هل سيصمد وقف إطلاق النار في غزة؟ .. حوار مع مارك لينش
الغد
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
دانيال بلوك – (فورين أفيرز) 17/1/2025
في 17 كانون الثاني (يناير)، بعد أكثر من عام من الحرب، أبرمت إسرائيل و"حماس" اتفاقا لوقف إطلاق النار. وسوف يوقف الاتفاق، المكون من ثلاث مراحل، الذي ينطلق الأسبوع المقبل (انطلق يوم)، القتال لمدة 42 يوما. وخلال هذا الوقت، ستنسحب إسرائيل من المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في قطاع غزة وتسمح بدخول قوافل المساعدات. وسوف تطلق "حماس" سراح 33 رهينة إسرائيلية بينما ستطلق إسرائيل سراح مئات السجناء الفلسطينيين. وسيواصل الجانبان المحادثات على أمل تأمين المرحلتين المقبلتين من الاتفاق، وهو ما سيكون من شأنه تحرير الرهائن المتبقين وجعل وقف إطلاق النار دائمًا.
بالنظر إلى الخسائر الهائلة التي خلفتها الحرب في غزة –حيث قتل ما لا يقل عن 46.000 فلسطيني منذ هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر)– أعرب الناس في كل مكان عن ارتياحهم للاتفاق. لكنّ الدمار والصراع الإقليمي الناشئ غيرا العالم، والمستقبل غامض. ولفهم ما يعنيه وقف إطلاق النار بشكل أفضل بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين والشرق الأوسط، لجأت "مجلة فورين أفيرز" إلى مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن ومدير برنامج دراسات الشرق الأوسط. وتحدث كبير محررينا، دانيال بلوك، مع لينش قبل وقت قصير من موافقة الحكومة الإسرائيلية على الصفقة. وتم تحرير محادثتهما من أجل الطول والوضوح.
***
- ما الذي تتوقع أنه سيحدث في غزة بمجرد توقف القتال؟
* أي شيء يوقف القتل ويسمح للفلسطينيين في غزة بإعادة البناء هو شيء مرحب به. لكنّ هناك العديد من الطرق التي يمكن أن يحدث بها ما يحدث على الأرض بشكل خاطئ. يجب أن نبقي عينًا على المساعدات الإنسانية لمعرفة كيفية سير الأمور. إذا حصلت على زيادة حقيقية في المساعدات -وليس فقط في الغذاء والدواء ولكن أيضًا في المواد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية المحطمة- فإن ذلك يمكن أن يجلب قدرًا هائلاً من الخير لتخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين ووضع وقف إطلاق النار على مسار صلب. ولكن، طوال فترة هذا الصراع، وافقت إسرائيل، تحت ضغط أميركي، على زيادة المساعدات الإنسانية، وفي الجزء الأكبر منه، لم يكن هذا يحدث. لذلك، من الممكن تمامًا أن ينتهي بكَ الأمر إلى إنهاء العنف المباشر، لكنّ زيادة المساعدات على الورق لا تعني الكثير بالنسبة للناس على الأرض. ربما يظل الناس غير قادرين على العودة إلى منازلهم والبدء في إعادة البناء.
- هل تعتقد أن إسرائيل و"حماس" ستكونان قادرتين على الحفاظ على الاتفاق؟
* سيكون هذا صعبًا للغاية. إحساسي، للأسف، هو أنه من غير المرجح أن نتجاوز المرحلة الأولى ونتجه نحو سلام دائم. هناك فرص لا حصر لها للمفسدين من كلا الجانبين، وما تزال هناك خلافات خطيرة حول تفاصيل الخطوات التالية للاتفاق. في إسرائيل، هناك الكثير من الناس الذين يرغبون في رؤية هذه الحرب وهي تستمر إلى أجل غير مسمى. ربما يريدون إبقاء شمال غزة كمنطقة عازلة دائمة. ربما يريدون إخلاء سكانها وإعادة استيطانها بالكامل. ربما يريدون محاولة تدمير "حماس" بالكامل كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأصل. أو ربما يريدون حربًا دائمة لتعمل كغطاء لأعمال عدوانية في أماكن أخرى، مثل الضفة الغربية.
