Monday 29th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Feb-2024

واجب الكاتب أن يكون أمينًا وحرًا وواجب المجتمع أن يحميه من الظلم والإقصاء

 الدستور-نضال برقان

ما بين أسئلة المشهد الثقافي المحلي من جانب، والمشهد الثقافي العربي من جانب آخر، نطوف بمعية أحد كتابنا المبدعين،
هو أو إحدى كاتباتنا المبدعات، ما يتيح لنا سبر أغوار مشاغل ومختبرات المبدعين، والاستماع لأصواتهم الداخلية، ورؤية المشهد الثقافي من حيث ينظرون، وصولا إلى تحقيق فهم وتفاعل وتواصل أكثر إيجابية بين الطرفين، إضافة إلى محاولة جادة لتحريك الساكن في المشهد الثقافي وجعله أكثر تفاعلا وتأثيرا ...
وفي الحوارية الآتية نحلّ ضيوفا على الشاعرة غدير سعيد حدادين...
*هيئات ثقافية كثيرة من حيث العدد، في مختلف مدن المملكة، منها ما هو رسمي ومنها ما هو أهلي، ترى، وبحسب ما ترين شخصيا، ما مدى فعالية تلك المؤسسات، بوصفها مراكز تنوير وتثقيف، على أرض الواقع؟ ومن ثَمّ كيف تنظرين إلى وزارة الثقافة وما تقوم به بهذا الصدد؟
- حين نتحدث عن وجود هيئات ثقافية تعمل على تعزيز دور الثقافة في المجتمع وتمتد أنشطتها وفعالياتها إلى جميع المستويات الثقافية بهدف الارتقاء بدرجة الوعي والتنوير، فينبغي أن يكون لكل هيئة رؤية واضحة لدورها ورسالة وخطط تنفيذية قابلة للتطبيق واقعياً وتنسجم مع رؤيتها للعمل على تحقيق الأهداف التي أنشئت لأجلها.
في الأردن هناك مئات من الهيئات الثقافية إلا أن الإنتاج الثقافي لا يزال في حجمه لا يتناسب مع عدد هذه الهيئات، ما يحتاج إلى مزيد من التنظيم والاختصاص والتخطيط، حتى لا تكون الأنشطة مجرد أنشطة شكلية أو محدودة الأثر بفعل التكرار والتشابه والتداخل مما يلاحظ في عدد من الحالات، أو ربما وبسبب هيمنة العلاقات الشخصية والمجاملات تصبح الأنشطة في بعض الهيئات لملء الفراغ ليس إلا، كما إن بعض الهيئات تستجدي الجمهور والتمويل والدعم لكي تبقى على قيد الحياة.
الثقافة تصنعها الجماهير وقطاعات المثقفين والعلماء والمبدعين في شتى المجالات، والمؤسسات والهيئات الثقافية رديف وأدوات للعمل الجماعي ووسائل لتنظيم عملية تفعيل القدرات والطاقات، والتخطيط القائم على أسس مؤسسية. فوزارة الثقافة لا تسعى إلى أن تصبح سلطة ثقافية بل تسعى إلى تعزيز دور الثقافة في حياة المجتمع، بحيث تصبح السلطة للثقافة من خلال توفير سبل الدعم الكفيلة بوضع استراتيجيات وخطط ومشاريع تفعل الإنتاج الثقافي للمؤسسات والأفراد وتضعه موضع التنفيذ والتميز.
 تحديات جمّة تواجهها المجتمعات العربية، ثقافياً وسياسياً واجتماعياً، ترى هل تنتظرين دوراً ما للمثقف، في (الاشتباك) مع تلك التحديات، أم لعلها ليست مسؤوليته؟
- الكاتب أو الفنان أو المثقف يستطيع من خلال إبداعه وعمله الثقافي أو الفني المضي نحو مستقبل أفضل للمجتمع والوطن في مختلف المجالات. فالمثقف الفرد والعمل الثقافي العام على مستوى المجموع هما من يتحمل مسؤولية الأمن المجتمعي واستقرار المجتمع وتقدمه ونهضته. وكذلك أصبحت ثقافة العمل والمعرفة جزءاً من ثقافة النخب وثقافة السياسة وثقافة الدولة، وإن السلوك الكلي للدولة والأمة يرتبط بشكل أساسي بالثقافة المجتمعية المرتبطة بدورها بالوعي والحالة الاجتماعية والإنتاجية الثقافية والاقتصادية، وبروح المبادرة والإنجاز.
* ما مفهوم الكاتب الملتزم مجتمعياً في نظرك؟
«الكاتب الملتزم» يعني الملتزم التزاماً حقيقياَ بقضايا مجتمعه في سياقها التاريخي وإطارها العصري واستشراف المستقبل، ويقول جان بول سارتر: «إن التزام الكاتب أبعد من ذلك، فهو لا يلتزم بقضايا مجتمعة فقط وإنما يلتزم بقضايا عصره». وهو المسؤول أولاً أمام ضميره، وثانياً أمام المجتمع وقوانينه. فواجب الكاتب أن يكون أميناً حراً، وواجب المجتمع أن يهيئ للكاتب ما يقيه شر الظلم والإقصاء.
