الدستور-حاورته: دانيا يحيى الصرابطة
للكتابة روح عامرة بالمشاعر، تعد بمزيد من الحب والشوق والأحاسيس التي تنطلق بالكاتب إلى بحور من الخيال والإبداع، لتحمل المتلقي إلى ضفاف من الروعة والانطلاق والأمل.. فالكتّاب هم حراس تاريخ الأجداد، وهم بناة أجيال المستقبل الزاهر العامر بالعطاء.
حوارنا اليوم مع واحد من مبدعي الكتابة للطفل، وحارس من حراس أدبهم وثقافتهم، وصانعي بهجتهم، والساعين لهم دوما بالعطاء والخير والجمال.. مع شاعر الطفولة العربية كاتب الأطفال محمد جمال عمرو.
* كيف ترى حركة أدب الطفل وثقافته في الأردن؟
- ربما لا أتمكن من إطلاق حكم في العموم على حركة أدب الطفل وثقافته في الأردن؛ ما مِن شكّ أن هنالك مثقفين ما زلوا يعنون بهذا الشأن في مجالات مختلفة في التأليف والكتابة والنقد والعمل الثقافي عمومًا، محاولين دفع عجلته إلى الأمام، لكنّها تظلّ جهودًا فرديّة، فنحن فيما سوى ذلك مرتهنون لحالة من المجاملات والاستعراضات في الوسط الثقافي على نحو لا يسمح باستعمال كلمة «حركة».
في أدبنا الأردني – كما العربي عموما- قضية على جانب كبير من الأهمية هي غياب النقد عن ساحة أدب الأطفال، والذي ينبغي أن يواكب هذا الأدب حتى تكون مخرجاته صحيحة.
ولو ألقينا نظرة بانورامية على المشهد، لرأينا أن أدب الطفل وثقافته في الأردن قد بدأ منذ سنة 1928م على يد أساتذة رواد يمثلون جذور أدب الطفل في الأردن وفلسطين على حد سواء، وتوالت محاولات الكتاب والمربّين بعدهم لإنتاج أدب الأطفال، فبرز عدد من الكتاب والشعراء الذين تخصصوا في إبداع هذا الجنس الأدبي؛ في كتابة القصة والشعر والمسرحية في موضوعات شتى.
وصدر للطفل الأردني مجلات عدة تعثر صدور معظمها، وتوقف عدد آخر عن الصدور لأسباب مختلفة، فمن مجلة (فارس)، إلى مجلة (لونا)، ومجلة (أروى)، ومجلة (الكرتون العربي)، ومجلة حاتم، وغيرها.
وتصدر في الأردن اليوم مجلات للأطفال منها: مجلة وسام وتصدر عن وزارة الثقافة، ومجلة الشرطي الصغير وتصدر عن مديرية الأمن العام، ومجلة الإطفائي الصغير وتصدر عن مديرية الدفاع المدني.
* كيف ترى دور المؤسسات الرسمية في إحياء ثقافة الطفل وأدبه في الأردن؟
- في الأردن سنّ المشرّع قوانين عدة من شأنها أن تشكل داعمًا رئيسًا للثقافة عموما ولثقافة الطفل على وجه الخصوص، وأن تسهم في إحياء روافد هذه الثقافة التي تعد عاملا مهما من عوامل بناء المجتمع الواعي المثقف، ولعل من أهم هذه القوانين: قانون دعم المؤلف الأردني وقانون صندوق دعم الثقافة، واللذين جرى تعطيلهما -عن قصد أو دون قصد- فعلى سبيل المثال، وبموجب هذا القانون، تلتزم الوزارات والمؤسسات الرسمية الأردنية بدعم المؤلف الأردني بشراء عدد من نسخ كتابه الذي يصدر حديثا، حتى لو لم تكن معنية بموضوع هذا الكتاب، وقد استفاد عدد كبير من الكتاب الأردنيين من هذه الآلية حين كانت مفعلة، ولا أدري ما الذي أوقف هذه الآلية وجفف مصدرًا من مصادر دعم الثقافة والمثقفين الأردنيين.
القانون الثاني الذي تم تعطيله هو قانون صندوق دعم الثقافة، والذي بموجبه كانت نسبة من عوائد إعلانات الصحف الأردنية تصب في هذا الصندوق، حتى توفر فيه في سنته الأولى مئات ألوف الدنانير، ثم جمد القانون وجمدت عوائده!