على الجانب الفلسطيني، هناك الكثير من الفرص للعنف المفسد الذي يأتي من المتشددين، من الفصائل المسلحة التي لا تحب الطريقة التي تسير بها الأمور، ومن الأشخاص الذين يريدون الانتقام فقط بعد كل الأشياء الفظيعة التي ارتكبت في حقهم. إذا حدث مثل هذا العنف، فلن يرد الإسرائيليون بطريقة إيجابية. وحتى لو لم يحدث مثل هذا العنف، يمكن لإسرائيل أن تدّعي أن لديها أدلة على أن "حماس" تعيد تنظيم نفسها بطرق تقول إنها تنتهك وقف إطلاق النار. وسوف يعودون عندئذٍ إلى القصف. لذلك أعتقد أن أي شخص ينظر إلى هذه الاتفاقية يمكنه أن يرى كم هي هشة.
- كان المفاوضون الأميركيون يضغطون على الإسرائيليين للموافقة على هذا النوع من الصفقة منذ شهور. لماذا تعتقد أن الحكومة وقعتها الآن فقط؟
* كانت إدارة جو بايدن تضغط من أجل هذه الصفقة لفترة طويلة جدًا، لكن الأميركيين لم يكونوا مستعدين في أي وقت لوضع أي قوة استثنائية أو مهمة وراءها. لم يضعوا أي شروط على الإطلاق على شحنات الأسلحة. كان ما حصلنا عليه بدلاً من ذلك هو سلسلة لا نهاية لها من المسؤولين الأميركيين الذين يشتكون من عدم قيام إسرائيل بهذا أو عدم سماحها بذاك، ثم يأتي إعلان عن شحنة أخرى من الأسلحة. وهكذا، لو كنتُ نتنياهو، وكنتُ مُركزًا على بقائي السياسي وواثقًا من أن واشنطن لن تفعل أي شيء حقًا، فلن يكون لدي أي سبب لأخذ فريق بايدن على محمل الجد. إنه فشل مطلق في ممارسة الدبلوماسية.
ولكن مع وصول الإدارة الأميركية الجديدة، ثمة سبب وجيه لجعل نتنياهو يحاول طي الصفحة. هناك شعور داخل إسرائيل بأن الحرب في غزة قد استنفدت مسارها إلى حد كبير. لم يعد هناك الكثير مما يمكن فعله من خلال النهج الحالي. ولذلك، فإن السلام المؤقت هو شيء يمكن تقديمه لدونالد ترامب. لكن السؤال يتعلق بما يتوقعه الإسرائيليون في المقابل، مثل الحصول على ضوء أخضر لتوسيع السيطرة على الضفة الغربية.
- ماذا يمكن أن تعني نهاية الحرب بالنسبة لأهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مثل اتفاق تطبيع إسرائيلي - سعودي؟
* في جميع أنحاء العالم العربي، الشعور العام هو أن الولايات المتحدة ساعدت وحرضت وسلحت الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. ولن يجعلهم وقف إطلاق النار الذي يتم بعد مقتل الكثيرين وتدمير الكثير يشعرون أفضل تجاه أميركا. إنه بطريقة ما شيء قليل جدًا، ويأتي متأخرًا جدًا وبعد فوات الأوان.
لكنّ شراكتنا مع دول الخليج تبدو قوية بطريقة مثالية. التحالفات لم تتغير. ولا يستطيع القادة العرب أن يتجاهلوا آراء شعوبهم تماما -ولهذا السبب، بعد غزة، خلص ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، إلى أن الوقت الحالي لن يكون مناسبًا للمضي قدمًا في التطبيع. ولكن إذا لم يعد مواطنوه يرون الموت والدمار على شاشات التلفزة كل يوم، قد تتلاشى أهمية هذه القضية. لذلك قد يخلق وقف إطلاق النار مزيدًا من المجال للدول العربية لتبني سياسات ومواقف لا تحظى بالشعبية مثل التطبيع، والتي ستكون أولوية قصوى لترامب، كما كانت بالنسبة لبايدن.