 ما علاقة المثقف المنتج بالجهات الرسمية؟ هل تجمعهما علاقة تعاضد أم تضاد؟
- في رأي جرامشي: «أن كل الناس هم مثقفون، ولكن لا يمارس كل منهم دور المثقف». فمن هنا أرى أن هناك ثلاثة أنواع من المثقفين: الصامت الذي يركن للعزلة ويرفض المشاركة والتفاعل سلباً أم إيجاباً، سواء أكانت تلك العزلة اختيارية أم إجبارية. وهناك المثقف المنحاز لقضايا معينة قد يميل لها، ويوظف كل إمكاناته للدفاع عنها مهملاً قضايا أخرى لا تقل عنها قدراً وأهمية، بل قد تسمو عليها قيمة أو هدفاً. وهناك للأسف المتسلق الذي يختار بعناية قضية وطنية أو مجتمعية كبرى، ليجعل منها مطيّة لمنافعه الشخصية ومآربه الآنية. فنحن نعيش اليوم في واقع يصعب معه التمييز بين المتضادات الكثيرة، وتكبر معه مسؤولية المثقف التنويري المخلص المسكون بنزعة التغيير الأفضل لمجتمعه فكرياً واجتماعياً واقتصادياً. وليس ذلك بالأمر الهيّن إذا وضعنا الأفكار في مكانة يصعب معها التغيير أو الحيلولة دون أن يعظم بها التأثير.
 هل يمكن للمثقف تهيئة المزاج المجتمعي العام لتقبل أفكار جديدة؟
- قد ينظر البعض من المثقفين إلى نفسه على أنه إنسان غير عادي ولا يشبه عامة الناس في شيء، وفي بعض الأحيان قد يتعالى عليهم بفلسفات محيره لكي يثبت تفوقه وعلو مكانته. فهو يرى في نفسه المنقذ لمجتمعه من السقوط في براثن الجهل والتكلف، والمدافع الأول عنه أمام السلطة السياسية، وأن أي مشاكل وقضايا توجدها المؤسسات السياسية القائمة يكون الحل لهذه القضايا هو استنباطه مما يراه المثقفون فقط وليس غيرهم. أما المثقف الذي يدرك معنى وأهمية القيام بدوره التنويري في المجتمع، فهو الذي يسعى الى ترسيخ القيم والمعايير التي يحكم بموجبها أفراد المجتمع على ما يدور حولهم بناء على رؤى عقلانية وواقعية عميقة في جوهر القضايا.
 عدوان شرس وطاحن ارتكبه الاحتلال الصّهيونيّ في غزّة، ترى ما إمكانية أن يُحدِث ذلك تحوّلا في مشهديّة الثّقافة والإبداع في الوطن العربيّ؟
- يسعى الاحتلال الصهيوني في فلسطين وغزة ضمن محاولاته الفاشلة إلى طمس الوجود الثقافي والتراثي العربي الفلسطيني، والعمل ما وسعه الجهد على محو الشواهد التاريخية والتعمية على العمق التاريخي الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أو سائر المناطق الفلسطينية، مما يعد جريمة تمس الهوية والتراث الإنساني وفقاً للقوانين الدولية. وللمثقفين دور ريادي وثوري وجذري في مقاومة هذا الاحتلال والوقوف ضده حين يكون هذا المثقف مرتبطاً بآمال وتطلعات شعبه وأوجاع الناس وهمومهم، وكذلك بكيان أمته الحضاري، فثمة ارتباط وثيق بين الثقافة والتراث والإبداع والوطن بكل تجلياته.
ما يحدث ويجري في غزة هاشم هو عدوان وحشي إرهابي وجرائم ومجازر دموية فظيعة نكراء، وحرب إبادة جماعية يتعرض لها أهلنا هناك بكافة شرائحهم وفئاتهم ومكوناتهم دون استثناء. لهذا فالواجب الوطني والإنساني والأخلاقي والقيمي يفرض على المثقفين الفلسطينيين والعرب في كل مكان، والذين يحترقون ويتألمون ويتعذبون من هول المشاهد ومناظر الدم والخراب والدمار، أن يبادروا إلى إعلان موقف واضح وثابت تجاه ما يجري، ويجعلوا كلمتهم حرة واعية مقاتلة وداعمة إلى أقصى حد، بما في ذلك التعبير عن موقفهم وعن روح الصمود والمقاومة بالأعمال الأدبية من قصائد ونصوص وأناشيد ومسرحيات وأفلام سينمائية ولوحات وجداريات وغيرها من أعمال ثقافية أدبية وفنية ومساهمات في تعزيز الجبهة الثقافية وترسيخ الانتماء وصيانة الهوية لتعزيز ورفد الخيارات الوطنية والإبداعية. ولا شك إن ما يجري في غزة الآن من صمود ومقاومة باسلة سيكون له ما بعده ويبشر بهزة فكرية تنتج جيلاً فلسطينياً مقاوماً تمرس في الساحات والميادين، وانخرط في معارك الدفاع عن حرية الوطن وشرف الأمة وكرامتها المفقودة.
