الراي - كامل إبراهيم
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أمس، ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 44 ألفاً و976 شهيداً، إلى جانب 106 آلاف و759 إصابة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وقالت الوزارة، في بيان صحافي أمس: «ارتكب الاحتلال الإسرائيلي خمس مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، ووصل منها للمستشفيات 46 شهيداً و135 مصاباً خلال الـ 24 ساعة الماضية».
وأضافت أنه في «اليوم الـ 436 للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة ما زال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم».
كما، أعلن الناطق باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل أن 18 فلسطينياً استشهدوا في غارات عدة شنها سلاح الجو الإسرائيلي ليل السبت الأحد في مناطق متفرقة في القطاع.
وقال بصل إن الدفاع المدني «نقل 18 شهيداً على الأقل وعشرات المصابين جراء استمرار العدوان والقصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي في مناطق متفرقة في قطاع غزة الليلة الماضية وحتى صباح الأحد». وأوضح بصل: «قتل 4 مواطنين وأصيب عدد من المواطنين في غارة إسرائيلية جوية استهدفت منزلاً في شارع النفق وسط مدينة غزة، و3 شهداء غيرهم وهم أشقاء من عائلة طوطح، في قصف الاحتلال بصاروخ من الطيران الحربي منزلاً لعائلة طوطح في حي الزيتون بمدينة غزة، كما استشهد 3 مواطنين وأصيب عدد آخر في استهداف شقة لعائلة العطل، ومنزل لعائلة عروق في حي?الشيخ رضوان في غزة».
من جهته قال مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية، إن الاحتلال يواصل القصف الجوي والمدفعي باتجاه مستشفى كمال عدوان والمناطق المحيطة في شمال القطاع، موضحاً أنه منع الوفد الطبي من الوصول للمشفى، حيث نعاني من نقص بالكوادر الطبية نتيجة الاستهداف الإسرائيلي، واستشهاد عدد كبير من الأطباء والممرضين.
وقال أبو صفية: «لا نستطيع تقديم العلاجات اللازمة للمصابين والمرضى، نظراً لاستمرار منع إدخال الأدوية والوقود والمستلزمات الطبية للمشفى». مبيّناً أن أكثر من مائة مريض ومصاب لا يزالون في المستشفى الذي تحاصره دبابات إسرائيلية.
ويتزامن ذلك مع تصاعد الحديث عن إحراز تقدم في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس بوساطة قطرية مصرية تركية، تُفتح الآفاق أمام نهاية قريبة لحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة. في ظل هذه التطورات، ناقش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزرائه وكبار المسؤولين السياسيين والعسكريين ملامح اليوم التالي للحرب، مما يعكس اهتمام الحكومة الإسرائيلية بالتحضير للمرحلة المقبلة قبل دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب البيت الأبيض في العشرين من الشهر المقبل. وتأتي هذه المداولات بعد أشهر من الامتناع عن بحث القضية، ما يشير إلى تقدم ملحوظ في مسار التفاوض.
وبحسب صحيفة «إسرائيل هيوم»، فإن اجتماع نتنياهو الأخير تناول إمكانية الحفاظ على حرية العمل العسكري في قطاع غزة بعد الحرب، مع التأكيد على ضرورة إيجاد بديل عن حكم حماس لمنع إعادة بناء قوتها العسكرية. وقال مصدر عسكري إن غياب هذا البديل قد يؤدي إلى عودة التهديدات في غضون سنوات قليلة.
وعن التقدم في المفاوضات جاء في سياق تغييرات إقليمية ودولية قالت الصحيفة، وأبرزها تراجع الدعم الإيراني لحماس، واستمرار تهديدات الإدارة الأمريكية بفرض ضغوط على الأطراف لتعجيل إنهاء الحرب. وتُعد صفقة تبادل الأسرى جزءًا محوريًا في هذا المسار، حيث أشار مسؤول إسرائيلي إلى أن الضغط الأمريكي المتزايد و"عزلة حماس» عربياً ودولياً دفعا الأخيرة للقبول بخطوات لم تكن مطروحة سابقًا.
