Thursday 9th of January 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Sep-2014

حي اللويبدة.. فسيفساء عمان!
الراي - وليد سليمان
من أحب الأماكن الشاسعة في عمان وأكثرها ألفة وراحة للنفس هو حي جبل اللويبدة الشهير بعراقته المعمارية والفنية والثقافية .
والمهندس الدكتور رامي الضاهر من أشد المعجبين والمتعلقين بهذا المكان مسقط رأسه منذ العام 1965، فمن خلال محاضرته القيمة في الهواء الطلق لحديقة نادي الأردن الأقدم بين نوادي هذا الوطن أسمعنا المعماري العاشق للويبدة ولكل تفاصيل عمان كذلك , بوحاً روحياً وحباً مفعماً بالحنين والمتابعة لهذه البقعة الجغرافية والحضرية .
و التي لابد كما قال أن نحافظ على تراثها وماضيها العمراني الذي أُشيد بالعمران والتاريخ والإبداع والمحبة الاجتماعية كقدوة إنسانية .
محاضرته كانت بعنوان جميل وجذاب للحضور الشغوفين( اللويبدة حي الحداثة المنسية ) لسماع سر هذا السحر النادر، وكأن في جبل اللويبدة كنز مدفون يشع ألقاً في الروح لكل من زاره وسكن فيه وتردد على مؤسساته وشوارعه ، وفراغاته الجميلة رغم قلتها !!.
رامي ضاهرالمعماري الفنان في عمله وفكره الهندسي وصاحب مؤسسة (تراث) ومقرها في جبل اللويبدة .. بث لنا توجساته ورفضه لكل رؤوس المال التي تحاول زرع عمارتها الإسمنتية التجارية في هواء جبل اللويبدة الذي ينبض بالتراث المعماري القديم !!! حيث الروح والحياة فيه باقية تحكى لنا قصة عمان العاشقة لأبنائها البررة  , الذين عاشوا ويتعايشوا معاً دون الإلتفات إلى المنابت والفروع واللهجات والطوائف ..ولكل التفاصيل التي كانت مساعداً رائعاً على الإبداع والتناغم من خلال هذه التلاوين المنسجمة معاً في لوحة واحدة مفعمة بحب الوطن والناس والأمن والطمأنينة والهناء العائلي والجيراني والصداقي كذلك.
وقبل بداية المحاضرة كان عضو نادي الأردن الكاتب الصحفي ناهض حتر قد  قدَّم المحاضر د. رامي على أنه المثقف الكبير والعاشق الولهان لمدينة عمان القديمة، وابن اللويبدة التي تنشق هواءها منذ الطفولة
وحتى هذه اللحظة .. التي زاد فيها انتماؤه لهذه المدينة الجميلة عمان وجبالها الرائعة ومنها جبل اللويبدة
لقد أخذ على عاتقه أن يدافع عنها وعن جبالها من خلال اهتماماته المعمارية والحضرية المدنية .. وهو شديد الإيلاء لمسألة الفراغات الحضرية التي يتنفس فيها الناس في اللويبدة بعض أوقاتهم كالشوارع والحدائق الكبيرة والصغيرة والمظلات والإدراج وبساتين المنازل .. ومع الحرص الدائم على التطوير والتحديث والتجديد ضمن الحفاظ على الماضي وتاريخه التراثي القديم.
والجلوس في أماكن ومؤسسات اللويبدة تجعلك تشعر كأنك في عالم من السحر والهدوء والرومانسية والإبداع .. أنك الآن في دائرة متسعة ومتشعبة من جميع أشكال وألوان الفنون .. فهناك المبدعون من رسامين ومؤلفين وممثلين الدراما والناشطين الإنسانيين والاجتماعيين .
 وأنت تسير في شوارع اللويبدة تأسرك أسماء الشعراء والأدباء والفنانين الذين كتبت أسماؤهم على لافتات الشوارع : فهناك شارع احمد شوقي وشارع إبراهيم طوقان وشارع مؤنس الرزاز وشارع حسني فريز وشارع الأخطل الصغير والفرزدق الكبير ... الخ.
