Monday 25th of November 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Nov-2024

ابتعاد النظام السوري من “محور الممانعة”… استراتيجي أم تكتيكي؟
اندبندنت عربية – سوسن مهنا -
 
تقف المنطقة على برميل بارود مع التصاعد الخطر في الحرب المندلعة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 وتشهد احتقاناً على جبهات محلية وإقليمية عدة.
 
وتتزايد المخاوف في لبنان من انزلاق الوضع الأمني إلى مواجهات أوسع، إذ إن الحسابات الإقليمية تتداخل مع الملفات المحلية، مما يبقي الوضع على حافة الانفجار، بعدما أصبحت الاغتيالات والغارات تطاول قلب بيروت بصورة شبه يومية، محدثة دماراً وخراباً لم تشهده العاصمة اللبنانية ربما حتى إبان اجتياح يونيو (حزيران) عام 1982، فيما تتذرع إسرائيل بأن قادة “حزب الله” يختبئون بين المدنيين وأنه لا تزال لدى الحزب مخازن أسلحة في الضاحية الجنوبية.

وعلى الصعيد السوري، تحاول التدخلات الإقليمية والدولية في ظل تعقيد المشهد بين العمليات العسكرية والتحركات الدبلوماسية، إعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمي، فيما تتزايد الضغوط الدولية للحد من التصعيد. في الوقت نفسه، تعاني المنطقة ضغوطاً اقتصادية خانقة تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية، مما يبرز دور القوى الإقليمية في إعادة تشكيل التحالفات وترتيب الأولويات.

وتأتي هذه التطورات في سياق جيوسياسي عالمي مضطرب، فتلقي الحرب في أوكرانيا والاحتكاكات بين القوى الكبرى بظلالها على الشرق الأوسط، مما يزيد من تعقيد المعادلات الإقليمية، وتبرز أهمية المواقف المحلية والدولية في رسم مستقبل المنطقة. وعلى ضوء ذلك، تعيش المنطقة لحظة مفصلية توازن بين احتمالات الحرب وفرص السلام، وسط شبكة معقدة من التوترات والصراعات. وبينما تترقب الشعوب مخرجاً من أزمات اقتصادية خانقة، تبقى المنطقة رهينة لتحركات القوى الفاعلة التي قد تدفع بها نحو مواجهة شاملة أو مسار تسوية شاق.

النظام السوري وسر بقائه

وبين التعقيدات السياسة الإقليمية والدولية، يقف النظام السوري كواحد من أكثر الأنظمة إثارة للجدل والغموض منذ وصول الرئيس السابق حافظ الأسد إلى السلطة عبر سلسلة من التحولات السياسية والانقلابات العسكرية التي عُرفت بها البلاد في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ودخل الأسد الذي كان ضابطاً طموحاً في سلاح الجو في التيار البعثي الذي استخدم المؤسسة العسكرية كأداة لتحقيق أهدافه السياسية. وعام 1963، شارك الأسد في انقلاب “حزب البعث” الذي أطاح بالنظام القائم، ليصبح أحد أبرز الشخصيات العسكرية في الحزب. وبعد سلسلة من الصراعات الداخلية داخل “البعث”، تمكن الأسد من تصفية خصومه السياسيين والعسكريين من خلال انقلاب “الحركة التصحيحية” عام 1970 الذي رسخ قبضته على السلطة وجعله رئيساً لسوريا، واضعاً بذلك حجر الأساس لنظام استمر لعقود تحت سيطرة عائلته.

ويقول الصحافي سامر داغر، صاحب كتاب “الأسد أو نحرق البلد”، في مقالة له نشرت عبر موقع “ذا أتلانتيك” في يونيو (حزيران) عام 2019، إن “حكم سوريا شأن عائلي إلى حد كبير”، متحدثاً عن التماثيل التي انتشرت من جديد في سوريا للرئيس الأسد الأب ومشيراً إلى أن “إعادة التماثيل واللوحات الإعلانية طريقة (رئيس النظام السوري بشار) الأسد لإخبار المجتمعات المتمردة ذات يوم بأن أي مقاومة أخرى لن تجدي نفعاً”، كما يرى أن إعادتها تؤكد رسالة مفادها بأن “عائلة الأسد انتصرت على رغم الكلفة الهائلة”. ويلفت إلى أن هذه التماثيل هي بمثابة سخرية من المعارضة التي قام بتدميرها بطريقة وحشية، بالإشارة إلى تمثال حافظ الأسد البرونزي الذي نصب في بداية مارس (آذار) عام 2019 في الساحة الرئيسة لمدينة درعا، وقبل أيام من الذكرى الثامنة للثورة ضد ابنه بشار عام 2011.

