الراي - طارق الحميدي
«نظر الى السماء منتشيا بعد أن حقق النصر على قوى الظلام والشر, جلس وحيدا وسط حطام المعركة التي قادها لوحدة, انتشل علبة السجائر برفق من جيبة العلوى ليشعل سيجارته الشهيرة ليتطاير دخانها برفق للسماء وعلامات الاعتزاز بالنفس واضحة على محياه».
لم يكن هذا المشهد سوى لقطة من الفيلم الامريكي آخر الاولاد الكشافة «The Last Boy Scout» بعد أن انتصر بطل الفيلم بروس ويلز في مشهد ملحمي على الاعداء ليشعل سيجارته كنوع من التعبير عن الراحه والانتصار بعد عناء طويل, في حين أن طريقة الاخراج تجعل من سيجارته جزءا من نشوة الانتصار.
يحاول المراهقون تقليد من هم أكبر منهم سنا مثل نجوم السينما والفنانين والشخصيات العامة بالاضافة للمحيطين بهم مثل اشقائهم وأولياء أمورهم وأساتذتهم ويتضاعف هذا التأثير في السلوكيات مثل التدخين بحسب خبراء.
ومن أهم أسباب انتشار التدخين بين المراهقين هو تأثير الأفلام والدعايات و تقليد الفنانين والممثلين, أو أفراد من العائلة بحسب دراسة سابقة اعدتها الجمعية الوطنية الأردنية لمكافحة التدخين تحت عنوان «أجيال صاعدة بلا تدخين».
وبينت الدراسة التي تم تنفيذها في (20) مدرسة من المدارس الحكومية والخاصة في محافظة عمان أن 21,5% من الشباب والشابات لاعمار (13-18 سنة) يدخنون, وأن (15% اناث ,26% ذكور) من المدخنين.
على رغم التحذير من التدخين الا أن استخدام السجائر في الافلام ما زال رائجا ويستخدمه بعض المخرجين في اوقات لتظهر وكأنها سبب الانتصار _او جزء منه على الاقل_ ليتم ربط الانتصار على قوى الظلام بالتدخين, مما يدفع بعض جمهورهم من المراهقين بتقمصهم أو تقليدهم.
وقال رئيس قسم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور مجد الدين خمش أن الطفل يتوحد عاطفيا مع شخصية القدوة ويبدأ بتقليده ويستقي منه القيم التي يمثلها, سواء كان نجما أو والدا أو معلما, مبينا أن القدوة عادة تؤثر على سلوك الطفل بشكل كبير ليحاكيها من خلال تصرفاته اليومية والتي تنمو معه ومنها التدخين.
وأشار إلى أنه يتوجب علينا محاربة مثل هذه القدوة السلبية من خلال الحرص على سلوكيات الاطفال والمراهقين ومراقبة ما يشاهدون على شاشات التلفاز, وأن يبدأ الاهل بأنفسهم بالامتناع عن ممارسة هذه السلوكيات أمامهم.
ورصدت « ابواب- الرأي» مجموعة من المراهقين من طلبة أحدى مدارس شمال عمان الثانوية يتجمهرون على بوابة المدرسة وقت انتهاء الدوام يحمل عدد كبير منهم السجائر في محاولة واضحه للتقليد ولفت انتباه الغير.
أحد هؤلاء المراهقين أجاب عند سؤال الرأي حول سبب تدخينه أنه لم يعد هناك من عيب في التدخين فمعظم كبار السن في اسرته مدخنون, وأضاف بينما كان يشعل سيجارة صديقه, أنه ليس بحاجة لنصيحة أو موعظة من احد.
مدير المدرسة الذي رفض ذكر اسمه اكد أن دور المدرسة لا ينتهي بانتهاء الدوام بل أنها تحاول ضبط سلوكيات الطلاب حتى بعد خروجهم من المدرسة إلا أنها لا تستطيع القيام بواجبها منفردة.
وبين أن مثل هذه السلوكيات تتطلب تعاونا بين اولياء الامور والامن العام والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني لمحاولة القضاء على هذه السلوكيات التي اعتبرها تؤدي الى انحراف الاطفال في سن مبكرة ما ينعكس على مستقبلهم.
الى ذلك ؛ قانون مراقبة سلوك الأحداث رقم (37) لسنة 2006 يحظر الحدث شراء التبغ (...) من أي جهة سواء له أو لغيره, أو تدخين التبغ أو النرجيلة (...).
وبحسب القانون ذاته فإنه يعاقب كل من يخالف بالحبس لمدة لا تزيد عن أربعة شهور أو غرامة 25 - 500 دينار أو العقوبتين معا, ومصادرة وإتلاف المواد المخالفة, كما يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز (6) أشهر أو غرامة لا تزيد عن (500) دينار أو العقوبتين معا لكل من باع الحدث تبغا أو كلفه بشرائه, أو قدم له الأرجيلة.
وقد اظهر «مسح ميداني» علمي نفذه مركز الحسين للسرطان في وقت سابق أن 13% من طالبات الصف السادس يدخن الاراجيل وأن نسب التدخين محليا بين الفئة العمرية 13-15 سنة تتجاوز الـ(30%) نفذ في اربع مدارس للاناث.
مدير مكتب مكافحة السرطان رئيس قسم العناية الحثيثة و الامراض الصدرية في مركز الحسين للسرطان الدكتور فراس الهواري اطلق تحذيرا « في وقت سابق» من كارثة صحية ستهدد المملكة على مدى الخمس عشرة سنة القادمة حيث ستصل كلفة ما تسببه الامراض غير السارية كالقلب والسرطان والسكري وامراض الجهاز التنفسي بما يزيد عن ( 20 ) ترليون دولار في الدول النامية ومنها الاردن بحسب احصاءات المنتدى الاقتصادي العالمي.
وأشار أن 40 % من هذه الحالات ترتبط ارتباطا مباشرا بالتدخين ومنها سرطانات الرئة و القولون و الراس والعنق و المثانة وامراض الدم بحيث اصبح السرطان يتسبب ب 15% من الوفيات في الاردن كما تتسبب امراض الدم والاوعية الدموية بنحو 35 % من هذه الوفيات وارتفعت نسبة الاصابة بالسكري والبدانة بشكل خطير في المملكة