- هل يمكن لوقف إطلاق النار أن يخفف من حدة الاقتتال الإقليمي الدائر منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)؟
* من الصعب معرفة ذلك. على مستوى ما، قد تقول إسرائيل أنها حققت أهدافها الاستراتيجية. فقد أضعفت إيران، والحرب في غزة انتهت بشكل أساسي، وتم تحييد "حزب الله". وقد تقرر أنه يمكنها الآن الانتقال إلى الفصل التالي. ولكن يمكنك بسهولة أن ترى إسرائيل تقول: "لدينا إدارة أميركية متشددة للغاية ومناهضة لإيران. حان الوقت لإنهاء المهمة". ويمكن أن تبدأ عندئذٍ حربًا واسعة النطاق مع إيران. أعتقد أن الإجابة ستكون متشابكة بعمق مع ما يتصوره ترامب للمنطقة ومع المسائل السياسية الداخلية الإسرائيلية.
- دعنا نتحول إذن إلى السياسة الإسرائيلية. كيف يمكن لوقف إطلاق النار أن يشكل ما يحدث في البلد؟
* كانت السياسة الإسرائيلية منشغلة حقًا بأحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) وتداعياتها منذ وقوع الهجمات. ويمكن أن يتغير ذلك بوقف إطلاق النار وعودة الرهائن. يمكن أن يعود الحديث إلى قضايا الديمقراطية والمؤسسات، مثل جهود نتنياهو لإضعاف المحكمة العليا الإسرائيلية، التي حفزت الاحتجاجات قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر). قد يعيد معارضو نتنياهو تجميع صفوفهم، ويضمون القوى، ويبدأون في تشكيل تحد خطير لقيادته. وكبديل، ربما يختارون إنقاذ حكومته إذا غادر المتشددون، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الائتلاف احتجاجًا.
في كلتا الحالتين، لا يريد هؤلاء المتطرفون أن يروا عودة إلى السياسة الطبيعية. إنهم يريدون الاستمرار في اغتنام فرصة هذه الأزمة المستمرة للضغط حتى بقوة أكبر من أجل أمور مثل زيادة تمكين المستوطنين الإسرائيليين، أو تسريع ضم الضفة الغربية. كما لا يريد نتنياهو أيضًا العودة إلى السياسة الطبيعية، لأن ذلك قد يثير احتجاجات متجددة -بل وقد يضعه على الطريق إلى السجن. [نتنياهو يحاكَم بتهم فساد].
أظهر نتنياهو طوال حياته المهنية أنه لا ينوي ترك منصبه من دون قتال. ولذلك، أعتقد أن الكثير مما سنراه، سواء من حيث الامتثال لوقف إطلاق النار أو التطورات داخل إسرائيل، سيتشكل من خلال مَن هو الذي سيتحالف معه نتنياهو من أجل البقاء رئيسًا للوزراء.
- مع انسحاب القوات الإسرائيلية، من برأيك سيحكم غزة؟
* ما أتوقعه في الأسابيع المقبلة هو بذل بعض الجهود من أجل استعادة "السلطة الفلسطينية" في غزة، وربما يتزامن ذلك مع تغييرات في قيادة "السلطة الفلسطينية" وضخ أموال في هذه المنظمة من دول الخليج. الأمل هو أن تتمكن "السلطة الفلسطينية" من أن تفعل في غزة ما تفعله في الضفة الغربية، وهو العمل كوكيل لإسرائيل، والعمل كقوة شرطة للحفاظ على النظام، ومنع المقاومة، ومحاربة "حماس".
لكن هذا سيكون مرتقى صعبًا. فقد أصبحت "السلطة الفلسطينية" في الضفة الغربية اليوم مجرد شبح لذاتها السابقة. إنها لا تحظى بشعبية كبيرة وتفتقر إلى كل الشرعية تقريبًا، وهي مقيدة بالإجراءات الإسرائيلية التي قطعت تمويلها. وهي تتعرض لضغوط من التوسع المستمر للمستوطنين الإسرائيليين والجيش الإسرائيلي في المناطق التي تحكمها ظاهريًا. ولذلك، أعتقد أن هذه الخطة ستواجه بعض المشاكل، إذا وصفناها بتعبير ملطف.