ويعلق مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث والخبير البارز في الشؤون السورية ستيفن هايدمان في حديث إعلامي على إعادة نصب تماثيل الأسد الأب، بأن “الرسالة واضحة للغاية، لقد عدنا”، ويصف إعادة نصب التماثيل بأنها “تعبير عن الانتصار من جانب النظام” مما كان “محبطاً للغاية” لمعارضيه، ويضيف أنها “استراتيجية قوية للغاية ومؤثرة للغاية”.

تبدل في الأولويات السورية

وعلى مدى عقود، كانت سوريا واحدة من الركائز الأساسية لـ”محور الممانعة” الذي تشكل لمواجهة الهيمنة الغربية والإسرائيلية في المنطقة، وارتبط هذا المحور بسوريا وإيران و”حزب الله”، إضافة إلى فصائل فلسطينية كحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”. ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تغيرت المعادلات السياسية والاستراتيجية بصورة جذرية، فأصبحت سوريا محور صراع إقليمي ودولي، مما أثر في طبيعة علاقة النظام مع حلفائه التقليديين. وخلال الأعوام الأخيرة، ظهرت مؤشرات واضحة على تراجع ارتباط النظام السوري بـ “محور الممانعة” مع بروز تحولات في علاقاته الإقليمية والدولية والانفتاح على الدول العربية ومحاولات التطبيع مع قوى إقليمية مثل السعودية والإمارات وتخفيف اعتماده على الدعم الإيراني، وكلها عوامل عكست تغيراً في الأولويات السورية.

في هذا السياق، يثير هذا الابتعاد أسئلة حول أسباب التحول، وهل هو استراتيجي ودائم أم تكتيكي ومرتبط بالظروف الحالية؟ وما إذا كانت دمشق تبحث عن إعادة تموضع في النظام الإقليمي؟ وهل المتغيرات الجذرية في سوريا وابتعادها من “محور الممانعة”، قد يفضيان إلى مفاوضات مع إسرائيل، شبيهة بمفاوضات السلام التي حدثت بينها وإسرائيل في مرحلة سابقة؟.

خلفية تاريخية

شهدت العلاقات السورية-الإسرائيلية مراحل متعددة من الصراع والمفاوضات، وكان ملف السلام أحد الملفات المعقدة نظراً إلى تشابك المصالح الإقليمية والدولية، وانطلقت مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل رسمياً بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 الذي رعته الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي (آنذاك). وركزت المفاوضات بصورة أساسية على استعادة مرتفعات الجولان المحتلة منذ عام 1967 مقابل ضمانات أمنية لإسرائيل، ومرت تلك المفاوضات بمحطات مهمة، من بينها:

مؤتمر مدريد 1991

شكل المؤتمر نقطة انطلاق للمفاوضات السورية-الإسرائيلية ضمن إطار شامل لحل الصراع العربي-الإسرائيلي، وكانت سوريا تسعى إلى استعادة كامل أراضيها المحتلة، بينما طالبت إسرائيل بضمانات أمنية واعتراف دبلوماسي.