حسابات معقدة
على الجانب الفلسطيني، تنظر حماس إلى الصفقة كفرصة للحفاظ على شرعيتها بعد أشهر من التصعيد العسكري والخسائر البشرية والمادية الهائلة في صفوف المدنيين والبنية التحتية للقطاع المحاصر منذ العام ٢٠٠٦. ومع ذلك، تواجه الحركة معضلة الموازنة بين تحقيق مكاسب سياسية والقبول بشروط إسرائيلية قاسية قد تؤثر على صورتها أمام أنصارها ومحور المقاومة الذي تركها وحيدة في الميدان.
في هذا السياق، لا تزال قضية إعادة إعمار قطاع غزة وإيجاد ضمانات لعدم عودة الحرب تمثل تحديًا رئيسيًا. فالإصرار الإسرائيلي على استمرار السيطرة الأمنية في غزة ومعابرها واجوائها وحدودها البحرية يعني أن أي تسوية ستواجه عقبات كبيرة تتطلب دعمًا إقليميًا ودوليًا لتحقيق استقرار طويل الأمد.
الضفة الغربية: تداعيات غير متوقعة
في موازاة ذلك، ناقش المجلس الوزاري الأمني المصغر «الكابينيت» الأوضاع في الضفة الغربية، مع تصاعد التخوفات من انتقال عدوى المقاومة من غزة إلى الشمال الضفة الغربية المحتلة. قدم الجمعة الماضية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش مقترحات لضربات استباقية لمواجهة أي تصعيد محتمل.
وبحسب مصادر سياسية، فإن الحكومة الإسرائيلية تخشى أن تؤدي التطورات في غزة إلى تأجيج الأوضاع في الضفة الغربية التي تشتعل غضباً، مما قد يعقّد الوضع الأمني.
الاقتصاد الفلسطيني تحت الحصار
تزامنًا مع هذه التطورات، يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة أزمات اقتصادية خانقة. منذ 7 أكتوبر، تمنع إسرائيل دخول عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين إلى داخل الخط الأخضر للعمل، مما أدى إلى تفاقم الفقر والبطالة في المناطق الفلسطينية.
وذكرت صحيفة «هآرتس» أن هذا الإجراء يمثل جريمة أخلاقية وانتهاكًا للقوانين الدولية، حيث يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير على العمالة في إسرائيل. وقالت الصحيفة أن هذا الوضع يدفع إلى تساؤلات حول قدرة الفلسطينيين على تجاوز التداعيات الاقتصادية للحرب، خاصة في ظل استمرار القيود الإسرائيلية على حركة الأفراد والبضائع. ويزيد من تعقيد الموقف غياب التنسيق بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، مع تصاعد التوترات السياسية بين الطرفين.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن صفقة تبادل الأسرى تشكل نقطة تحول في الأزمة، لكنها ليست سوى بداية لمسار طويل ومعقد. فالتوصل إلى تسوية شاملة يتطلب تحقيق توازن بين المطالب الإسرائيلية بضمان الأمن والمطالب الفلسطينية برفع الحصار وتحقيق العدالة وخلق مسار سياسي يحقق من خلاله الفلسطينين اهدافة بالحرية والكرامة.
مع اقتراب نهاية الحرب، تبرز تحديات بناء السلام وإعادة الإعمار كأولويات ملحة، في حين أن الفجوة العميقة بين الطرفين تفرض على المجتمع الدولي دورًا حاسمًا في ضمان نجاح أي اتفاق مستقبلي. الصفقة المرتقبة قد تنهي فصولًا دامية من الصراع، لكنها لن تكون نهاية المطاف في صراع طويل الأمد تتداخل فيه الحسابات السياسية والإنسانية.