- هل هذا يعني أن "حماس" ستبقى في السلطة؟
* من الواضح أن "حماس" أصبحت في موقف صعب للغاية. الكثير من الناس في غزة منزعجون منها حقًا. وقد تم تدميرها تنظيميًا ومؤسسيًا. كما أنها فقدت الرعاية الدولية. لكن هذا لا يمكن أن يمحو الواقع على الأرض، المتمثل في أن "حماس" ما تزال المنظمة السياسية الوحيدة التي لديها القدرة الفعلية على السيطرة على الأمور في غزة. وإذا فشل وقف إطلاق النار في تحسين حياة الفلسطينيين بسرعة، وإذا لم يظهر بديل حكم شرعي، يمكن للجماعة أن تستعيد زخمها. قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الحرب الإسرائيلية دفعت أعدادًا من المجندين إلى انضمام إلى صفوف "حماس" أكثر من الذين قتلوا بسبب الأعمال الإسرائيلية.
الآن، بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، لا توجد طريقة لأن تسمح إسرائيل لـ"حماس" بأي نوع من المشاركة الرسمية في الحكومة. ولكن إذا كنا نتطلع بالفعل إلى تحرك نحو إعادة بناء الحكم في غزة وتقديم المساعدات الإنسانية بسرعة، أعتقد أنه يجب أن يكون هناك نوع من الاتفاق الضمني للسماح لـ"حماس" بالاستمرار في الوجود. من الواضح أن هذا غير مرجح، بالنظر إلى الطريقة التي تعامل بها الإسرائيليون مع "حماس" في الماضي وأهداف الحرب التي حددوها لأنفسهم. وحتى لو تمكنوا من الحفاظ على مثل هذا الاتفاق الضمني في المرحلة الأولى، فسيتعين التعامل مع دور "حماس" في أي انتقال إلى المرحلة الثانية -وهو أحد الأسباب العديدة التي تجعل من غير المرجح أن يحقق اتفاق وقف إطلاق النار سلامًا قابلًا للاستدامة.
- إذا، أنت لا ترى في هذه الصفقة بدايات لحل على أساس الدولتين، كما اقترح بعض المسؤولين الحكوميين.
* كلا على الإطلاق. إنني لا أرى أي دليل على أننا أصبحنا أقرب إلى حل الدولتين. كنتُ قد شاركت في تأليف مقال نُشر في مجلة "فورين أفيرز" منذ فترة، جادلتُ فيه بأن إسرائيل والأراضي الفلسطينية تشكلان دولة واحدة. وقد أصبح واقع الدولة الواحدة الآن أكثر وضوحًا. تواصل إسرائيل توسيع وجودها في الضفة الغربية، والاستيلاء على الأراضي وتحطيم الهياكل والقواعد التي كانت تتيح للفلسطينيين متسعًا للحكم المستقل. في السابق، كان بعض الناس يقولون أن غزة كانت تحت السيطرة الإسرائيلية غير المباشرة فقط من خلال الحصار. حسنًا، الآن ستكون أيضًا تحت سيطرة إسرائيلية أكثر مباشرة. لم تؤد الحرب واتفاق وقف إطلاق النار سوى إلى تعزيز نموذج الدولة الواحدة.
سوف يستمر بعض الناس في الحديث عن حل الدولتين كمخرج، لأن هذا هو ما يفعلونه. لكن هذا لن يحدث. والآن، لا يبدو أن إدارة ترامب مهتمة بشكل خاص بالتظاهر بالسعي إلى تطبيق حل الدولتين. وهكذا، حتى الحديث عن دولتين قد يختفي في الأثير، ببساطة.
*نشر هذا الحوار تحت عنوان: Will the Gaza Cease-Fire Last? A Conversation with Marc Lynch