مفاوضات واشنطن (1992-1996)

وكانت إسرائيل كشفت عن جزء من أرشيفها السري في يونيو (حزيران) عام 2023، تضمن ما شهدته أوائل التسعينيات، حين أجرت وفود إسرائيلية وعربية محادثات صعبة في واشنطن، شملت 637 برقية سرية وصلت إلى رئيس وزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريز عن مضمون المفاوضات مع سوريا بالذات، ففيما أعلنت إسرائيل سعيها إلى اتفاق سلام، أظهر النظام السوري إصراراً على انسحاب فوري من الجولان. وكشف المراسل السياسي لصحيفة “يديعوت أحرونوت” إيتمار آيخنر عن أن “هذه الوثائق السرية أرسلها البروفيسور إيتمار رابينوفيتش، رئيس فريق المفاوضات الإسرائيلي مع سوريا ودول عربية أخرى عامي 1992-1993 إلى رابين وبيريز، وتكشف عن المحادثات الصعبة والمنفصلة التي أجراها الطرفان في واشنطن أوائل التسعينيات، وتتضمن لمحة نادرة وتقارير مفصلة من مناقشات مجموعات العمل الثنائية بين إسرائيل وسوريا والأردن والفلسطينيين ولبنان، ومعظمها كما ذكر مفاوضات صعبة، خالية من الثقة المتبادلة”. واستمرت المفاوضات بوساطة أميركية، محققة تقدماً محدوداً بسبب الخلافات حول حدود الانسحاب الإسرائيلي من الجولان وشكل السلام الذي تطالب به إسرائيل.

مفاوضات شيبرد تاون في ولاية فرجينيا الغربية عام 2000

عُقدت برعاية الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، لكنها انتهت من دون نتائج حاسمة بسبب الاختلاف حول خطوط الرابع من يونيو عام 1967 التي تصر سوريا على استعادتها كاملة، بينما ترفض إسرائيل الانسحاب الكامل من بحيرة طبريا.

 

وتحدث فاروق الشرع في كتاب مذكراته “الرواية المفقودة”، كان حين عقد المفاوضات وزيراً لخارجية النظام السوري، عن أسباب فشل اجتماعات شيبرد تاون الأميركية بعد أيام قليلة على انتهائها، على رغم المرونة التي أظهرها الجانب السوري في جميع اللجان الثلاث التي أخذت معظم وقت المفاوضين السوريين والإسرائيليين وبإشراف الأميركيين ومساعدتهم لإنجاز أعمالها.

أما اللجنة الرابعة المتعلقة برسم حدود الرابع من يونيو 1967، فظلت تراوح مكانها لأن رئيس الجانب الإسرائيلي في تلك المفاوضات إيهود باراك لم يكُن على استعداد للاعتراف بمضمون “وديعة رابين”، ومن ثم لم يكُن موافقاً على رسم الحدود بحسب خط الرابع من يونيو وأن كلامه الذي كان يردده خلال المفاوضات بأنه لن يمحو أو يشطب ما كان قد وافق عليه أسلافه، خصوصاً رابين ووديعته الشهيرة، لم يكُن له أي معنى على أرض الواقع. ويشير الشرع في كتابه هذا إلى أن كلينتون كان ضحية تلاعب وتضليل من باراك، عبّر عنها “بصراحة لي شخصياً في لقائنا الثنائي القصير قبل مغادرة شيبرد تاون، والأهم أنه عبّر عنها أيضاً في اتصال هاتفي طويل أجراه مع الرئيس حافظ الأسد بتاريخ 18 يناير (كانون الثاني) عام 2000. قال الرئيس كلينتون خلال الاتصال مع الرئيس حافظ الأسد ’لقد فكرت كثيراً حول آخر محادثاتنا، وبملخص الوزيرة أولبرايت عن محادثاتها مع الوزير الشرع، وكما تعلم يا سيادة الرئيس، فقد أصبت بعد الأسبوع الأول لمحادثات شيبرد تاون بخيبة أمل لأن الإسرائيليين لم يستجيبوا للمسائل التي أظهرتم فيها مرونة. لقد أوضحت لرئيس الحكومة باراك أننا في حاجة للتحرك إذا أردنا النجاح وأن على إسرائيل وسوريا اتخاذ قرارات صعبة. وقد حصلت الآن من باراك على إعادة تأكيد وديعة رابين، مع البدء بعملية رسم حدود الرابع من يونيو إلى جانب المسائل الأخرى‘. وقاطعه الرئيس الأسد، قائلاً ’هذا جيد‘. وتابع الرئيس كلينتون كلامه الذي يبدو أنه كان مدوناً، قائلاً’ “آمل في أن يشكل هذا استجابة لحاجاتكم التي عبرتم لي عنها، وكما لخصها لي فاروق الشرع عندما اجتمعت معه وهي البدء بترسيم الحدود. وإذا كان هذا يستجيب لمطالبكم، فإن لباراك أيضاً مطالب لا بد من أن يحصل عليها مع موضوع الحدود وتأكيد وديعة رابين، وهي بدء المحادثات على الجهة اللبنانية بعد أيام عدة من لقاء سوريا ولبنان مرة ثانية‘”.

