفيذه إدارات لها جسور حديدية مع المواطن، عبرت عليها الدولة؛ وبيئة يطمح فيه الوالي والشعب لدوام «الجهاد الإصلاحي»، ما استطاعوا، وفق محددات الأمة الاجتماعية والمالية والسياسية ومحددات بوصلة الاعتدال في نهج الحكم.
 
ويعتبر الإصلاح في الاردن نهجاً مستمراً لا يتوقف ما دامت الأمة .هو «إصلاح شامل متدرج»، يشمل المواطن والدولة، ويحتاج دوما الى «تربية وطنية ونشأة» يتجذر ويتحالف فيها ويتكاتف المرعيين مع القيادة، محتضنين قيم البلاد وروافعها. ولم يعد من المقبول أبداً في مجتمعنا أن تُلقَى مهمة الدفاع عن الوطن وأمنه واستقلاله فقط على الأجهزة الأمنية المختصة وحدها، بل أن المواطن مسؤول عن إصلاح ذاته و شريك في حماية أمن الوطن.
 
ولنُنْعِشْ ذاكرتنا بقاعدة أرخميدس -العالم الفلكي اليوناني الصِّقلّي -قاعدة الأواني المستطرقة عام 278 قبل الميلاد. إن الحال العربي الجاري والأحوال الداخلية في البلاد العربية جميعا تخضع للقاعدة الفيزيائية تلك، ولكن بمفهوم سياسي اجتماعي. إنها «الهندسة السياسية الأمنية» منذ ان وضع أرخميدس تلك للسوائل، مارة بالحديث النبوي الشريف حين أشار الى مثلٍ له دلالة حين تتصرف فئة من العابثين في أسفل السفينة الجاهلين بحقيقة «أمنهم الجماعي» فيُقبِِلون على خرق السفينة من حيِّز لهم بدافع الأنانية، معتقدين انه موقع منفرد لهم وحدهم
 
}فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا{.
 
إنه مثلٌ وعِبرة وسياسة مطلوب رعايتها من المواطن والولاة في البلدان العربية راكبي القوارب والسفينة العربية. ذلك أن أي حدث أو مشكلة، داخلية، صغيرة أو كبيرة، في أي قطر عربي، فقرا أو ثراء، أو حريقاً أو إنغلاقاً أو تخريباً، في أي بقعة أو في أي شأن عام، يُوجِِب على كل فرد ، كما هو على الدولة، التصدي والمشاركة في الحل ؛ فالكل مسؤول فيه، وعنه. فبلداننا وأقطارنا أوانٍ مستطرقة. كما لا تستطيع أية دولة عزل نفسها عمّا يجري من اوضاع في بلدان اخري شقيقة. إنها مسألة أمنية داخلية كما هي مسألة عربية جماعية تحفظ الاستقلال والكينونة في كل قطر ولكل قطر.
 
لقد عبر الاردن في مسيرة الاستقلال، كادحاً الى ضِفاف الأمان وخرج من كل تحدٍ واجهته البلاد. فوطننا يؤمن بطاقة الشباب ويستثمر فيهم ويمتحنهم في مواقع المسؤولية. نعم عندنا إنجاز وحصاد إيجابي نلمسه في التعليم والصناعة والزراعة وبناء المؤسسات. كما كان هناك خيبات أمل في عدد ممن إختبرتهم المسؤولية العامة. لكن إستخدام قاعدة العدالة والربط بين المسؤولية الممنوحة والمساءلة،هو دواء فيه شفاء نستخدمه في الاردن بعقلانية، لما له ابعاد على أمن الرعية والوطن.
 
ويجاهد مليكنا، عبدالله الثاني ابن الحسين -أعزّه الله، حاملا إرث وكفاح الوُلاة الأوَّليِن، من الحسين بن علي وعبدالله الأول بن الحسين، والحسين ابن طلال، رحمة الله عليهم جميعاً. ويحمل إرث الوطن، وإرثاً رفيعا هو مؤونة لمواصلة البناء والاستقلال فواصل الاردن حامل شعلةً الأمانة يسير واثقاً، حذِراً، معتدلا في نهجه الاجتماعي مُبْتعِدا، ما أمكن، عن المحاور الشائكة حماية لأمنه الوطني، وتَجنُّب أشواك حرب العراق والفتن في سوريا والجوار.
 
وها نحن الآن يرتفع صاعداً عندنا «منحنى حوكمة الدولة» ويتعمق رغم مرورنا بظروف سياسية اجتماعية ومالية شادَّة من مديونية وعجوزا مالية وإدارية، تحتاج منا حشد «وشد أحزمة العقول» الوفيَّة لنحصِّن أمن البلاد والعباد، ونرفع فيها حسّ العدالة وسيادة القانون واستقلال القضاء -ميزان العدالة، (والحكمة تقول: إذا دخلت السياسة شباك القضاء، خرج العدل من الباب)، ولِنرْبِط، بشكل أمتن، المسؤولية بالمساءلة، ونُطَوِّر ونُعِيد مراجعة هيكلة الإدارات الحكومية بهدف التطوير وتمتين جسورها مع المواطن. إن في ذلك استدامة العمران الذي نحن فيه، والاستقلال الذي نتمسك به، وتثقيل الموازين. وإيُّ قراءة مخلصةٍ لسجل التاريخ في بلدنا، وفي الإقليم الذي يحيط بنا، تدلل بوضوح، لولا أن الولاء والإنتماء في البلاد راسخاً، وقيادته عربية مؤمنة، لضعفت بنية استقلالنا وهبط العمران، كما يحصل عند غيرنا -وفق ما وصفه إبن خلدون في كتابه الموزون -مقدمة ابن خلدون.
 
لقد كنت شخصياً، وما زلت أؤمن بأن الخير كثير في أُردُننا، بأهله وقيادته. فالأردنيون هم من دُعاة التعمير والسلم، نهجاً سياسياً إجتماعياً، وليس من دُعاة التدمير. وأتطلع دوما بإيمان لا يتزعزع، الى «نفط الاردن» -«إنه في العقول» لا في الحقول فقط، إنه في الشباب، فهم الأمل، ينشد فيهم الوطن «الأمل والعمل» لتعزيز إستقلاله، والتمسُّك بمبادئ الحرية، والإستقامة، وإحترام الدستور والقانون، والإرتقاء في المعارف، وبِرِّ الأهل؛ نريدهم بُناةً مُبتَكِرينَ، ومُبدِعين، ولا مُقلّدين، ولا إنتقاميين، من أنفسهم، بالعبثِ والعُنف. وإذا ما صاحب ذلك الثراء بالشباب المُحَصَّن، هِمَّة أصحاب رأس المال، مُترجمين نعمَةَ البلاد عليهم، «مساهمة منظمة» في المسؤولية الاجتماعية، عندئذ نجدُ أنفسنا «أكثر منعة»، وفي مسيرة إستقلالٍ «تراكُميةٍ، راسخةٍ، في وطننا العصيُّ، الوفيُّ، المانعُ، المتينُ، الذي يستَحِقُنا ونستَحِقُه، ونفدية، وقيادته، بأرواحنا.