Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Aug-2017

التنمية المستدامة - د. أيّوب أبو ديّة
 
الغد- التنمية المستدامة هي التنمية الممكنة في إطار عام ومتكامل لاستخدام الإنسان المعاصر الحد الأدنى والمستطاع من مجمل الموارد الطبيعية بكفاءَة عالية وبطرائق عقلانية ومبدعة تنتج أقل تلويث ممكن، ولا تؤثر سلباً على حاجات الأجيال القادمة وحقوقهم في التمتع بهذه الموارد الطبيعية.
وتعنى التنمية المستدامة بالإجابة عن السؤال الآتي: ماذا نفعل، بوصفنا بشراً واعين، لنضمن الحفاظ على الجنس البشري بأكمله بحالة صحية وبيولوجية ونفسية جيدة لأطول فترة ممكنة؟
 كي نجيب عن التساؤل الأخير من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار أحوال البيئة بمجالاتها كافة: مجالات البيئة الطبيعية والاصطناعية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والثقافية والجمالية؛ مع عدم إغفال إدارة الموارد الطبيعية واختيار الأنسب منها لتحقيق الأهداف المذكورة آنفاً وتوفير الحد الأدنى من متطلبات الراحة والرفاهية الضرورية كي يكون الإنسان إنساناً.
تتضارب توقعات العلماء حول فناء الجنس البشري قبل نهاية الألفية الثالثة، ويشترط المتفائلون منهم تطوير وعي متقدم بالمخاطر المحدقة بنا وبشروط التنمية المستدامة. وما يلزمنا لتحقيق ذلك متطلبات كثيرة يمكننا ذكر بعضها باختصار كما يلي:
1 - تحصيل المعرفة العلمية الكافية لمراقبة الظواهر الطبيعية وفهمها وتفعيل علوم البيئة للتنبؤ بآثارها ومحاولة التخفيف منها وإيجاد الحلول الجذرية المستدامة لها.
2 - توافر هامش من الحرية والديمقراطية الذي من شأنه السماح للشعوب بتغيير أكثر ايجابية في سياسات دولها تجاه مواقف بيئية.
3 - اتخاذ مواقف أخلاقية حازمة تجاه اجتناب إلحاق الأذى بالبيئة العالمية واتخاذ مواقف حازمة من اختيار مصادر الوقود الأنظف بعيداً عن فكرة مركزية الإنسان في الطبيعة Anthropocentrism.
4 - النظر إلى الحقيقة بوصفها نسبية كي تقترب الشعوب من بعضها بعضا بالرغم من اختلافها، وذلك كي تنظر إلى تاريخها المشترك بوصفه نتاجاً بشرياً عاماً، وكذلك كي تتطلع إلى مستقبلها بوصفه مصيراً مشتركاً للجميع على تنوع أعراقهم واختلاف ثقافاتهم.
5 - إطلاق حملات توعية وتعليم ممنهجة تبدأ مع ولادة الطفل فالبيت فالمدرسة فالجامعة فمكان العمل، وبحيث لا تنقطع أوصالها في لحظة من اللحظات.
 ومنذ العام 1987 حين صدور تقرير لجنة الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، بدأ مفهوم التنمية المستدامة يأخذ أبعاداً تتضمن ما يلي:
الإدارة الواعية للمصادر الطبيعية المتوافرة لتوفير احتياجات الأجيال القادمة وإعادة تأهيل البيئة المتدهورة ومحاولة تغيير نوعية النمو الاقتصادي ومعالجة مشكلات الفقر وسد حاجات الإنسان الأساسية على نحو يحقق التوازن بين النمو الاقتصادي ومتطلبات حماية البيئة، وذلك بتطوير سبل الإنتاج واستخدام التكنولوجيا الرفيقة بالبيئة.
ويمكننا أن نضرب مثلاً عن إمكانية تحقيق التنمية المستدامة من خلال تصميم الأبنية مناخياً، وكما هو آت: إن علاقة التنمية المستدامة بالتصميم المناخي للأبنية وتزويدها بالعزل الحراري، على سبيل المثال، هي في الأصل مستمدة من فكرة الراحة الحرارية Thermal Comfort في داخل الأبنية السكنية والمكاتب، وهي أيضاً مستمدة من حقيقة حماية العازل الحراري للبناء من التشققات بفعل التمدد والتقلص ومساهمته في توفير الطاقة التي تلوث البيئة باحتراق الوقود الأحفوري، فضلاً عن أنها مستمدة من فكرة الحفاظ على الموارد الطبيعية واستدامتها للأجيال القادمة.