القنوات غير الرسمية عام 2008

جرت محادثات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل بوساطة تركية خلال حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وتركزت النقاشات على شروط الانسحاب الإسرائيلي من الجولان، لكنها توقفت بسبب الحرب على غزة وانتهاء ولاية أولمرت.

أسباب فشل المفاوضات

من أهم أسباب فشل المفاوضات هو الخلاف على حدود الرابع من يونيو عام 1967، ففي حين أصر النظام السوري على استعادة كامل الجولان، رفضت إسرائيل الانسحاب الكامل، بخاصة من المناطق الاستراتيجية وطالبت بوجود مناطق منزوعة السلاح وضمانات أمنية صارمة، مما رأت فيه سوريا تهديداً لسيادتها. أضف إلى ذلك أن الطرفين لم يتمكنا من بناء ثقة متبادلة، خصوصاً مع استمرار النشاط العسكري لإسرائيل وتنامي نفوذ “حزب الله” وإيران في المنطقة، ومن ثم كان للتحولات في القيادات السورية والإسرائيلية والأميركية دور في تعطيل المفاوضات.

الواقع السوري اليوم والمتغيرات الإقليمية

منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، شهدت البلاد تغيرات جذرية في بنيتها السياسية والجغرافية، من أبرزها التحالف مع إيران و”محور الممانعة”، فزاد النظام من اعتماده على إيران وروسيا خلال الحرب، مما عزز موقعه داخل “محور الممانعة”.

وشهدت المنطقة موجة من اتفاقات السلام بين إسرائيل ودول عربية مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، مما أثار تساؤلات حول إمكان دخول دمشق في مسار مشابه، لكن الصراع الداخلي أدى إلى تآكل النفوذ المركزي للدولة السورية، مما جعلها أقل قدرة على التفاوض في ظل الظروف الحالية.

هل نشهد مفاوضات مستقبلية؟

يجيب نائب مدير الأبحاث في معهد “كارنيغي الشرق الأوسط” مهند الحاج علي عن هذا السؤال بـ “نعم”، وبحديثه إلى “اندبندنت عربية” اعتبر أن “النظام جاهز لخوض مفاوضات لولا الوجود الايراني. وبالتأكيد لو ضعفت إمكانات إيران، فعلينا توقع مثل هذا السيناريو، لكن في الوقت الحالي فإن ذلك صعب نظراً إلى اعتماد النظام على طهران وميليشياتها لدعم قواته في معاركها ضد المعارضة”.

فرص المفاوضات وإعادة التموضع الإقليمي

يرى متابعون أنه إذا ابتعد النظام السوري من “محور الممانعة” وبدأ بتحسين علاقاته مع الدول العربية والغربية، فقد تظهر فرص لمفاوضات جديدة، وقد تقوم الولايات المتحدة وروسيا بدور في تحفيز الطرفين على استئناف المحادثات، خصوصاً إذا كان ذلك يخدم مصالح إقليمية أكبر. ولكن ذلك دونه تحديات من بينها نفوذ إيران و”حزب الله”، إذ إن بقاء سوريا في “محور الممانعة” واستمرار ارتباطها بطهران قد يمنعان أي تقارب مع إسرائيل، ومن الصعب تخطي عقود من الصراع، بخاصة مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان، فضلاً عن الوضع الداخلي السوري واستمرار الأزمة، مما يجعل من الصعب التركيز على ملفات خارجية مثل مفاوضات السلام. كما أن إيران تعتبر سوريا جزءاً من استراتيجيتها الإقليمية ولن تتقبل بسهولة تخلي دمشق عن “محور الممانعة”، كذلك يعتمد “حزب الله” على سوريا كخط إمداد استراتيجي، مما يجعل أي تقارب سوري مع إسرائيل تهديداً لوجوده.

