Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Jan-2023

تقويم استراتيجي

 الغد-هآرتس

 
البروفيسور مناويل تريختنبرغ
 
سنة 2022 تميزت بتسريع العمليات في الفضاء العالمي والإقليمي والإسرائيلي – الفلسطيني والداخلي الإسرائيلي، التي تتحدى الأمن القومي لإسرائيل، وتتحدى نظريات وتوجهات سياسية قائمة وتقتضي بناء على ذلك إعادة تقدير للواقع الآخذ في التشكل وبلورة سياسية وفقا لذلك. جزء من هذه العمليات وصل خلال العام 2022 الى انعطافة واضحة في الوقت الذي تواصل فيه التحديات الأخرى التطور بالتدريج، الأمر الذي يصعب على إثره إعادة التفكير بخصوص النظريات الاستراتيجية السائدة رغم الأخطار التي تنطوي على استمرار الوضع القائم.
من بين العمليات التي وصلت في السنة الماضية إلى انعطافة، والتي لم تعد تسمح بالتمسك بالنماذج القائمة، تبرز ثلاث عمليات:
1 – ازدياد حدة المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، التي بدأت في فترة ولاية الرئيس براك أوباما وتحولت في العام 2022 إلى مواجهة واضحة ومتعددة الأبعاد بين دولتين عظميين، والتي أصبحت المشكل الرئيسي للساحة الجيوسياسية العالمية.
2 – الخطوات العنيفة التي اتخذتها روسيا تجاه أوكرانيا منذ ضمها لشبه جزيرة القرم في العام 2014، وتطورت في السنوات التالية ووصلت في العام 2022 إلى حرب شاملة على أراضي أوكرانيا، والتي تهز السلم الأوروبي الذي ساد في القارة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
3 – السعي الذي لا ينقطع لإيران من أجل التوصل إلى الذرة حولها في العام 2022 إلى دولة عتبة نووية بالفعل، وذلك في ظل غياب إطار مقيد لاتفاق (ج.سي.بي.أو.إي، تحول إلى “شخص يمشي وهو ميت”)، وإزاء عدم استعداد الولايات المتحدة لأن تضع أمامها تهديدا رادعا موثوقا.
هذه العمليات متشابكة ببعضها البعض وتثير عددا من الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها السياسة الخارجية والأمنية لإسرائيل. هكذا، المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وغزو روسيا لأوكرانيا تدفع إسرائيل إلى اختيار جانب، خلافا لسياستها حتى الآن، حيث أن إسرائيل أقامت في السنوات الأخيرة علاقات متشعبة، سواء مع الصين أو مع روسيا، والتي ساعدتها اقتصاديا وسياسيا. الضغط المتزايد على إسرائيل للتمحور في هذا السياق يضع أمامها معضلات ثقيلة الوزن، وتغيير السياسة في أعقاب ذلك الذي يمكن أن يقلص بشكل كبير فضاء مناورتها السياسية – الأمنية. إضافة إلى ذلك الولايات المتحدة تركز على المواجهة مع الصين ومع روسيا، لذلك هي مستعدة أقل بكثير مما كانت في السابق لتدخلها في الشرق الأوسط أو اتخاذ مبادرات بخصوص المنطقة.
بخصوص إيران فإن تحولها فعليا إلى دولة حافة نووية (حتى لو كان بدون إعلان رسمي) في حين تستمر جهودها للتمركز في أرجاء المنطقة هي بلا شك التهديد الحقيقي الأكبر على إسرائيل، التي لا يوجد لها الآن أي خيارات مواجهة مرضية. إلى جانب ذلك التعاون بين إيران وروسيا في حربها في أوكرانيا يضع تحديا كبيرا آخر، سواء بمعنى إمكانية التسلح بوسائل قتالية متطورة أو من ناحية الدعم السياسي – الاقتصادي الذي يمكن لروسيا أن تقدمه لها.
إلى جانب الأخطار الواضحة يوجد في إنضاج هذه الخطوات أيضا جانب إيجابي وهو الوضوح: الشك الذي يرافق بشكل عام التدرج والرغبة في تصديق أن ما كان هو ما سيكون، سحق تحت قطعية التغيير – كمية اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المائة بحوزة إيران، التي تكفي لإنتاج أكثر من قنبلة نووية واحدة، وأيضا الغزو البري الروسي حتى ضواحي كييف، لا تترك أي شك، سواء بخصوص النوايا أو بخصوص التداعيات المصيرية لهذه الخطوات.
في المقابل، في دولة إسرائيل نفسها وفي محيطها تحدث عمليات خطيرة لا تقل عن ذلك، والتي حتى لو تم تسريعها في السنة الماضية إلا أنها لم تصل إلى انعطافة حادة. هذه تضع تحد مزدوج ومضاعف، حيث من الصعب جدا إحداث تغيير مفاهيمي وسياسي طالما أنه لا يتم رؤية مقابل جوهري في الواقع وعلى مستوى التهديدات المترتبة عليه. هذه الخطوات تحدث في ثلاثة سياقات رئيسية.