 كيف ترين واقع الأدباء الشباب في الأردن؟ وبحكم تجربتك الأدبية الممتدة، هل من كلمة تقولينها لهم؟
- أرى أن الكثير من الأدباء الشباب وخاصة في السنوات الأخيرة يعلنون تذمرهم من أنهم لا يجدون دعماً ومكاناً لهم في المشهد الثقافي، وأن الأدباء الكبار يرفضون إفساح المكان لهم أو إلى جانبهم، لكن في نفس الوقت أرى أن حضور الأدباء الشباب أفضل من السابق، ففي وقت مضى لم تكن هناك جوائز مالية تمنح للعمل الإبداعي بقيمة مالية ضخمة، وهناك فرص كبيرة للشباب لأن ينتجوا ويبدعوا بسوية جيدة تتيح ترجمة أعمالهم الى لغات أجنبية متعددة، كذلك أصبح من السهل على الشباب أن ينشروا في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية ثقافية كثيرة ، سواء كتبوا قصة أو نصاً أدبياً، وهذا لا يعني إغفال أهمية دور المؤسسات الثقافية في دعم نتاج المبدعين من الشباب والأخذ بأيديهم وتبني نتاجهم الفكري اذا كان جديراً بالنشر.
الأدباء الشباب اثبتوا أنهم يتمتعون بقدرة ثقافية واعية آخذة بالتطور، ولدى الكثير منهم رغبة وموهبة في الكتابة وقابليات منفتحة على الآخر، وهذا ما يبشر بولادة جيل تنويري بمستوى ثقافي وفكري تجديدي ومبدع، ولا سيما في مجال فنون الأدب، مما يبعث في أعمالهم روح المتعة والتجديد بإبداع متدفق ومتطور.
* في ظل العصر الحالي، ما هو الجنس الأدبي الذي تعتقدين أنه وبجدارة، أثبت أنه (ديوان العرب)، ولماذا؟
كان ابن عباس رضي الله عنه يقول: «إذا قرأتم شيئاً من كتاب الله ولم تعرفوه فاطلبوه في أشعار العرب، وكان كما يُروى إذا سئل شيئاً من القرآن الكريم أنشد فيه شعراً. هكذا هو الشعر في لغتنا العربية التي تمتاز على اللغات الأخرى في جودة السبك وحلاوة النطق وموسيقية الأداء. فالشعر معدن علم العرب وسفر لتجربتها الحكمية، فضلاً عن أنه ديوان أخبارها ومستودع أيامها، وما يزال الشعر جوهر الثقافة العربية النخبوية، ذلك أن الشعر في أسمى وظائفه يسعى إلى تأسيس الوجود الإنساني الأسمى. فالشعر ديوان العرب الذي نقل أخبار الحضارة العربية الإسلامية، ويعتبر الشعر من أرقى الفنون الأدبية العربية، وعكس الحالة المجتمعية الواهنة للعرب من تفرق وتخبط. وشعراء العصر يبثون همومهم وشكواهم في قصائدهم.
 ماذا عن انشغالاتك الراهنة؟ ماذا تقرئين؟ ماذا تكتبين؟
- لدي شغف كبير دائم ومتجدد للمضي في المبادرات الإنسانية بحكم أنني كنت مؤسِّسة لفكرة «مبادرة لونها بالأمل» عام 2016، التي تعنى بالأطفال المصابين بالسرطان وأطفال متلازمة داون وأطياف التوحد وكبار السن عن طريق الرسم.
أمضي ساعات طويلة في هذا العمل الإنساني الاجتماعي، أحاول نشر هذه الفكرة التي تمأسست عام 2020 كجمعية خيرية اجتماعية ثقافية في إطار قانون الجمعيات بوزارة الثقافة.
ونسعى من خلال هذه الجمعية وأهدافها إلى إقامة الملتقيات الفنية المحلية والعربية والدولية. وأيضاً إقامة ورشات العمل على مساحات هذا الوطن الممتد، الصغير مساحةً الكبير بمحبته وإنسانيته، ونسعى دائماً إلى نشر الفكرة عربياً ودولياً، وكان لنا ذلك من خلال ورشات رسم في الإمارات العربية المتحدة -الشارقة، مصر، هنغاريا– المجر.
أبحر هذه الأيام في قراءة العديد من الكتب التي تختص بالشفاء بالرسم، وخصوصاً اهتمامي بالمرأة بشكل خاص من خلال ورشات متخصصة تعنى بالنواحي النفسية لديها.
أكتب مقالات في الصحف المحلية والعربية في مواضيع اجتماعية وثقافية متنوعة.