دوافع محتملة نحو السلام

ولكن وجود موانع لا ينفي وجود دوافع محتملة نحو السلام من بينها ضمان بقاء النظام، فقد يسعى النظام السوري إلى السلام لتخفيف الضغوط الدولية ورفع العقوبات، إضافة إلى عامل الاستفادة الاقتصادية، فالسلام قد يجلب استثمارات ودعماً اقتصادياً دولياً. كما أن روسيا قد تدعم اتفاق سلام سوري-إسرائيلي إذا كان يخدم مصالحها في تقليل النفوذ الإيراني وتعزيز استقرار النظام السوري.

وقد يتجه النظام السوري إلى مسك العصا من الوسط عبر الموازنة بين علاقته مع “محور الممانعة” ومحاولات تحسين علاقاته مع الدول العربية والدولية من دون اتفاق سلام كامل مع إسرائيل. وإذا ما تلقت سوريا ضمانات دولية واقتصادية كافية، فقد تنفتح على مفاوضات سلام محدودة مع إسرائيل، وعدا ذلك قد يبقى النظام السوري في “محور الممانعة”، إذا شعر بأن الاتفاق مع إسرائيل لن يحقق له مكاسب ملموسة.

 

الأسد لفريدريك هوف: مزارع شبعا وتلال كفرشوبا أراضٍ سورية

لا بد من التطرق إلى ما أشار إليه الدبلوماسي الأميركي السابق فريدريك هوف الذي قام بدور محوري في المفاوضات السرية بين سوريا وإسرائيل خلال الفترة من عام 2009 إلى عام 2011 في كتابه “الوصول الى المرتفعات: القصة الداخلية لمحاولة سرية للتوصل إلى سلام سوري- إسرائيلي” والذي يكشف فيه عن أن دمشق وتل أبيب كانتا على مشارف التوصل إلى اتفاق سلام وفق شرطين، استعادة كامل هضبة الجولان السورية وإعادة تموضع دمشق استراتيجياً لجهة الابتعاد من إيران و”حزب الله”، فكشف هوف عن تفاصيل لقاءاته مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، مسلطاً الضوء على محاولات تحقيق السلام بين البلدين.

ويتحدث عن اللقاءات والمفاوضات، من بينها لقاء في الـ28 من فبراير (شباط) عام 2011، مع الأسد في دمشق، حيث ناقشا مسودة اتفاق سلام. وأبدى الأسد موافقة مبدئية على “المراجع المحددة في شأن الأمن” التي تضمنت إنهاء الأنشطة والعلاقات السورية التي تشكل تهديداً لأمن إسرائيل. وأكد الأسد كذلك أن إيران و”حزب الله” سيلتزمان معاهدة السلام المحتملة. وخلال المفاوضات، شدد الأسد أمام هوف على أن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا هي أراضٍ سورية، مما أثار تساؤلات حول تأثير هذا الموقف في “حزب الله” الذي يعتبر هذه المناطق لبنانية ويستخدمها كذريعة لمواصلة “المقاومة” ضد إسرائيل. ومع اندلاع الاحتجاجات في سوريا في مارس عام 2011 توقفت المفاوضات، ويشير هوف إلى أن الأسد كان يعتقد بأن إيران و”حزب الله” سيوافقان على اتفاق السلام وأن “حزب الله” سيتحول إلى حزب سياسي في لبنان، مما شكك فيه المسؤول الأميركي السابق. وعلى رغم التقدم الذي أحرزته المفاوضات، لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام بسبب التطورات الداخلية في سوريا، وتظهر مذكرات هوف تعقيدات العلاقات السورية مع إيران و”حزب الله”، وكيف أثرت هذه العلاقات في فرص تحقيق السلام مع إسرائيل.

