Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Dec-2017

عطب في منظومة القيم - د. نبيل الشريف

الراي -  إن القضية التي نحن بصددها أكبر بكثير من مجرد «فيديو» إنتشر كالنار في الهشيم لمعلمة تعنف أحد طلابها في الغرفة الصفية، فمالم ينشر من ممارسات يومية مشابهة تحدث في بعض مدارسنا ومرافقنا أكثر من ذلك بكثير. وقد أحسن وزير التربية والتعليم د. عمر الرزاز بتفاعله الفوري مع القضية وإيعازه بالتحقيق في ملابساتها. وكان الوزير قد أشار سابقا إلى ضرورة إيجاد ميثاق يحارب العنف في بيئة المدرسة بجميع أشكاله سواء صدر من المعلم بإتجاه الطالب أو من الطالب في حق المعلم أو زملائه أو حتى مرافق المدرسة.

 
إن أحدا لايجادل في وجوب معالجة قضية العنف المدرسي بشكل عاجل وفوري، ولكننا لا نستطيع تجاهل حقيقة أن هذه الظاهرة هي أولا جزء من ظاهرة العنف المجتمعي المستشرية التي تأخذ أشكالا عديدة كالعنف الجامعي والعنف ضد الأطباء والممرضين وغير ذلك من أشكال العنف. وهي ثانيا جزء من الخلل الذي أصاب منظومة القيم الإجتماعية ومنها مثلا النظرة للطفل بإعتباره كائنا منقوص الحقوق مسخرا لخدمة الراشدين ، فلو كانت تلك المعلمة تنظر إلى الطفل بإعتباره إنسانا مكتمل الأهلية لفكرت ألف مرة قبل قذفه بذلك الوابل من الشتائم الحاطة من كرامته.
 
وبمعنى أوضح ، فإن الأسلوب الأنجع لمعالجة ظاهرة العنف المدرسي يكمن في التصدي لها ضمن إطارها الأشمل المتمثل بضرورة إصلاح العطب الذي أصاب منظومة القيم المجتمعية برمتها.
 
إن الخلل في منظومة القيم الإجتماعي يتجلى في مظاهر العنف المجتمعي بكل أشكاله ونراه أيضا في بعض ظواهر الغش والنفاق الإجتماعي والنظرة الدونية للمرأة والطفل وفي الإستقواء بالقريب والواسطة والمحسوبية ومعاداة النجاح وفي تلويث البيئة وقيادة السيارات بشكل لايقيم وزنا لحرمة الشارع وحقوق الأخرين وفي النظرة الشوهاء للعمل.
 
إن الإصلاح القيمي لايقل أهمية عن الإصلاح السياسي أو الإقتصادي بل قد يفوقهما في الأهمية. فكيف لمن يقترف كل التجاوزات الواردة سالفا أن يمارس حقه الإنتخابي بمسؤولية مثلا ؟ وهل جزء مما نعانيه الأن من فقدان الثقة في المؤسسات عائد إلى سطوة الممارسات السلبية التي تجعل بعض الناس لايقيمون وزنا للصوت الإنتخابي وترى بعض أفراد « النخبة « السياسية لاهم الإ الوصول لكراسي المسؤولية التي غربت عنهم وتلميع أنفسهم بالمال صباح مساء بشكل مقزز مكشوف لا يخفى على أحد. فالتردي القيمي لم يفرق بين مواطن عادي وبين مسؤول مستعد أن يبيع الدنيا كلها من أجل سويعات على كرسي المسؤولية.
 
بدأنا بالحديث عن فيديو لمعلمة تعنف طالبا في إحدى المدارس بشكل مهين وخلصنا إلى الإشارة إلى بعض الممارسات التي تصفع العقل وتمتهن ذكاء المواطن من قبل بعض أفراد «النخبة السياسية « ، فما هو الرابط بينهما ؟ إن مايربط بينهما هو الخلل الذي فتك بمختلف مفاصل منظومة القيم الإجتماعية ، ولايمكن التصدي لأحد هذه المظاهر القيمية المتردية دون الأخرى.
 
أما الجهة التي يبدأ من عندها حل ومعالجة الخلل في منظومة القيم فهي أيضا وزارة التربية والتعليم التي تصدت لعلاج حادثة المعلمة التي وجهت وابلا من الشتائم لطالب صغير إصطحبته دموعه إلى خارج الصف. إن حل هذه الظاهرة يبدأ من قيام وزارة التربية بمحاسبة المسؤولين عن حادثة ( المعلمة والطالب) ولكنه لاينتهي عند هذه النقطة أبدا بل يجب أن يتواصل حتى يشمل كل جوانب منظومة القيم التي أصابها خلل واضح في السنوات الأخيرة.
لقد أصبح ضروريا للغاية التفكير في وضع إستراتيجية تربوية طويلة المدى لمعالجة الخلل في منظومة القيم الإجتماعية بشكل متكامل والتي يعد العنف أحد تجلياتها ولكنه ليس المظهر الوحيد المتردي منها.
 
وبمعنى آخر فنحن في حاجة ماسة لإجراء إصلاح شامل في منظومتنا القيمية ، هذا إذا كنا حريصين على تعزيز مسيرتنا التنموية في المجالين الإقتصادي والسياسي. فالخلل في نظرتنا للعمل مثلا يعد جزءا لايتجزأ من منظومة القيم المهترئة التي تقبل لشاب عاطل عن العمل أن يعيش عالة على والديه أو على الآخرين ولكنها لا ترى أن من واجبه أن يقبل عملا يدويا في المجال الصناعي أو الزراعي مثلا.
 
إن زمن الحلول الجزئية للمشاكل قد ولى إلى غير رجعة ولم تعد تصلح لهذا الزمان سوى الحلول المتكاملة التي تنظر إلى التداخل والترابط بين القضايا. فإذا كانت المشاكل والتحديات التي تواجهنا مترابطة ومتصلة، أفليس من الأولى أن تكون معالجاتنا لها شاملة أيضا وآخذة كل التداخلات والتشابكات بعين الإعتبار؟؟