ويشير المهندس ضاهر والذي ساهم سابقا بتطوير وتجميل شارع الرينبو في جبل عمان وشارع الوكالات غربي عمان وشارع الملك فيصل في مركز المدينة  وهنجر شركة الكهرباء السابقة .
وفي لمحة موضوعية أشار رامي عاشق عمان : إلى أن من الظلم أن نقارن عمان بمدن قديمة وعريقة ظلت مواكبة للعصور ولم يتخللها فترات انقطاع حضاري كعمان – مثل القاهرة ودمشق ومراكش واسطنبول .. الخ.
فعمان الحديثة هي حديثة في تاريخنا المعاصر منذ ما يقارب المائة عام ... من غير المعقول أن بعض الناس يقولون أن عمان لا هوية حضرية لها مثل المدن السالفة الذكر؟ !  .
بل أن عمان عي بلد ومدينة التميز والفرادة الاجتماعية والعمرانية منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن.. فهذا  الخليط والتنوع المعماري في منازل وبيوت وعمارات اللويبدة وجبل الحسين وجبل عمان هو العراقة نفسها والتراث الذي لا يجب أن نتخلى عنه بالهدم أو الإهمال أو الرحيل عنه إلى أماكن أكثر عصرية لا روح فيها لأنها مخنوقة بالتقدم الأجنبي والغربي.
وأستاذ فن العمارة في الجامعة الألمانية الأردنية د.رامي كانت المبدعة ومحبة عمان» مريم عبابسة» قد كتبت عنه وحاورته ، ومن بعض ما قاله في كتاب «عمان مدينة الحجر والسلام « والذي طُبع باللغة الفرنسية ثم العربية ما يلي:
المدينة تتغير... وأنا لست رومانطيقياً بل عقلانياً !! إن المولات أصبحت هي الفراغ العام لعمان بإمتياز !! وهذا ما يزعجني إلى حد كبير !!..
ففي الماضي كانت صالات السينما والمسارح والمقاهي وساحات المدينة هي أماكن ثقافية مهمة !! بإمكان المرء أن يعيش فيها تجارب من شأنها أن تغير حياته إلى الأبد .. انتهى هذا الأمر ؟! والآن أصبح يستهلك !! ولا شيء يؤثر في أحاسيسه !! لقد أصبح كل شيء مُركزاً على الظاهر وليس على الوجود !!.
ومدينة عمان لم تُدرس بشكل كاف من قبل المستشرقين ومنظري المدن، كذلك الباحثين المعاصرين ، بخسوها حقها عندما استندوا إلى دمشق وحلب وأصفهان .. الخ ,  ليقارنوا عمان مع نموذجهم للمدينة العربية الإسلامية التقليدية..!! .
 والآن عمان لا تتوافق مع هذا النموذج فقد أدى ذلك إلى الحط من مكانتها، عِلماً أن لعمان بداية تاريخية مختلفة، فقد كانت دائما المدينة الملاذ، وهذا ما يعطيها طابعها الخاص. كما أن الاهتمام بتراثها الحضري لم يبدأ إلا مؤخراً، وأن حدث هذا فذلك بفضل قلة من الأشخاص.
لا يوجد هنالك وعي بتراث الأردن الذي يعرف عادة بإرثه الكلاسيكي أو بأمكنته الطبيعية، كأن يقال الأردن هو البتراء أو وادي رم أو البادية. والقليلون فقط يعرفونه بطابعه الديني: الأردن هو السلط أو الأردن هو عمان ؟ ! وبودي إيجاد الوسيلة التي سأضع بها عمان على الخارطة السياحية للأردن.
ويقول كذلك:
أنا أسعى جاهدا للإحاطة بالتاريخ الاجتماعي الحضري لعمان، وان كان مختلفا عن المدن الأخرى، مثل دمشق والقاهرة. فلعمان طابع في غاية التميز: فضواحيها السكنية متميزة  على الروابي، وطبيعتها الجبلية واضحة جدا.