وعلى ما تقدم نستطيع الحكم دون تردد على ضعف دور المؤسسات الرسمية في إحياء ثقافة الطفل ودعمها، واقتصر الدور على مجلة تصدر للأطفال عن وزارة الثقافة، التي تصدر كذلك منشورات محدودة العدد للأطفال، وأخرى ضمن مشروع مكتبة الأسرة، وتقيم كذلك مهرجانًا سنويًا لمسرح الطفل، وآخر للإبداع الطفولي.
المؤسسات الرسمية التي تسهم في إحياء أدب الطفل الأردني أمانة عمان الكبرى، التي افتتحت مكتبات أطفال انتشرت في مناطق أمانة عمان وحدائقها، وكانت كذلك تشتري نسخا من مؤلفات أدباء الطفل الأردنيين، وتقيم العروض المسرحية والورشات للأطفال.
* ما هو الدور الذي تضطلع به المؤسسات الثقافية غير الرسمية مثل رابطة الكتاب والمنتديات الثقافية في دعم أدب الطفل وأدبائه في الأردن؟
- حين نتكلم عن المؤسسات الثقافية غير الرسمية التي تعنى بأدب الطفل الأردني، فإن مؤسسة عبدالحميد شومان، التي تعد إحدى مؤسسات البنك العربي، تبرز بوصفها واحدة من أهم هذه المؤسسات، فقد أفردت للطفل مكتبة متخصصة هي (درب المعرفة)، بفرعيها جبل عمان والأشرفية، وفيها تقام الأنشطة المتنوعة الموجهة للأطفال. كذلك تقيم المؤسسة مسابقة (جائزة عبدالحميد شومان لأدب الأطفال)، التي تطرحها لمؤلفي أدب الأطفال في الأردن والوطن العربي، وكانت إلى عهد قريب تشتري نسخا من مؤلفات أدباء الطفل الأردنيين.
بقية المؤسسات الثقافية غير الرسمية مثل رابطة الكتاب الأردنيين، فهي جمعيات تتبع وزارة الثقافة، وتتلقى منها دعما محدودا قد لا يكفي لتغطية نفقات مقرها وموظفيه، ويعد أدب الأطفال بندا من بنود كثيرة على قائمة أنشطتها واهتماماتها، وله لجنة تقوم بأنشطة تطوعية في المدارس وفي مقر الرابطة، لذلك يصعب تحميلها – كما بقية الجمعيات الثقافية- مسؤولية التقصير تجاه أدب الطفل الأردني وأدبائه.
* حدّثنا عن مسيرتك الأدبية وأهم محطاتها.
- عادة ما أغذ الخطى عند الحديث عن بداية مسيرتي الأدبية، رغبة في تناسي غصة عشتها حين أنهيت الثانوية، ذلك أنني تعلقت بالأدب وسافرت إلى بلد عربي لدراسته، لكن رغبة الأهل حينها أعادتني لأدرس الهندسة المعمارية في بلدي، وكان لهم ما أرادوا، فدرستها ولم أعمل بها، إنما توجهت إلى الأدب من خلال صحافة الطفل، فكانت مجلة (أروى) التي صدرت في الأردن بترخيص فرنسي، والتي أعدها من أهم محطات حياتي الأدبية، وفيها استطعت التواصل مع عالم أدب الطفل وأدبائه في الأردن والوطن العربي، ومن خلالها شاركت في مؤتمرات عربية متخصصة في هذا المجال، وكانت تطبع بواقع 45000 نسخة شهريًّا وتوزع في العالم العربي وعلى الجاليات العربية في دول أجنبية.
واستكمالا لمحطة صحافة الطفل فقد واصلت العمل للأطفال من خلال مجلات عربية عدة، منها مجلة فراس التي صدرت بترخيص بريطاني، وكانت تحرر وتجهز للطبع في دار نشر خاصة كنت أملكها (دار يمان للنشر)، وتوزع على نطاق عربي واسع.
وبحكم وظيفتي في الدائرة الثقافية/ أمانة عمان الكبرى، فقد عملت مديرا لتحرير مجلة براعم عمان التي كانت تصدر عن الأمانة. ثم عملت رئيسا لتحرير مجلة وسام التي تصدر عن وزارة الثقافة. وكتبت وأكتب حاليا في المجلات العربية مثل: ماجد الإماراتية، العربي الصغير الكويتية، أسامة السورية، إقرأ المغربية، براعم الجزائرية، عرفان التونسية، وغيرها.