بالنسبة للساحة الفلسطينية، السلطة الفلسطينية واصلت الضعف وفقدان السيطرة على الأرض، خاصة في الضفة، في الوقت نفسه الذي فيه معركة نهاية الرئيس محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية دون أن يظهر له وريث متفق عليه وبدون أن يتم إعداد آلية لنقل السلطة بشكل مرتب. الفراغ الحكومي في مناطق السلطة، إلى جانب غياب أفق سياسي، دفعت موجة عمليات متفرقة وتنظيمات محلية مثل “عرين الأسود”، وهذه حثت إسرائيل على اتخاذ نشاطات متزايدة هناك وزادت بدرجة ملحوظة الإمكانية الكامنة لاندلاع مواجهات واسعة. في موازاة مشروع الاستيطان في الضفة الغربية يتسع من خلال الانزلاق الفعلي إلى واقع “دولة واحدة”، الذي يهدد باستبعاد خيارات مستقبلية لاتفاق، يتحدى دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. الأخطار التي تكتنف هذه العمليات يمكن أن تتعاظم إزاء تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل، والتي تؤيد بشكل صريح تعميق التمسك بكل أجزاء أرض إسرائيل، وحتى الضم. كل ذلك يمكن أن يصعب جدا على إسرائيل في الساحة الدولية، ولا سيما في مواجهتها للتهديد الإيراني.
التوتر بين القطاعات والمعسكرات المختلفة في إسرائيل ازداد جدا في السنة الماضية، ويرافقها تقاطب وتطرف على الصعيد السياسي. الائتلاف الذي تشكل في أعقاب الانتخابات للكنيست الـ 25 يطرح أجندة يمينية واضحة، التي يراها جزء كبير من الجمهور كأجندة متطرفة وحتى مهددة لروح دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. هذا في حين أن المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع ممزق ومقسم أكثر من أي وقت مضى، بعد انتهاء أربع سنوات على عدم الاستقرار السياسي والتحريض ونزع الشرعية المتبادلة. كل ذلك يطرح علامات استفهام مقلقة بخصوص مجرد القدرة على الحفاظ على أسس النظام الديمقراطي، واستقلالية منظومة القضاء وإنفاذ القانون، والتوازنات على صعيد الدين والدولة وأيضا حقوق الفرد. علامات الاستفهام هذه تشكل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي – سواء في أعقاب إمكانية كامنة لاندلاعات عنيفة على شاكلة “حارس الأسوار”، ولا يقل عن ذلك أهمية بسبب المس بشعور التضامن والتماهي مع الجماعة، وهي أمور حيوية لاستمرار تحمل عبء مواجهة التحديات ثقيلة الوزن من الخارج.
العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة والتي هي ذخر كبير للأمن القومي في إسرائيل يتم تحديها على يد تحديات سياسية – اجتماعية أميركية داخلية، وعلى يد ابتعاد الجاليات اليهودية هناك عن إسرائيل، ضمن أمور أخرى، ردا على ما يحدث في إسرائيل نفسها. تعزز التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي الأميركي من جهة، والتحدي في اليمين تجاه النخبة التي ينتمي إليها جزء كبير من يهود شرق الولايات المتحدة من جهة أخرى، ضعضعة قواعد الدعم لإسرائيل وكذلك مكانة الجاليات اليهودية. الاهتمام المتضائل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلى جانب تشكيل حكومة يمينية واضحة في إسرائيل في الوقت الذي فيه الإدارة الأميركية تمسك بأجندة ليبرالية، تزيد خطوات الابتعاد. هذه العمليات تهدد بقضم الدعم التقليدي الأميركي لإسرائيل في كل المجالات – السياسية والأمنية والاقتصادية – وهكذا المس بشكل كبير بالمكانة الدولية والإقليمية لإسرائيل، بقوتها الاقتصادية وقدرتها على مواجهة التهديدات الرئيسية عليها، وعلى رأسها إيران.
ضرورة فهم واستيعاب التداعيات الخطيرة لاستمرار وزيادة حدة التوجهات القائمة في السياق الفلسطيني وفي السياق الإسرائيلي الداخلي. من هنا تأتي الحاجة الملحة إلى تغيير الاتجاه. إسرائيل عرفت كيفية النهوض وكيف تقوم بذلك عند وصولها إلى مفترق طرق حاسمة في السابق. نحن نأمل في أن تعرف كيف ستقوم بذلك أيضا في هذه المرة؟.