 

السلام يفقد النظام ورقة الاستعداد للتحرير وإبقاء حال الطوارئ والتجنيد الإجباري

يقول “مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات” حسان القطب في حديث إلى “اندبندنت عربية” إن “طبيعة النظام السوري الذي يرتكز على قاعدة شعبية دينية تعتبر من الأقليات الدينية في الشرق الاوسط (الطائفة العلوية) تجعله لا يغامر بالدخول في حرب إقليمية مع إسرائيل، قد تكون طاحنة وتؤدي إلى خسارته وانهياره. وحرب أكتوبر عام 1973 كانت حرب تحريك لملف الاحتلال الإسرائيلي للجولان، وليست حرب تحرير للأراضي المحتلة في الجولان، وانتهت المناوشات عام 1974 بمفاوضات غير مباشرة وتسوية تقوم على إعطاء النظام مدينة القنيطرة، على أن تكون منزوعة السلاح وأن يتعهد النظام السوري بضمان الأمن والاستقرار على الحدود السورية الجنوبية مع إسرائيل”. وتابع أن “النظام السوري لا يستطيع الدخول في معاهدة سلام مع إسرائيل لأن السلام يفقده ورقة الاستعداد للتحرير ومواجهة العدو الصهيوني، بالتالي إبقاء حال الطوارئ والتجنيد الإجباري والمحافظة على الأجهزة الأمنية المتعددة التي يستخدمها لقمع الشعب السوري. ومفاوضات مدريد عام 1991 التي شارك فيها النظام لم تؤدِّ إلى نتيجة ملموسة ثم كانت المفاوضات في الولايات المتحدة عندما اجتمع فاروق الشرع مع إيهودا باراك في الولايات المتحدة برعاية أميركية (بيل كلينتون) خلال عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، كذلك لم تنتهِ المفاوضات إلى نتيجة مباشرة لكن كانت لها إيجابية بأنها أرست الاستقرار والهدنة بين البلدين”.

 

ويضيف القطب أنه “بدأنا نرى تبايناً بين سوريا وإيران وتباعداً بين الأسد و(المرشد الإيراني علي) خامنئي، وكان واضحاً مع انطلاق معركة ’طوفان الأقصى‘ ودخول ’حزب الله‘ وميليشيات إيران في لبنان والعراق واليمن فيها بحدود مضبوطة ومنضبطة، مما أكد ابتعاد الأسد من التورط في حرب إقليمية كان عليه تجنبها تماماً كما فعل والده، والضمانة الروسية كانت مناسبة للجم الضغط الإيراني عليه. ابتعاد الأسد من المعركة قطع الوصلة الأهم في مسار طريق إمداد إيران لـ’حزب الله’، وأفقد جمهور إيران في الداخل الإيراني كما في اليمن والعراق ولبنان الثقة بقوة إيران، كما بتحالفها مع الأسد، حتى إن نصرالله قبل مقتله أكد أن سوريا خارج المواجهة لأسباب كثيرة، مبرراً عدم دخول سوريا في الحرب المفتوحة على حدودها الجنوبية مع الجولان”.

بانتظار أن ينجلي غبار معركة “طوفان الأقصى”

ويردف القطب أن “النظام السوري يسعى إلى اعادة الاعتبار لدوره في المنطقة من خلال الابتعاد من محور إيران، ولكنه يقوم بهذا بهدوء وبخطوات محسوبة، حتى لا يتورط في صراع مسلح مع ميليشيات إيران وحرسها الثوري، كما أن النظام السوري ينتظر أن ينجلي غبار معركة ’طوفان الأقصى‘ والطريق إلى القدس التي يقوم بها ’حزب الله‘، حتى يتصرف بحرية أكثر ويقوم بخطوات أكثر جرأة باتجاه السلام مع إسرائيل نتيجة التوجه العربي الذي يطالب بحل الدولتين، حينها يصبح موقف النظام مبرراً ومقبولاً باعتباره جزءاً من العالم العربي وسياساته المستجدة. ولكن المشكلة التي يواجهها نظام الأسد أن الثقة بقدرته على إعادة جمع شمل الشعب السوري بعد المجازر التي ارتكبها بالتواطؤ مع الميليشيات المذهبية الإيرانية أصبحت متدنية جداً، وقد لا ينجح في البقاء على رأس السلطة”.