في معظم محطات مسيرتي الأدبية كان شعر الأطفال هاجسي وملاذي ومتعتي، حتى قصص الأطفال ومسرحياتهم التي كتبتها زودتها بقصائد وأغنيات، فأهداني الشعر جوائز عربية عدة من أهمها جائزة شومان لأدب الأطفال عن ديواني (همس البلابل)، وجائزة أنجال هزاع بن زايد عن ديواني (نسيمات الطفولة)، وجوائز أخرى.
الطريف في الأمر- وأنا لا أكتب شعرا للكبار- أن صديقا طلب مني كتابة كلمات أغنية الشارة لمسلسل هندي مشهور (جودا أكبر)، فكتبتها ونشرت الأغنية ضمن شارة المسلسل على الإنترنت، وحازت قرابة مليون وسبعمئة ألف مشاهدة على (يوتيوب)، وهو ما لا أظن أن تحوزه أعمالي للأطفال على مدى مسيرتي الأدبية.
ومسرح الطفل واحد من محطات مسيرتي؛ فأنا أمارس التأليف والإخراج في مسرح الطفل الأردني، ولي أعمال مسرحية عرضت في مهرجان جرش والمراكز الثقافية الأردنية، وأترأس الفرقة الأردنية لمسرح الطفل.
ولعل من أبرز هذه المحطاتِ المشاركةَ في تأليف وتنفيذ أوائل أعمال الكرتون العربية، من خلال ثلاثة أفلام هي: محمد الفاتح (110 دقائق)، رحلة الخلود (85 دقيقة)، ومسرور في جزيرة اللؤلؤ (65 دقيقة)، وهي أفلام كرتون نفذت بمواصفات عالمية، وتمت ترجمة محمد الفاتح في أميركا من العربية إلى الإنجليزية، ولعله أول فيلم كرتون يترجم ترجمة عكسية.
* ما المكانة التي يتبوأها أديب الطفل في الأوساط الرسمية والشعبية؟
- ضعفُ اهتمامِ المجتمع بالطفل عموما ينعكس بالضرورة على ضعف الاهتمام بالأدب الموجه للطفل رسميًا وشعبيًا، وبالتالي التقليل من أهمية المشتغلين بأدب الطفل، فنحن مثلاً نرى الأهل يعدون الطفل رجلا صغيرا يستعجلون نموه، في حين أن الطفولة مراحل لها خصائصها، ومن حق الطفل أن يعيشها وأن يستمتع بها، وحتى نستطيع التغيير من هذا الواقع المؤلم والمفاهيم المغلوطة، لا بد من تعاون الجميع مؤسساتٍ وأفرادا لضمان الارتقاء بالطفل وبالأديب الذي يقدم له الأدب على حد سواء، سعيًا إلى تمكين الأديب من أداء رسالته على الوجه الأكمل، ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولن ننتظر من الأديب أن يرعى الطفل ويقدم له الأدب الجيد، ما لم يكن هذا الأديب قد تلقى الرعاية والدعم والاهتمام على المستويين الرسمي والشعبي، وجرى تزويده بالأدوات التي من شأنها تمكينه من أداء رسالته.
* كيف ترى مستقبل أدب الطفل على الساحة الأردنية والعربية؟
- أدب الطفل على الساحتين الأردنية والعربية يبشر بمستقبل واعد، شريطة أن تتولد القناعة لدى الكبار أنّه لا يمكن الحديث عن المستقبل دون اهتمام بأدب الأطفال. وضرورة أن تتنبه المؤسسات والأفراد للطفل وأدبه، ولا بد حينها من استراتيجيات وطنية وعربية عملية للارتقاء بالطفولة، ولو استدعى الأمر سن القوانين ووضع الأنظمة والتعليمات التي تكفل للطفولة العربية مستقبلا زاهرا يوازي ما يتمتع به أطفال الغرب، ولا يتحقق ذلك إلا بالتفات أصحاب القرار إلى الثقافة والأدب عمومًا، وإلى ثقافة الطفل وأدبه على وجه الخصوص، وأخذ ذلك كله بالاعتبار عند وضع الموازنات المالية السنوية لهذه الدول، بل وجعل وزارات الثقافة فيها وزارات سياديّة.
إن ظهور جيل من كتّاب أدب الطفل محلياً وعربياً، وتأسيس دور نشر عديدة تعنى بكتاب الطفل، وطرح مسابقات عربية للمطالعة والتأليف والأبحاث، وعقد المؤتمرات والندوات والأنشطة المتصلة بأدب الطفولة، والتفات الباحثين وطلبة الجامعات إلى أدب الطفل وأدبائه، كل ذلك يدعونا للتفاؤل بمستقبل مشرق زاهر لأدب الطفل العربي وأدبائه إن شاء الله.