غزة بين نيران الحرب وإعادة الإعمار
ومع استمرار حرب الإبادة ومواصلة الاحتلال العمليات العسكرية في غزة، تظهر صورة اقتصادية قاتمة للقطاع المحاصر، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت وطأة الفقر والدمار. بالنسبة لإسرائيل، الحرب انتهت، وأعيد توجيه الأنظار إلى إعادة الإعمار واستعادة الأنشطة الاقتصادية في المناطق المحيطة. لكن في غزة، الواقع مختلف تمامًا، إذ يواجه السكان كارثة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.
البنية التحتية المدمرة
تعرَّضت غالبية المباني والبنية التحتية الأساسية في غزة للدمار أو الأضرار البالغة. يشمل ذلك المساكن، المستشفيات، المدارس، المساجد الكنائس الجامعات وشبكات الكهرباء والمياه والدوائر الحكومية والمؤسسات العامة والخاصة.
تقدر قيمة الأضرار المادية بمليارات الدولارات، مما يعقد أي محاولة للعودة إلى الحياة الطبيعية أو الانتعاش الاقتصادي.
توقف الأنشطة الاقتصادية، يعاني القطاع من شلل شبه كامل في التجارة والصناعة. المصانع إما دُمِّرت أو توقفت عن العمل بسبب نقص الوقود والمواد الخام.
البطالة في غزة وصلت إلى معدلات قياسية، مع تقديرات تفوق 70% من القوى العاملة.
أزمة المساعدات الإنسانية، تعاني غزة من نقص حاد في المواد الغذائية والطبية، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. ويعتمد السكان بشكل كبير على المساعدات الدولية، التي تواجه تحديات لوجستية وسياسية في الوصول إلى القطاع. الأسواق المحلية في غزة تعاني من ندرة البضائع وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.
انخفضت القوة الشرائية لدى السكان بسبب فقدان الدخل والبطالة.
الوضع الاقتصادي في إسرائيل معاكس بفعل الدعم الغربي والامريكي للاحتلال... إعادة الإعمار في المناطق المحيطة بغزة: بدأت إسرائيل بإعادة بناء المستوطنات والمناطق المحيطة بغزة، مع استئناف الأنشطة الاقتصادية.
تسارع وتيرة إعادة الإعمار يشير إلى عودة الحياة إلى طبيعتها بالنسبة للسكان الإسرائيليين.
التأثيرات الإيجابية على الاقتصاد الإسرائيلي: تحسن نسبي في حركة التجارة المحلية والدولية، خاصة بعد تراجع تهديد الصواريخ.
تعزيز مشاريع البنية التحتية الإسرائيلية في المناطق المحيطة بغزة.
التحديات الاقتصادية المشتركة:
الضغوط المالية:
تواجه إسرائيل ضغوطًا مالية متزايدة نتيجة التكاليف الباهظة للحرب وإعادة الإعمار.
من المتوقع أن تستمر غزة في الضغط على ميزانيات المساعدات الدولية والإقليمية.
تأثير الصفقة المحتملة لتبادل الأسرى: قد تؤدي صفقة تبادل الأسرى المرتقبة إلى تحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية بشكل محدود، لكن تأثيرها على غزة سيكون أقل وضوحًا.
التوقعات المستقبلية:
لغزة: يتطلب التعافي الاقتصادي للقطاع دعمًا دوليًا هائلًا واستثمارًا طويل الأمد.
يجب التركيز على إعادة بناء البنية التحتية الحيوية وخلق فرص عمل للسكان.
الحرب في غزة تركت آثارًا اقتصادية مدمرة على القطاع، في وقت بدأت فيه إسرائيل بمرحلة إعادة الإعمار والاستقرار. بينما يظل أكثر من مليوني فلسطيني في غزة يكافحون للبقاء على قيد الحياة، فإن تحقيق تعافٍ اقتصادي حقيقي يتطلب جهدًا جماعيًا ودعمًا عالميًا لانتشالهم من براثن الفقر والدمار.
ولا شك أن إهمال غزة اقتصاديًا سيؤدي إلى تعميق الأزمة الإنسانية وزيادة احتمالات التوتر الإقليمي، مما يجعل التدخل الفوري ضرورة اقتصادية وسياسية على حد سواء.