ويقول : ان احد أصدقائي الفرنسيين « اكزافييه غييو «  أشار  يدٍ خفية تقف وراء شكل مدينة عمان .. وأنا معجب بهذا التعبير.. فنحن نتقاسم معرفة ذاتية عن المدينة، تولدها النقاشات العديدة.
فالتراث الحضري لهذه المدينة مميز بعدم صرحيته بل لعلاقاته مع المحيط علاقة المبنى مع الارتداد مع السور مع الشجر مع الشارع والرصيف، انه تراث اقتصادي حضري بداياته موجودة في عدة أماكن ولكن صُبغ بطبيعة عمانية مميزة.
وتعكس أعمالي الملامح الخاصة بعمان، وعلى الأخص واقع امتلاكها على العديد من البدايات !! فأقوم بتحليل التحولات الاجتماعية – الاقتصادية- والفضائية لعمان على ضوء التحولات الليبرالية الجديدة. أي أثر مشاريع الاستثمار العقاري الكبيرة عليها، فضلا عن التغيرات على البيئة الحضرية.
ويتحدث كذلك المهندس المبدع رامي ضاهر موضحاً:
وأثناء عملي لمدة عشرة أعوام كأستاذ للهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية في اربد، سعيت جاهداً لبناء وعي بالتراث الحضري الأردني لدى طلابي. لقد أخرجتهم من علبة الهندسة المعمارية وجعلتهم يقرأون الانتربولوجيا والتاريخ وعلم الاجتماع والعلوم السياسية وكتب الفلاسفة والمفكرين والروائيين مثل: ميشيل فوكو، هنري لوفيفر، بيربورديو، عبد الرحمن منيف – سيرة مدينة، هاشم غرايبة – الشهبندر -، وزياد قاسم – القلعة- ، ودراسات الباحثين المحلين مثل ستناي شامي، نبيل أو بدية، عبلة عماوي، فؤاد ملكاوي، مهند مبيضين وغيرهم. وذلك ليتكون لديهم إدراك شامل للعمارة.
في البداية كان الأمر في غاية الصعوبة، لأن طلابنا لم يعتادوا القراءة في موضوع العمارة ولا سيما إن كان ذلك خارج مادة الدرس.
لكنني أصريت على فتح عيونهم أثناء محاضراتي حول سياسيات المكان وتعريف التراث في المنطقة بلاد الشام من خلال حالات دراسية متنوعة في عمان ودمشق وبيروت والقدس وطرابلس وصور وحمص واللد وغيرها من مدن المنطقة.
 و قدت معهم العديد من المشاريع المشار اليها في التاريخ الاجتماعي عن المدينة القديمة وعن الأحياء السكنية في جبل اللويبدة وجبل عمان وجبل الأشرفيه وجبل الحسين في عام 2003 , وطلبت ان يجري كل واحد منهم مقابلات مع السكان القدامى في مركز المدينة، وكنت هيأت ملف الذاكرة التي يحتوي على صور قديمة وقصاصات صحف لمساعدتهم في حال واجهتهم مشكلة في إتمام المقابلة. فقاموا بإجراء مقابلات مع أناس من خلفيات متعددة، أمضوا كل حياتهم في مركز المدينة.
وكان عليهم ربط هذا التراث الاجتماعي بالإرث الحضري المعماري. وفي عام آخر اشتغل الطلبة على صالات السينمات القديمة في عمان,  عن أشكالها ووظائفها، وما تكشفه عن حياة الحاضرة المنفتحة للغاية في الأعوام 1940-1950، عندما كانت العوائل تذهب إلى سينما الخيام في جبل اللويبدة، والحسين في وسط البلد، والأردن في سفح جبل عمان المطل على مركز المدينة، وعن الحداثة التي أضفتها هذه الممارسة على المدينة من الناحية العمرانية..وهكذا تعلموا الكثير عن المدينة وبداياتها الخفية!! .
 
صورة
مبنى قديم يسمى (فن وشاي) في جبل اللويبدة