Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Jul-2019

أوروبا عائدة* د. موسى شتيوي

 الغد-قد يذكر البعض العبارة الشهيرة للرئيس بوش الابن في معرض استهزائه أو انتقاده “أوروبا العجوز”. هذا الموقف لم يكن عابراً، فقد تجاهلت الإدارة الأميركية الجمهورية والديمقراطية على حدّ سواء أوروبا، وأصبحت تنظر للاتحاد الأوروبي بوصفه منظمة إقليمية بدلاً من كونه كياناً سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً. هذا النهج عزّزه الرئيس ترامب بمواقفه الحادة من دور الاتحاد بـ”الناتو” ومن ألمانيا وغيرها من الدول، وما تشجيع ترامب لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي سوى أحد المؤشرات القوية لهذا الموقف.

عندما تم انتخاب ترامب، الرئيس ذي النزعة القومية واليمينية، أعطى دفعة لصعود اليمين الأوروبي المتطرف، الذي كان بعضه يطالب بلاده بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، الذي أدى لقلق العديد من الدول الأوروبية من هذا التحوّل، وأثره على وحدة أوروبا، وتوقع العديد من المراقبين تفكك الاتحاد الأوروبي.
ولكن شيئاً من الطروحات اليمينة لم يتحقق، بل على العكس، فإن السنوات الماضية أثبتت تشبثاً بالاتحاد الأوروبي حتى من قبل الأحزاب اليمينية نفسها، ولأنها أدركت ان مصالحها الوطنية تكمن في وحدتها أوروبياً.
قد يكون من المبكر الاستنتاج بأن أوروبا أصبحت دولة مركزية سياسياً، ولكن هناك تحولا تدريجيا في الجانب السياسي من عواصم الدول إلى بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي، وبدأ هذا يتكرس بالعديد من المواقف والقرارات السياسية على الساحة الدولية.
أوروبا الاتحاد تشكل ثقلاً سكانياً كبيراً، وتشكل ثاني اقتصاد عالمي، ويتبع ذلك ثقل سياسي وازن ومتوازن فيما يتعلق بالقضايا الدولية، مثل موقفها من إيران، أو القضية الفلسطينية.
هناك العديد من الأطراف، ولأسباب مختلفة، لها مصلحة في تفكك الاتحاد الأوروبي، أو إضعافه.
الولايات المتحدة، وبخاصة مع نهاية التسعينيات، بدأت تضع ثقلها في منطقة الشرق الأوسط، واستراتيجيتها الجديدة في التحول في جنوب شرق آسيا نابعة من إيمانها بأن الصين تشكل الخطر الاستراتيجي عليها. وعليه، بدأت بإهمال الاتحاد الأوروبي، وحتى حلف الناتو، وأصبحت تفترق سياساتها عن السياسات الأوروبية، بل بدأت تشجع الأحزاب والدول ذات النزعة الانفصالية عن أوروبا.
روسيا أيضاً لها مصلحة سياسية في إضعاف أوروبا الموحدة كردة فعل على السياسة الأوروبية وحلف الناتو حيال بعض الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، مثل دول البلطيق وأوكرانيا وغيرها. وهي تحاول اختراق الموقف الأوروبي من خلال الاقتراب والتقرب من بعض دول أوروبا الشرقية أو أحزابها، وبالقدر الذي تقترب به هذه الدول، من روسيا، فهي تبتعد عن أوروبا، أو تضعف أواصرها بها.
الدولة الثالثة التي لها مصلحة في إضعاف أوروبا ككتلة هي الصين، والتي تفعل ذلك لأسباب اقتصادية، إذ إن لديها العديد من المبادرات الاقتصادية التي تستهدف دولاً محددة، دون المرور بالاتحاد الأوروبي، وذلك لتحقيق مصالحها الاقتصادية. وهي بذلك إن نجحت في ربط اقتصاديات بعض الدول الأوربية فإنها حكماً تضعف اوروبا اقتصادياً.
أوروبا تنتفض بهدوء، وتضع لنفسها سياسة مختلفة عن السياسة الأميركية على أصعدة عدة، وبالتأكيد هي لا تسعى للتصادم مع أي من هذه القوى، ولكنها تسعى لتحقيق مصالحها، وحفظ دورها ومكانتها السياسية والاقتصادية.
أوروبا تشهد تحوّلات جوهرية في بنيتها السياسية باتجاه تصاعد دور “بروكسل” في السياسة الأوروبية الخارجية، وهذا تحول مهم لا تستطيع أن تتجاهله أي دولة، وحتى الولايات المتحدة، وبالتأكيد عربيا وأردنيا.