فما هي الراحة الحرارية في الأبنية السكنية، وكيف يمكن أن تقوم علاقة بين الراحة الحرارية والتنمية المستدامة؟
عندما يقوم بناء تقليدي من الحجر المصفح بالخرسانة أو من الطوب (الطابوق) الخرساني المفرغ أو من خرسانة الدك، وهي وسائل البناء التقليدية في المنطقة العربية، فإنّ درجة حرارة سطح الجدار من الداخل، أو درجة حرارة سطح السقف من الداخل، تكون مرتفعة جداً في فصل الصيف، في الوقت الذي تكون فيه متدنية جداً في فصل الشتاء، لذلك فإن استعمال العازل الحراري بطريقة مناسبة في جدران الأبنية وسقوفها المكشوفة يؤدي إلى حصر درجة حرارة سطح عناصر البناء الخارجية من الداخل بين هاتين الدرجتين تقريباً بحيث يكون الإنسان مرتاحاً في داخل بيته صيفاً شتاءً، فلا يتصبب عرقاً صيفاً ولا يرتجف من البرد القارص شتاءً. 
هذه الراحة الحرارية التي يقدمها العزل الحراري لقاطني البناء تجعل من البناء موئلاً مريحاً ومستداماً لا يرغب أصحابه في هجره أو بيعه، كما لا يرهق هذا البناء الصحي والمريح كاهلهم بمصاريف إضافية، ولا يثقلهم أيضاً بالقلق المستمر بحثاً عن أسباب عدم الراحة وطرق علاجها. ناهيك بتوفير المياه الناجم عن عدم الحاجة إلى الاغتسال والاستحمام المفرط صيفاً نتيجة الشعور بعدم الراحة الحرارية في داخل الغرف. وهذا التصميم يسهم في توفير الطاقة والمياه ويؤدي إلى المحافظة على الموارد الطبيعية أيضاً ولأطول فترة ممكنة.
وتوفير المياه مسألة مهمة لاستدامة الموارد المائية المحدودة في الكثير من أرجاء العالم العربي، فاستخدام أجهزة توفير المياه والغسالات الموفرة للطاقة وللمياه وصيانة العوامات وجلد الصنابير باستمرار من شأنها الاقتصاد في استهلاك المياه. والحصاد المائي أساسي لتجميع مياه الأمطار، كذلك إعادة تدوير المياه في المناطق شحيحة المياه فضلاً عن أهمية استخدام وسائل الري الحديثة واختيار الوقت المناسب للري خلال الليل.
وينبغي إيلاء الزراعة عناية بالغة، فلا حاجة لزراعة النجيل مثلاً الذي يتطلب رياً مستمراً، فهناك الكثير من النباتات الصحراوية وأخرى من البيئة المحلية لا تحتاج إلى ري يُذكر، كالصباريات والجيرونيوم والحصلبان واللفندر وغيرها من النباتات التي تظل خضراء طيلة فصول السنة. وهذا النهج مطلوب كي تصبح التنمية المستدامة مشروعاً متحققاً ولا تبقى شعاراً طناناً.
ختاماً نقول: لقد جعل الإنسان المعاصر نموذج التنمية مرتبطا بالاقتصاد فيما فك ارتباطه بأي علاقة مع البيئة أو الثقافة أو الأخلاق. ونقدم مثلاً على ذلك مشروعات التعدين، فنحن نحسب كم طنا من اليورانيوم أو الفوسفات أو النحاس سوف نستخرج من الأرض ولا نحسب ملايين الأطنان من فضلات التعدين التي سوف نتركها خلفنا والتي سوف تؤدي إلى تلوث الهواء والتربة والمياه لملايين السنين القادمة بالمواد الكيميائية السامة والعناصر المشعة كاليورانيوم.
لقد تجاوز التلوث البيئي في الأردن 3 % من مجمل الدخل القومي السنوي للعام 2012، أي أننا كنا نتكلم عن نحو 860 مليون دولار أميركي، بينما وصل التدهور البيئي في الأردن 5 % من الدخل القومي السنوي العام 2016. أي أننا نتكلم عن المليارات من الدولارات في أغلب الأحوال والتي يفقدها العالم العربي سنوياً عبر التدهور البيئي المتواصل. فلماذا لا يدخل ذلك في حسابات الربح والخسارة على المدى الطويل تحقيقاً لمقولة الاستدامة؟
ونغفل عن الأمر ذاته في خياراتنا بين نوع طاقة وأخرى ونقول هذا أرخص وذلك أكثر تكلفة، فلماذا نغفل عن أهمية الأمان البيئي والاستدامة لنا وللأجيال القادمة؟ لذلك فمن الضروري إضافة التدهور البيئي والتلوث معاً على سعر الطاقة وفقاً لمدى تلويث مصادرها المتنوعة للبيئة. وبناء عليه تستدعي أخلاقيات التنمية المستدامة التدخل لخفض أسعار أنواع الطاقة النظيفة ورفع أسعار أنواع الطاقة الشديدة التلويث للبيئة. وهذه الفكرة تتجاوز مشروع ضريبة الكربون التي من المتوقع أن تفرض قريباً على مصادر الطاقة المنتجة لثاني أكسيد الكربون، وذلك لأنها تشمل عناصر أخرى كتشويه البيئة الطبيعية والجمالية والتاريخية وما إلى ذلك.